ما الذي يقدمه الغبار القادم من الصحراء الكبرى لك وللكوكب؟
بالإمكان ملاحظة وجود شيءٍ في الهواء في هذا الوقت من السنة في أوروبا، إنها الرياح المُحملة بالغبار والقادمة من الصحراء الكبرى مسببًة فترات موسمية من الضباب الخفيف الذي قد يؤدي لتشكل المطر الموحل أو مطر الدم.
في غرب إفريقيا التي تمر بفترات من الضباب الخفيف بين شهري تشرين الثاني/نوفمبر وآذار/مارس، تُدعى الرياح المحملة بالغبار «هرمتان» والتي تملك أثرًا مهمًا ليس فقط على خصوبة التربة وإنما على الاتصالات اللاسلكية، الرؤية في المطارات وعلى خطوط الشحن بالإضافة إلى تأثيرها على المعيشة والصحة.
الضباب الخفيف يؤدي إلى أعراض اعتيادية تشمل جفاف البشرة وتشقق الشفاه ولكن بإمكانه التسبب بمشاكل أكثر خطورة للذين يعانون من الربو ويمكن أن يؤدي للإصابة بالسحار السيليسي وهو مرض رئوي يسببه وجود الكوارتز بكميات مرتفعة في الغبار، وفي بعض المناطق يحجب الغبار ضوء الشمس متسبباً بانخفاض الحرارة بشكلٍ ملحوظ.
تم تحديد منطقتين كمصدر لغبار الصحراء الكبرى، المنطقة الأولى في شمال شرق تشاد وتدعى منخفض بوديلي وهي جزء من بحيرة تشاد الجافة حاليًا والتي تعتبر أكثف مصدر للغبار في العالم، المنطقة الثانية هي منطقة جبل تيبستي في شمال تشاد حيث تأتي ذرات الغبار من الصخور وتتحطم إلى جزيئات أصغر بفعل عوامل التجوية والتآكل والسحق.
تم تقدير 400 إلى 600 مليون طن من الغبار المحمول من الصحراء الكبرى كل عام عن طريق رياح الهرمتان التي تنقله لأبعد حد بين باربدوس وميامي بين شهرين تشرين الثاني/ نوفمبر وآذار/ مارس، ما يصل ل 20% منها يصل للأمازون وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية تم تقدير حوالي ال 27.7 مليون طن من الغبار المترسب فوق حوض الأمازون والذي يلعب دورًا أساسيًا في خصوبة التربة.
في الربيع يتغير اتجاه الرياح إلى جنوبي غربي حاملًة الغبار عبر البحر المتوسط حتى تصل شمال أوروبا والمملكة المتحدة.
تغذية الأمازون
يؤثر الغبار المعدني الطبيعي على المناخ كما يؤثر على خصوبة الأنظمة الحيوية للماء واليابسة.
أظهرت الدراسات غِنى الغبار بالفوسفور الذي يُعد المصدر الرئيسي للمغذيات في الأمازون كما أظهرت أيضًا احتوائه على البوتاسيوم والكالسيوم، لكن لفهم التأثير الكامل يجب معرفة مستويات معادن الحديد وأكاسيد الحديد في الغبار.
الحديد يوجد في حالتين من الأكسدة الأولى تُسمى الحديدوز Fe+2 الذي خسر الكترونين من ذراته وهو محلول لذا بإمكان النباتات امتصاصه بينما الحالة الثانية للحديد تسمى الحديديك الذي خسر ثلاث الكترونات من ذراته وهو غير محلول، إن الغزارة النسبية لهذه المعادن تؤثر على خصوبة التربة الذي يصل إليها الغبار.
إن مجمل الخليط المعدني للغبار القادم من منخفض بوديلي يتكون من الكوارتز (حوالي الـ 75%) وباستخدام مطياف موسباور الأداة الأفضل لكشف وتحديد نسبة معادن الحديدوز والحديديك وُجِدَ أن غبار الهرمتان يحوي ثلاث أنواع من المعادن الطينية الحاوية على الحديد والتي تعاني من نقص في معادن الحديدوز المرغوبة بشكلٍ أكثر من أجل نمو صحي للنبات بينما تملك مستوياتٍ عالية من الحديديك غير القابل للذوبان، تأثير هذه النتيجة يعتمد على نوعية الأرض التي علق الغبار عليها، أظهرت إحدى الدراسات أن الحديد كان مفيدًا لمزارعي الذرة في جنوب نيجيريا بينما أظهرت دراسة في 2013 أن الحديد شكل خطرًا على نمو الأرز في عدة مناطق سافانا مدارية، في نهاية المطاف لا يزال المحتوى القليل من الحديدوز يساعد على تخصيب التربة بسبب مداه القلوي، يمكن أن تؤدي الكميات الكبيرة من غبار الصحاري الكبرى إلى تحسين التربة الحمضية ذات الرقم الهيدروجيني المنخفض جدًا لنمو النبات بينما يجب أن تستفيد التربة القلوية من إضافة الحديد.
يتراوح حجم ذرات الغبار من 0.7 إلى 20 ميكرون بحسب مصدر قدومها، فالجزيئات الفائقة الدقة الأفضل امتصاصية من قبل النبات تذهب عبر المحيط الأطلسي، كما إن الذرات العابرة للبحر المتوسط ينقص حجمها.
يهب غبار الهرمتان على مناطق معظمها ريفية في غرب إفريقيا ولكن في أوروبا فالغبار الصحراوي يهب على مناطق الصناعات الثقيلة ومن الممكن اختلاطها بالملوثات الصناعية.
تم تفسير فترة التلوث السيئة في المملكة المتحدة لعام 2014 تحديدًا من خلال عوامل أخرى صناعية وزراعية وليس الغبار فقط وقد يحدث المطر الموحل إذا تزامن هطول المطر مع قدوم الغبار كما حدث في مدينة اسطنبول في تركيا عام 2010.
أظهر تقرير عن تأثير غبار الصحراء الكبرى على الصحة في جنوب أوروبا ارتفاعًا احصائيًا ملحوظًا في الوفيات القلبية مقارنًة بالأيام الخالية من الغبار في برشلونة ومدريد ولوحظ اتجاهات مماثلة في اليونان وإيطاليا، دعا التقرير إلى المزيد من التحقيق في الجزيئات الخشنة والآلية التي يؤدي بها غبار الصحراء الكبرى إلى زيادة معدلات الوفيات.
من المرجح أن يكون غبار الصحراء الكبرى المستقر في المحيط الأطلسي والبحر المتوسط مساهم مهم في تأمين الحديد للطحالب البحرية وعندما تغطس هذه الطحالب إلى قاع المحيط أو يتم التهامها من قبل العوالق التي أيضًا تغوص بأصدافها الكربونية ويتم احتجاز ثاني أوكسيد الكربون في رواسب قاع البحر، من المرجح أن توزع الحديد في المحيطات هو طريقة للحد من ثاني أوكسيد الكربون الجوي.
ولكن بالمقابل من الممكن أن يزيد الاحتباس الحراري من تشكل الرياح وبالتالي إنتاج الغبار وعندها سيدخل المزيد من الغبار إلى المحيط مما قد يوفر مخففًا طبيعيًا لهذه الآثار.
- ترجمة: علي نجوم
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1