تحديات أن تكون عالمًا متدينًا

نظرًا للتصور الشائع، سوف نسامحك على افتراض أن الشخص العالِم ليس بالضرورة أن يكون شخصًا متدينًا. لنتأمل البرنامج التلفزيوني الشهير “نظرية الانفجار الكبير”، والذي يدور حول أصدقاء حصل جميعهم تقريبًا على درجات علمية متقدمة في الفيزياء أو علم الأحياء أو علم الأعصاب. حيث عاشت الشخصية الرئيسية شيلدون – وهو فيزيائي غالبًا ما يرفض الدين – جنبًا إلى جنب مع والدته المسيحية المتدينة، التي لا تهتم بالعلم وتتجاهله.

تعزز مثل هذه الصور النمطية فكرة أن الدين والعلم لا يختلفان عن بعضهما البعض فحسب، بل إنهما متحاربان أيضًا. ومع ذلك فقد وجد علماء الاجتماع أن معظم عامة الناس في الولايات المتحدة لا ينظرون في الواقع إلى الدين والعلم على أنهما في صراع. فعندما يبدو أن الدين يقلل من قبول الأفراد للأفكار العلمية، فإن ذلك ليس بسبب الحقائق نفسها. بل غالبًا ما ترتكز اعتراضات الأفراد المتدينين على الآثار الأخلاقية لهذا البحث، أو الدور المتصور للعلماء في صنع السياسات.

إن الكثير من العلماء متدينون، مما يقوض الافتراضات حول كون الإيمان والعلم متعارضين بطبيعتهما. لنأخذ على سبيل المثال فرانسيس كولينز، المدير السابق للمعاهد الوطنية للصحة، الذي كان منفتحًا بشأن معتقداته المسيحية.

ومن ناحية أخرى، يواجه المتدينون تحديات عند العمل في مجال العلوم. ولا علاقة لهذه التحديات بالصراعات الداخلية حول القضايا النمطية مثل أصول الحياة البشرية. إذ يشير العلماء المتدينون في كثير من الأحيان إلى أنهم يواجهون العداء من أقرانهم ومن الثقافة المهنية التي تشكل تحديات لأهداف الحياة الأخرى، مثل بناء الأسرة.

لقد توصلت إلى هذا الاستنتاج بعد استطلاع رأي أكثر من 1300 طالب دراسات عليا في الولايات المتحدة في علم الأحياء والكيمياء والفيزياء وعلم النفس وعلم الاجتماع وهي واحدة من العديد من الدراسات الاجتماعية التي أجريتها لمحاولة فهم الديناميكيات الاجتماعية للدين والعلم. وقد عرضت نتائج هذا البحث في كتاب نشرته في تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعنوان “العالم المخلص: تجارب التحيز ضد الدين في التدريب العلمي”.

الإلحاد المفترض

وفقًا لهذا الاستطلاع، يقول 22 % من طلاب الدراسات العليا في العلوم أنهم يؤمنون بالله، و20% يصفون أنفسهم بأنهم متدينون “جدًا” أو “معتدلون”. وتشبه هذه النسب ما نراه بين أعضاء هيئة التدريس في العلوم، ولكنها أقل بكثير مما نراه بين عامة الناس في الولايات المتحدة. إذ وفقًا للاستطلاعات التي أجراها مركز بيو للأبحاث، يقول حوالي نصف الأميركيين أنهم يؤمنون ب “الله كما هو موصوف في الكتاب المقدس”، بينما يؤمن ثلثهم بوجود قوة عليا أخرى. وقد وجدت مؤسسة جالوب أن 3 من كل 4 أمريكيين يقولون إن الدين مهم جدًا، أو إلى حد ما، في حياتهم.

قد يخلق التكوين غير الديني نسبيًا للأقران وأعضاء هيئة التدريس تحديات لطلاب الدراسات العليا المتدينين. إذ وصف العديد من الطلاب المتدينين الذين تحدثت معهم ثقافة تفترض أن كل شخص في المختبر أو الفصل الدراسي ملحد، ويُسمح بالتعليقات المعادية بشكل علني تجاه الدين أو المتدينين. أخبرني أحد طلاب الدراسات العليا المسيحيين في علم الأحياء: “لقد صدمت حقًا عندما بدأت دراستي العليا. .. بسبب عدم احترام زملائي الطلاب وكذلك الأساتذة. ما زلت أشعر أنني بحاجة لإخفاء هذا الجزء من حياتي. … لا أشعر بالرغبة في الانفتاح”.

في الواقع، وافق حوالي ثلثي الطلاب الذين وُصفوا بأنهم متدينون للغاية أو متدينون بشكل معتدل على العبارة القائلة بأن “الناس في تخصصي لديهم موقف سلبي تجاه الدين”، وذلك وفقًا لاستطلاع أجريته ونشرته في كتابي. كما اتفق حوالي 40% من هؤلاء الطلاب على أنهم “يخفون أو يموهون” وجهات نظرهم أو هويتهم أمام الأشخاص في برنامجهم.

