هل يمكننا تلافي حدوث حرب عالمية ثالثة؟

طورت القوى العظمى في العالم نظامًا للدبلوماسية والردع لمنع اندلاع الحرب العالمية الثالثة، والتي قد تنطوي على استخدام الأسلحة النووية، وعلى الرغم من ذلك، ومنذ عام 1945، تسببت أزمات عديدة في إمكانية حدوث صراع ثالث مدمر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (الاتحاد الروسي الآن).

في خريف عام 1962، دفعت أزمة الصواريخ الكوبية حكومتي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى الاقتراب من نقطة الصراع النووي. منذ ذلك الحين، حافظت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ثم روسيا على قنوات اتصال مباشرة ومستمرة بينهما من أجل تجنب الإطلاق العرضي للأسلحة النووية وإحداث كارثة عالمية في الحرب العالمية الثالثة، وفقًا للمبادرة المتعلقة بالتهديد النووي.

تهديد الحرب العالمية الثالثة

انتهت الحرب العالمية الثانية بعد وقت قصير من إلقاء القنابل النووية على هيروشيما، مما أدى إلى ظهور أول احتمال للإبادة النووية في تاريخ البشرية. وأدى انتشار الأسلحة النووية بعد ذلك إلى ظهور إمكانية تبادل القنابل الذرية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBM)، والقادرة على إحداث دمار على نطاق واسع، ذلك وفقًا لموقع National Park Service الأمريكي.

أظهر استخدام القنابل الذرية ضد مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين اللتين أنهتا الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادئ في عام 1945 القدرة التدميرية الهائلة لهذه الأسلحة.

ومع ذلك، فإن تطوير الأسلحة النووية لم يكن حكرًا على الولايات المتحدة، فقد أجرى الاتحاد السوفيتي أول تجربة نووية له في 29 أغسطس/ آب 1949، وفقًا لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBTO)، وهي منظمة غير ربحية أنشأتها الأمم المتحدة لمراقبة معاهدة 1996 التي تحظر التجارب النووية.

لم يمض وقت طويل قبل أن ينشر السوفييت ترسانتهم الخاصة من الأسلحة النووية، مما يخلق إمكانية نشوب صراع عالمي يؤدي إلى عواقب مدمرة محتملة للعالم.

الضمانات ضد الحرب العالمية الثالثة

وصلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى شفا حرب نووية أثناء أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، وفقًا لموقع Office of the Historian، وكانت إحدى أكبر التحديات التي واجهت قادة البلدين هي قنوات الاتصال البطيئة وغير الموثوقة بين الزعيمين، الرئيس جون كينيدي ورئيس مجلس الإدارة نيكيتا خروتشوف، وفقًا لورقة بحثية نُشرت في مجلة Global Security Studies.

تسببت النتيجة المدمرة المحتملة لهذه الأزمة في قيام البلدين بإنشاء ضمانات والحفاظ عليها لمنع سوء التواصل والاندلاع المقصود أو غير المقصود للحرب العالمية الثالثة.

أحد هذه الضمانات هو خط ساخن للاتصالات بين عاصمتي البلدين، والذي أنشيء في أغسطس/آب 1963. وكان الهدف من هذا الخط الساخن هو <<توفير اتصال مباشر بين البيت الأبيض والكرملين>>، وفقًا لروجر هيرميستون، مؤلف كتاب “دقيقتان إلى منتصف الليل”.

لذا وضعت ضمانات إضافية، بما في ذلك اتفاقية 1971 بشأن تدابير الحد من مخاطر اندلاع الحرب النووية واتفاقية 1972 بشأن منع الحوادث في البحر.

الخط الساخن بين موسكو وواشنطن

في وقت مبكر من عام 1954، اقترحت الحكومة السوفيتية تنفيذ الضمانات ضد تبادل نووي عرضي، وبعد ما يقارب العقد من الزمان، في 20 يونيو / حزيران 1963، وقعت الحكومتان السوفيتية والأمريكية مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية فيما يتعلق بإنشاء رابط اتصالات مباشر، وفقًا لموقع وزارة الخارجية الأمريكية (U.S. Department of State).

استخدم الخط الساخن الأول بين موسكو وواشنطن العاصمة معدات مبرقة صُنّعت في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ثم جرى تبادلها. ووجهت الدوائر الالكترونية من واشنطن العاصمة عبر لندن وكوبنهاغن وستوكهولم وهلسنكي ثم إلى موسكو، بينما ربط خط راديو احتياطي نقاط الوجهة عبر طنجة في شمال غرب المغرب.

في الثمانينيات، قاموا بترقية الخط الساخن بمعدات الفاكس، وجُهز رابط بريد إلكتروني آمن للكمبيوتر في عام 2008. وفقًا لهيرميستون، يعد الخط الساخن مكملاً لعدد من الضمانات العامة بما في ذلك تقليل كمية الأسلحة النووية المتداولة، وتطوير معاهدات مثل القوات النووية متوسطة المدى (معاهدة INF) في عام 1987، ومعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (S.T.A.R.T.) في عام 1991 ومعاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (S.O.R.T.) في عام 2002.

كتب هيرميستون: <<من المثير للاهتمام، وفي 3 كانون الثاني/ يناير 2022، قامت القوى النووية الخمس الكبرى بما فيها الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة بالتوقيع على بيان مشترك يلتزمون فيه بمنع الحرب النووية وتجنب سباقات التسلح >>.

وأشار أيضًا إلى أن سباق التسلح النووي بين القوى العظمى في العالم بدأ في عام 1953، ودفع إلى وضع ضمانات. بحلول أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان تطوير أسلحة نووية ذات قدرة تدميرية أكبر بكثير من القنابل الأولى في مراحل مختلفة من البحث والانتشار، وخاصةً القنبلة الهيدروجينية.

