الكشف عن الاختلافات الدماغية المرتبطة بالتوحد في الرحم

تشير الأبحاث المبكرة إلى أن مسح دماغ الأطفال في الرحم قد يكشف ما إذا كان الطفل معرضًا لخطر الإصابة بالتوحد في وقت لاحق من الحياة. وجدت دراسة صغيرة أجريت على 39 جنينًا أنه بحلول 25 أسبوعًا من الحمل، بدت مناطق معينة من الدماغ تختلف عند الأجنة الذين شُخصوا بالتوحد مقارنةً بأولئك الذين لم يشخصوا بهذه الحالة.

وأظهرت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي قبل الولادة، أن الفص الجزيري الذي قد يلعب دورًا في الوعي الإدراكي والسلوك الاجتماعي واتخاذ القرار، كان أكبر حجمًا في الأطفال الذين شخصوا لاحقًا بالتوحد، مقارنةً بالفص الجزيري للأطفال الذين لم يشخصوا بالتوحد.

وقد ظهر في فحوصات ما قبل الولادة أن حجم المنطقة الدماغية التي تسمى اللوزة لدى الأطفال المصابون بالتوحد أكبر حجمًا، وهو اكتشاف يتوافق مع النتائج السابقة والتي تظهر لوزة أكبر في الأطفال الصغار المصابين بالتوحد.

وقال المؤلف الأول للدراسة ألبين أورتوغ، وهو زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في مستشفى ماساتشوستس العام بكلية الطب بجامعة هارفارد: «توضح هذه النتائج أننا بحاجة إلى التركيز على هذه المناطق الواعدة كمؤشرات حيوية محتملة ومعرفة سبب هذه التغيرات».

وأفاد الباحثون أن النتائج تدعم مجموعة الأدلة التي تفيد بأن تَقدم المرض المرتبط بالتوحد قد تبدأ في وقت مبكر من التطور، ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد النتائج، التي قدمت يوم الثلاثاء (5 أبريل) في اجتماع علم الأحياء التجريبي لعام 2022 في فيلادلفيا.

ووفقًا للمعاهد الوطنية للصحة (NIH)، يعرّف اضطراب طيف التوحد (ASD) على أنه اضطراب في النمو يؤثر على كيفية تواصل الشخص وتفاعله اجتماعيًا وتعلمه وتصرفه.

وقد يؤدي الكشف المبكر عن التوحد وعلاجه إلى تحسين نتائج المرضى بشكل كبير. ولكن في الوقت الحالي، فإن أقرب وقت يمكن فيه تشخيص التوحد بشكل موثوق به – كما أفاد الباحثون- هو تقريبًا 18 شهرًا من العمر.

ووجدت دراسات سابقة اختلافات دماغية لدى الرضع الذين يصابون بالتوحد. على سبيل المثال، وجدت دراسة نُشرت في 25 مارس/آذار في الدورية الأمريكية للطب النفسي، أن اللوزة قد تنمو بسرعة كبيرة عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 12 شهرًا قبل تشخيصهم بالتوحد.

أيضًا في الدراسة الجديدة، درس الباحثون ما إذا كانت فحوصات الدماغ قبل الولادة ربما تساعد في تحديد العلامات المحتملة للتوحد حتى قبل الولادة. فقاموا بتحليل 39 فحصًا للجنين بالرنين المغناطيسي للدماغ، والتي أجريت في مستشفى بوسطن للأطفال. وأوضح أورتوغ أن فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي أجريت في الأصل لأن الأجنة كان يشتبه في أن لديها حالة تطورية بناءً على نتائج الموجات فوق الصوتية، لكن الموجات فوق الصوتية لم تكن كافية لتأكيد التشخيص.

من بين هؤلاء المرضى، شُخص تسعة أطفال فيما بعد بالتوحد، وكان لدى 20 طفلاً تطور نموذجي، عشرة من الأطفال ليس لديهم توحد ولكن لديهم حالات صحية أخرى، مثل اضطرابات النمو التي تؤثر على نظام القلب والأوعية الدموية. وحُللت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي بأثر رجعي، أي بعد تشخيص الأطفال.

استخدم الباحثون طريقة برمجة الكمبيوتر لتقسيم عمليات مسح الدماغ إلى مناطق مختلفة، ثم قارنوا المناطق المجزأة بين المجموعات المختلفة.

وقد وجدوا أكبر اختلافات في الفص الجزري، مع وجود أحجام أكبر ملحوظة في مجموعة التوحد مقارنة بالمجموعات الأخرى. وقال الباحثون إن هذه النتيجة تتفق مع الدراسات السابقة التي وجدت تغييرات في الفص الجزري لدى البالغين المصابين بالتوحد، وتشير إلى أن هذه التغييرات قد تبدأ في الرحم.

قال يوجين أرنولد، الأستاذ الفخري في الطب النفسي والصحة السلوكية في مركز ويكسنر الطبي التابع لجامعة ولاية أوهايو، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: « أن الدراسة الجديدة كانت صغيرة وأن النتائج تحتاج إلى تكرار، لكنها تتماشى مع التقارير الأخرى عن الاختلافات المتنوعة قبل الولادة المرتبطة بالتوحد». على سبيل المثال، وجدت دراسة نُشرت في كانون الثاني/ يناير في دورية Brain بعدما أجرت فحوصات بالموجات فوق الصوتية قبل الولادة، أن الأطفال الذين أصيبوا بالتوحد كانوا أكثر عرضة للإصابة بتشوهات في القلب والكلى والرأس، مقارنة بالأطفال الذين لم يصابوا بذلك.

ومع ذلك، أشار أرنولد أيضًا إلى أن الاختلافات في الفص الجزري قد لا تكون خاصة بالتوحد؛ فقد أُبلغ عنها في الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية أخرى، بما في ذلك الاضطراب ثنائي القطب. لذلك، سيكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد مدى دقة هذه النتيجة في التوحد.

أضاف أرنولد: «على الرغم من أن تكرار النتائج يعد مفيدًا، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل قبل أن يكون التصوير بالرنين المغناطيسي طريقة مجدية لفحص ما قبل اضطراب طيف التوحد».

بالإضافة إلى ذلك، كانت الدراسة ذات أثر رجعي وشملت الأطفال الذين خضعوا للتصوير بالرنين المغناطيسي بسبب الاشتباه بحالتهم، لذلك فهم لا يمثلون كامل العينة المجتمعية.

وافق أورتوغ على أن هناك حاجة لدراسات إضافية أكبر لتأكيد النتائج. وأوضح أنه إذا أصبح التصوير بالرنين المغناطيسي للجنين فحصًا روتينيًا في أثناء الحمل، مثل الموجات فوق الصوتية اليوم، فقد يساعد ذلك في تحديد ما إذا كان هناك احتمال متزايد للإصابة باضطراب طيف التوحد. ونظرًا لأن التصوير بالرنين المغناطيسي للجنين غير متكرر إذا لم يكن هناك مؤشر سريري، فإن نتائج تلك الدراسة واعدة لمجتمع البحث وليس العيادات فقط.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1