الحوسبة الكمومية: تعريفها، حقائق عنها، استخداماتها

الحوسبة الكمومية هي عصر جديد وفائق القوة لتكنولوجيا الحاسوب.

الحوسبة الكمومية هي جيل جديد من التكنولوجيا، إذ تنطوي على نوع من الحواسيب أسرع بـ 158 مليون مرة من الحاسب الفائق الأكثر تطورًا في العالم اليوم. إنه قوي لدرجة أنه يستطيع بأربع دقائق فقط أن ينجز ما قد يستغرقه الحاسوب الفائق التقليدي 10000 عام لإنجازه.

بقيَت حواسيبنا لعقود بنفس التصميم تقريبًا، سواء كانت آلات ضخمة كتلك الموجودة في ناسا، أو حاسبك المحمول في المنزل، فكلها أساسًا آلات حاسبة متطورة، تقوم بشيء واحد في كل مرة.

ووفقًا لكتاب (أساسيات الحواسيب)؛ إن الطريقة الرئيسية لعمل كل الحواسيب، هي معالجة وتخزين المعلومات المكونة من أرقام ثنائية تسمى البِتات، تأخذ هذه البِتات قيمتَين فقط؛ الواحد أو الصفر. وهذه الأرقام هي التي تُنشئ رمزًا ثنائيًا، وهي التي يحتاج الحاسوب إلى قراءتها لأداء مهمة محددة.

ما هي الحوسبة الكمومية؟

وفق مجلة دوكيومنتا ماثيماتيكا (Documenta Mathematica)؛ إنّ نظرية الكمّ هي فرع من فروع الفيزياء، يهتم بدراسة عالم الذرات بالغ الصغر والجُسيمات ما دون الذرية الموجودة بداخلها. فعند الخوض في هذا العالم الصغير، تختلف قوانين الفيزياء كثيرًا عن ما ألِفناه حولنا. فعلى سبيل المثال؛ يمكن للجسيمات الكمومية أن تتواجد في عدة حالات في نفس الوقت، وهو ما يُعرف بمبدأ التراكب الكمّي.

وقد نشر المؤتمر الدولي للبيانات الضخمة (IEEE International Conference on Big Data)؛ ورقة بحثية مفادها أن الحواسيب الكمومية تستخدم بدلًا من البِتات، شيئًا يسمى بالبتات الكمومية (الكيوبِتات qubits). يمكن للبِت التقليدي أن يكون إما صفرًا أو واحدًا، بينما يمكن للكيوبت أن يكون صفرًا أو واحدًا أو الاثنين معًا في نفس الوقت.

هذا يعني أنه ليس على الحاسوب الكمومي الانتظار للانتهاء من مهمة للبدء بمهمة أخرى؛ فهو يستطيع القيام بالاثنتين معًا في نفس الوقت.

تخيل أنه لديك الكثير من الأبواب المقفلة باستثناء باب واحد، وعليك أن تجد هذا الباب، في هذه الحالة يحتاج الحاسوب التقليدي لتجربة جميع الأبواب واحدًا تلو الآخر إلى أن يصل إلى الباب المنشود، وهذا يمكن أن يستغرق خمسة دقائق، أو حتى مليون سنة، تبعًا لعدد الأبواب التي لدينا، بينما يمكن للحاسوب الكمومي تجربة جميع الأبواب دفعةً واحدة؛ وهذا ما يجعله هائل السرعة.

وبحسب مجلة نيتشر (Nature)؛ أنه بالإضافة إلى مبدأ التراكب الكمّي، تبدي الجسيمات الكمومية سلوكًا غريبًا آخر يدعى التشابك الكمّي، والذي من شأنه جعل هذه التقنية رائدة.

عندما يتشابك جسيمان كميّان؛ فإنهما يشكلان اتصالًا مع بعضهما البعض بغض النظر عن المسافة بينهما، وبالتالي إذا غيرنا أحدهما فإن الآخر يتغير بنفس الطريقة حتى ولو كان بينهما آلاف الأميال، وقد أطلق أينشتاين على هذه الخاصية «التأثير الشبحي عن بعد».

بالإضافة إلى السرعة، هنالك ميزة أخرى تتفوق بها الحواسيب الكمومية على نظيرتها العادية ألا وهي الحجم.

ووفقًا لمجلة (IEEE Annals of the History of Computing)؛ أنه وبحسب قانون مور (Moore’s Law)، تتضاعف القدرة الحاسوبية كل سنتين تقريبًا. ولكن للتمكن من ذلك؛ يتعين على المهندسين تركيب المزيد والمزيد من الترانزستورات على لوحة الدارة الإلكترونية، والترانزستور كمفتاح الضوء المجهري، والذي يكون إما في حالة التشغيل أو إيقاف التشغيل. فهذه هي الطريقة التي يعالج بها الحاسوب صفرًا أو واحدًا، واللذَين تجدهما في الكود الثنائي.