الأسرة والمهنة

يواجه الطلاب المتدينون في الدراسات العليا في العلوم صراعات ثقافية أكثر دقة أيضًا. إذ سلطت العلوم الاجتماعية الضوء على التحديات العديدة التي يواجهها العلماء الأكاديميون في تأسيس حياتهم العائلية والحفاظ عليها. فمن ناحية، تتطلب وظائف الدراسات العليا والمناصب التي تسبق التثبيت الكثير من الجهد، مما يدفع العديد من العلماء الأكاديميين إلى تأخير إنجاب الأطفال أو إنجاب عدد أقل مما كانوا يرغبون به. كما أن الطبيعة التنافسية العالية في الوظائف الأكاديمية تعني أن العلماء نادرًا ما يكون لهم رأي في المكان الذي يعيشون فيه، مما يجعل الاعتماد على دعم الأجداد وغيرهم من أفراد الأسرة عند تربية الأطفال أمرًا صعبًا. وتصبح كل هذه الديناميكيات أكثر صعوبة إذا كان الارتباط بين عالم وعالمة وهو ما يسمى غالبًا “مشكلة ثنائية الطرفين”.

وتبرز هذه التحديات بشكل خاص بالنسبة لطلاب الدراسات العليا المتدينين. إذ أظهرت العديد من دراسات العلماء أن الدين يؤثر على مواقف الأفراد وسلوكياتهم عندما يتعلق الأمر بأشياء مثل عدد الأطفال الذين يرغبون في إنجابهم.

وفي الواقع، وجدت الدراسة الاستطلاعية التي أجريتها ونشرتها في كتابي أن 23% من طلاب الدراسات العليا في العلوم الذين يعتبرون متدينين للغاية لديهم بالفعل طفل واحد على الأقل، مقارنةً مع 12% من المعتدلين و7% من قليلي التدين و6% من الذين يقولون إنهم غير متدينين. كما أبدى العديد من الطلاب المتدينين رغبة أكبر في إنجاب المزيد من الأطفال في المستقبل.

وتوثر هذه الأنماط على المسارات الوظيفية. إذ طلبت في الاستطلاع الذي أجريته من المشاركين تقييم أهمية الحياة المهنية والشراكة والأبوة على مقياس من أربع نقاط. في المتوسط، لم يُعلّق الطلاب المتدينون أهمية أقل على الحياة المهنية مقارنة بأقرانهم الأقل تدينًا، لكنهم أولوا أهمية أكبر لحياتهم العائلية. وبدورها، ترتبط هذه الأهمية الممنوحة للأسرة بانخفاض النية في متابعة المناصب التي تركز على البحث. ومع تساوي جميع العوامل الأخرى، فإن الطلاب الذين يقولون إن الأهداف العائلية “مهمة جدًا” بالنسبة لهم هم أقل عرضة بنسبة 12% للقول إنهم يعتزمون متابعة هذا المنصب، مقارنة بالطلاب الذين يقولون إن هذه الأهداف “ليست مهمة” بالنسبة لهم.

فوائد التنوع الديني

قد يرفض الكثير من الناس هذه التحديات، لأن الدين عادةً لا يشكل جزءًا من المحادثة حول دعم وزيادة التنوع في العلوم.

ومع ذلك، فإن الإدلاء بتعليقات مهينة أو إظهار أشكال أخرى من العداء تجاه دين الفرد -كما قال العديد من المجيبين على سؤالي- قد ينتهك قوانين مكافحة التمييز والتحرش.

علاوة على ذلك، فإن أبعاد التنوع ليست معزولة عن بعضها البعض. فقد توصلت في البيانات التي جمعتها من أجل كتابي إلى أن طلاب الدراسات العليا في العلوم من الإناث وذوي البشرة السوداء هم أكثر عرضة للتعريف عنهم بأنهم متدينون من الطلاب الذكور وذوي البشرة البيضاء. على سبيل المثال، يعتبر 23% من الطلاب ذوي البشرة السوداء الذين شملهم الاستطلاع أنهم “متدينون للغاية”، مقارنة ب 7.3% من الطلاب ذوي البشرة البيضاء. إن تجاهل الدين باعتباره أحد أبعاد التنوع قد يؤدي إلى تقويض الجهود الرامية إلى دعم أشكال أخرى من التنوع في العلوم.

أود أن أزعم أن التنوع الديني يمكن أن يجلب فوائد أخرى للمجتمع العلمي أيضًا. إذ نظرًا للأهمية المتزايدة للقضايا بين العمل والأسرة بين العلماء المتدينين، فإن هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا عوامل مهمة في تغيير المعايير والسياسات التي تعمل على تحسين التوازن بين العمل والحياة لجميع العلماء.

وعلى نحو مماثل، يمكن أن يكون العلماء المتدينون سفراء، أو ما تسميه عالمة الاجتماع إيلين هوارد إكلوند “بناة جسور” بين المجتمعات العلمية والدينية.

على المدى القصير، قد تفكر برامج الدراسات العليا في العلوم في كيفية التعامل مع الدين والحديث عنه، مع الأخذ في الاعتبار احتمال أن حوالي 1 من كل 5 من طلابها يمكن أن يكونوا متدينين.

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
  • المصادر: 1