المختبرات تُجمّع الجينات المُخلَّقة، وهي أرخص من أي وقتٍ مضى
دراسة جديدة تقارن بين مجال التخليق الجيني الآخذ بالتطور والحوسبة، والتي غيرت وبسرعة المجالات العلمية والمختبرات. هل يمكن للبيولوجيا التخليقية أن تٌحدِث الأثر نفسه على عالمنا؟
يمكننا القول إلى حدٍّ ما بأنَّ جميع أشكال الحياة كما عرفناها تتلخص في أربعة أحرف هي: Gو C و A و.Tمكررة ومرتَّبة بحيث تشكل أنماطاً فريدة, هذه النيوكليوتيدات (الغوانين والسيتوزين والأدينين والثايمين) تشكل الحمض النووي DNAبأكمله. لكن تخيل لو لم يقتصر الأمر على أربعة أحرف.
«ماذا لو كانت الأبجدية الجينية تضم أحرفًا أكثر؟ هل ستروي الحياة بمزيدٍ من الأحرف قصصًا مختلفة، وربما تكون قصصًا أكثر إثارة للاهتمام؟» سأل فلويد رومسبيرغ على منصة TED هذا السؤال في عام 2018. يعتبر التقني الحيوي في معهد Scrippsللأبحاث هو من بين مجموعة متزايدة من الأشخاص الذين يطرحون هذه الأنواع من الأسئلة بينما تتناقص باضطراد تكلفة التخليق الجيني.
صنع الأحجار الأساسية للحياة
يشير التخليق الجيني إلى العملية المختبرية التي يتم فيها تجميع الجينات من جزيئات بسيطة دون استخدام قالب DNA.
تتكون الجينات المُجمَّعة بشكلٍ عام من أزواج قاعدية طبيعية؛ ولكن في السنوات الأخيرة بدأ الباحثون أيضًا يتوجهون لاستخدام جزيئات جديدة (أو أزواج قاعدية غير طبيعية) لتخليق الجينات الوظيفية. كان التقدم الحاصل في تخليق الجينات خلال العقد الماضي أو نحوه يضاهي الخيال العلمي. في الواقع، يكشف البحث السريع عن “التخليق الجيني” عبر محرك البحث “غوغل” عن خدمات لتصميم أزواج قاعدية مُخصَّصة بتكلفةٍ تبدأ بأقل من 10 سنتات لكل منها.
حللت دراسة مقارنة نُشرت في مجلة Scientific Report في شباط التوجه الأخير في البيولوجيا التخليقية، مشيرةً إلى أن هذا المجال مُهيأ للانتشار والسيطرة على العالم بشكلٍ مشابه لما حدث عندما غيّرت أجهزة الكمبيوتر المجالات العلمية في أوائل القرن الحادي والعشرين. يقول Andrew J. Stecklعالم هندسة الكمبيوتر بجامعة سينسيناتي وكبير مؤلفي دراسة Scientific Report الجديدة: «الآن ترى الحوسبة بشكلٍ كثيف في كل تخصص علمي». في المستقبل، هو يقول: «أرى شيئًا مشابهاً يحدث في عالم البيولوجيا التخليقية والهندسة الحيوية لأن علم الأحياء [حرفياً] في كل مكان».
قارن الباحثون في هذه الدراسة الرموز الحاسوبية والجينية. يشير الباحثون إلى أنه على الرغم من الاختلافات الواضحة بين المجالات المذكورة، إلا أنه يتم تخزين مجموعات من الرموز في تعليمات متسلسلة مقيدة في كلا النظامين من خلال أربعة جزيئات (Aو G و Tو C) لترميز الجينوم ورقمين (1 و 0) للترميز المستخدم في الحواسيب. يؤدي الترميز الجيني لتشكيل بروتينات بيولوجية بينما يشكل التشفير الحوسبي تطبيقات الكمبيوتر. كلا النظامين لهما نتائج معقدة مع وظائف مختلفة عند تنفيذها في مجموعات من التعليمات. لاحظ الباحثون أنها نقطة انطلاق جيدة لمزيد من الأفكار والمناقشات التفصيلية حول هذا الموضوع.