ووفق مجلة العلماء الشباب (the Young Scientists Journal)، أنت تحتاج للمزيد من تلك الترانزستورات، لحل المسائل الأكثر تعقيدًا. وبغض النظر عن مدى صغر حجمها، يمكنك وضع الكثير منها على لوحة الدارة الإلكترونية.

هذا يعني أنه عاجلاً أم آجلاً، ستكون أجهزة الكمبيوتر التقليدية ذكية بقدر ما نصنع من هذه الترانزستورات. وهنا سيأتي دور الآلات الكمومية لتغيير الأشياء.

لقد تحول السعي إلى صناعة الحواسيب الكمومية؛ إلى نوع من السباق العالمي، إذ تتنافس بعض أكبر الشركات وبالتأكيد الحكومات للمضي قدمًا بهذه التكنولوجيا على نحو غير مسبوق؛ مما أدى إلى زيادة الاهتمام بأسهم الحوسبة الكمومية في الأسواق المالية.

وأحد الأمثلة على ذلك هو جهاز صنعته شركة (D-Wave)؛ وهي شركة حوسبة كمومية كندية، والتي صرحت في بيان صحفي لها، أنها قد أنشأت نظام Advantage، وتقول إنه الحاسوب الكمومي الأول والوحيد المصمم للاستخدام التجاري.

تقول شركة D-Wave؛ إنها قد صممت حاسوبها مع هيكل معالج جديد من نوعه، يحتوي على أكثر من 5000 كيوبت و15 طريقة للوصل بينها. والذي من شأنه تمكين الشركات من حل أكبر مشاكل الأعمال وأكثرها تعقيدًا.

تدّعي الشركة أن جهازها هو الحاسوب الأول والوحيد الذي يُمكّن العملاء من تطوير وتشغيل تطبيقات العالم الحقيقي، والتطبيقات الكمومية قيد الإنتاج على نطاق واسع في التخزين السحابي. وتقول الشركة إن نظام Advantage أسرع بـ 30 مرة، ويقدم حلولًا مساوية أو أفضل بنسبة 94% من الوقت، مقارنةً مع نظام الجيل السابق.

ووفق شركة الحوسبة الكمومية Quantum Computing Inc. (QCI)؛ بالرغم من الإمكانيات الحسابية النظرية الهائلة للحواسيب الكمومية، أنت لست بحاجة لكل ذلك، فلا داعٍ لرمي حاسوبك القديم في سلة المهملات في المدى القريب، فستظل الحواسيب التقليدية تلعب دورًا في أي عصر جديد. وهي أكثر ملاءمةً للمهمات اليومية؛ مثل جداول البيانات والمراسلة الإلكترونية ومعالجة النصوص.

ومع ذلك يمكن للحوسبة الكمومية إحداث تغيير جذري في مجال التحليلات التنبؤية؛ لأن الحاسوب الكمومي يمكنه إجراء التحليلات والتنبؤات بسرعات فائقة، وسيكون قادرًا على التنبؤ بأنماط الطقس ونمذجة أداء حركة المرور، وكل ما يحتوي على ملايين -إن لم يكن مليارات- المتغيرات التي تتغير باستمرار.

لماذا نحتاج الحوسبة الكمومية؟

تستطيع الحواسيب العادية أن تنفذ ما يُطلب منها جيدًا بما يكفي، إذا زودها الإنسان ببرنامج الحاسوب الصحيح. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالأشياء، فهي ليست على ذلك القدر من الذكاء؛ وهذا ما يجعل توقعات الطقس غير دقيقة دائمًا، فهنالك الكثير من المتغيرات، والعديد من الأشياء التي تتغير بسرعة كبيرة يتعذر معها على الحاسوب العادي مواكبة كل ذلك.

وذلك بسبب قدراتها المحدودة، كما أن هنالك بعض العمليات الحسابية التي يتعذر على الحاسوب العادي حلها، أو أنه يحتاج إلى مليار سنة لحلها، وهذا ليس جيدًا كثيرًا إذا كنت محتاجًا إلى توقع سريع أو جزء من تحليل ما.

ووفقًا لبحث أجرته شركة (Rigetti Computing)؛ وهي شركة أنظمة متكاملة، إن الحاسوب الكمومي ذو سرعة كبيرة جدًا على نحو غير محدود تقريبًا، وهذا ما يجعله سريع الاستجابة لتغير المعلومات، بالإضافة إلى فحص عدد غير محدود من النتائج والتباديل في الوقت نفسه.

تُعدّ الحواسيب الكمومية أيضًا صغيرة نسبيًا؛ لأنها لا تعتمد على الترانزستورات مثل الآلات التقليدية، كما أنها تستهلك طاقة أقل نسبياً؛ مما يعني أنها يمكن أن تكون أفضل للبيئة نظريًا.

  • ترجمة: هزار حمود
  • تدقيق علمي ولغوي: زين العابدين حمّود
  • المصادر: 1