<<كان عام 1953 هو العام الذي تحرك فيه العالم خطوة خطيرة للأمام من القنبلة الذرية إلى القنبلة الفائقة الجديدة المرعبة، وهي متفجرة نووية حرارية تعتمد على اندماج الهيدروجين، وتدميرها يصل إلى ألف مرة أكثر من القنابل التي دمرت هيروشيما وناجازاكي>>، وفقًا لما كتبه هيرميستون.

كما قال: <<أنتج الأمريكيون نموذجهم الأولي للقنبلة H ​​ التي تحمل الاسم الرمزي Ivy Mike في نوفمبر/تشرين الثاني 1952. وبعد ذلك اختبر الروس بنجاح قنبلتهم الخاصة، التي تحمل الاسم الرمزي Joe-4، في أغسطس /آب 1953. ونتيجة لذلك، فإن ساعة يوم القيامة (Doomsday Clock) ( وهي ساعة افتراضية وضعها علماء الذرة تمثل الكوارث العالمية التي يسببها البشر وتقيس مدى قرب العالم من النهاية)، قد نقلت إلى دقيقتين حتى منتصف الليل، أقرب مما كان عليه في سبع سنوات من الحرب الباردة >>.

وأضاف: <<عززت زيادة المخزونات النووية الأمريكية والسوفيتية من أهمية الاتصال المباشر بين القوى العظمى، ومع زيادة السوفيت لمخزونهم في ظل (رئيس الوزراء ليونيد) بريجنيف، جاء التكافؤ بين القوتين العظميين في منتصف السبعينيات. وقد صاغ وزير الخارجية الأمريكي روبرت ماكنمارا عبارة (الدمار المؤكد المتبادل) (M.A.D.) وأعلن عنه في أوائل الستينيات .

ببساطة، أكدت عبارته أن ضربة نووية تقوم بها قوة واحدة من شأنها أن تستدعي ضربة انتقامية من القوة الأخرى، مما يؤدي إلى تدمير كليهما وبالتالي محرقة نووية عالمية.

كتب هيرمستون: <<بحلول عام 1962، عام أزمة الصواريخ الكوبية، امتلكت الولايات المتحدة 25.540 سلاحًا نوويًا، وكان لدى السوفييت 3356، وكان لدى المملكة المتحدة 211>>.

وبحسب هيرمستون، كانت مخزونات الأسلحة النووية بين القوى العالمية بنهاية عام 1953 على النحو التالي:

  • الولايات المتحدة الأمريكية: 1169
  • الاتحاد السوفيتي: 120
  • المملكة المتحدة: 1

الصراع مع القدر

استخدم الخط الساخن منذ نشأته بين موسكو وواشنطن في عدة مناسبات، مما وفر تلك الصلة الحيوية بين الكرملين والبيت الأبيض والبنتاغون.

يُقال إن الخط الساخن، الذي يُشار إليه أحيانًا باسم MOLINK وفقًا لأرشيف نيويورك تايمز، قد نُشط خلال حرب الأيام الستة عام 1967، والحرب الهندية الباكستانية عام 1971، وحرب يوم الغفران عام 1973، والغزو التركي لقبرص عام 1974، والغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، والتدخل العسكري الروسي الأخير في سوريا، وربما في مناسبات أخرى.

تشير التقارير الأخيرة إلى أن المؤسسات العسكرية للولايات المتحدة وروسيا قد فتحت خطًا مباشرًا وتكتيكيًا ساخنًا للتخفيف من احتمال وقوع مواجهة عسكرية عرضية أثناء العمليات الروسية الحالية في أوكرانيا، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية. قال مسؤول أمريكي كبير لشبكة NBC News في أوائل مارس/آذار 2022 <<أنشأت وزارة الدفاع مؤخرًا خطًا لحل النزاع مع وزارة الدفاع الروسية في 1 مارس/آذار لأغراض منع الحسابات الخاطئة والحوادث العسكرية والتصعيد>>.

إن مثل هذه الحماية مضمونة نظرًا لقرب القوات الروسية العاملة في أوكرانيا من حدود بولندا ورومانيا والمجر ودول الناتو الأخرى.

يرى هيرمستون الوضع غير المستقر حاليًا من خلال عدسة التاريخ، ويقول: <<في عام 1953، جاءت اللحظات الأكثر إثارة للقلق بعد وفاة رئيس الوزراء السوفيتي جوزيف ستالين، حيث كانت الحرب الكورية لا تزال مستعرة>>، حسب تقييمه.

<<كان هناك تفاؤل بأننا قد ندخل حقبة جديدة من (الانفراج مع السوفييت)، لكن المشكلة لم يكن أحد يعرف حقًا ما كان يفكر فيه خلفاؤه في الكرملين. بعد أسبوعين من جنازة ستالين، أسقطت مقاتلة سوفيتية قاذفة بريطانية من طراز MiG مما أسفر عن مقتل جميع أفراد الطاقم الستة، مسببةً نقطة اشتعال خطيرة. اليوم، أصبحت فكرة الدمار المتبادل المؤكد مترسخة ومعترف به، لذا فإن خطاب بوتين المزعج سيبقى مجرد كلام. ومن خلال مهاجمة الغرب بالأسلحة النووية، فإنه سيدعو إلى تدمير بلاده >>.

هل يمكن منع الحرب العالمية الثالثة؟ ربما يسود العقل والمنطق، بينما قد يُتوقع أن تخدم الضمانات الحالية الغرض منها.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: نور عباس
  • المصادر: 1