قانون مور في تشكل الجينوم
في عام 1975، قام مهندس الكمبيوتر اللامع Gordon Moore بملاحظة فريدة من نوعها خلال دراسته للتوجهات التاريخية في مجال الأجهزة الحاسوبية. لاحظ أن استخدام الترانزستورات في دوائر الكمبيوتر الكهربائية يتضاعف كل عامين. نتيجة لذلك، كان الناس يدفعون أموالاً أقل ولكنهم يحصلون على أجهزة كمبيوتر عالية الكفاءة. أُطلِق على ذلك لاحقاً قانون مور. يناقش الباحثون في الدراسة الجديدة أن اتجاه التخليق الجيني على نطاق واسع يتبع نفس المسار أيضًا.
في عام 2010، صنَّع Craig Venter وفريقه جينات المفطورات الفطرانية (باستخدام حوالي 580 ألف زوج قاعدي فقط) وزرعوها في خلية أخرى بكتيرية مضيفة، وقد كلفتهم ما يقرب من 40 مليون دولار. بعد حوالي 12 عاماً من ذلك الإنجاز، وصل متوسط تكلفة تخليق الجينوم البكتيري باستخدام بضعة ملايين من الأزواج القاعدية إلى حوالي 4000 دولار اليوم.
لا يزال هناك العديد من المحاذير عندما يتعلق الأمر بتوليف جينومات بشرية كاملة، لكن التوقعات تظهر أن التكلفة لن تكون عقبة رئيسية.
تقترح دراسة Scientific Report الجديدة أنه حتى الجينوم البشري البالغ طوله بلايين من الأزواج القاعدية يمكن تصنيعه مقابل ما يقرب من مليون دولار في عام 2022. ومع استمرار تناقص التكلفة، فإن تركيب الجينومات حتى بالنسبة للكائنات الحية الأضخم والأكثر تعقيدًا يمكن أن يكون في متناول الحكومات أوالمجموعات التجارية أو المنظمات البحثية.
فجر التخليق الجيني
كانت هذه التطورات ممكنة بسبب الجهود البحثية المستمرة التي قام بها عدد من الباحثين.
قام هارغوبيند وزملاؤه لأول مرة بتخليق أول جين كامل في أوائل السبعينيات. في عام 2014، أنشأ رومسبيرغ وزملاؤه زوجين قاعديين ثابتين إضافيين وأدخلوهما إلى داخل خلية حية بنجاح.
قام Steven Benner وفريقه لاحقًا بتوسيع الأبجدية الجينية إلى 8 أحرف، مما يوضح كيف يمكن للأسس غير الطبيعية المُخلَّقة أن تتعرف على بعضها وترتبط ببعضها البعض لتشكل حلزوناً مزدوجاً مستقراً.
يشير الباحثون إلى أن التخليق الجيني السهل والذي من المتاح الوصول إليه سيُحدِث تغييراً كبيرًا، إذ أنه قد يُسهم ليس في تصميم الخلايا الفردية وإنما أيضًا في تحديد الأداء العام للميكروبات كمجموعة.
تقول أوفيليا فينتورلي عالمة الأحياء الاصطناعية في جامعة Wisconsin-Madison والتي لم تشارك في الدراسة الأخيرة «أعتقد أن التكلفة المنخفضة يمكن أن تساعد على تصميم المزيد من الإعدادات التجريبية لتعزيز أنظمة التفاعل الميكروبي». لبضع سنوات عمل فريق فينتورلي على إعادة هندسة المجتمع الميكروبي.
بواسطة البيولوجيا التخليقية، قد يكون من الممكن في المستقبل القريب تصميم ميكروبات يمكنها العثور على الخلايا السرطانية. يمكن برمجة الميكروب المصمم لإفراز بروتينات سامة تقتل الخلايا السرطانية بدقة بالإضافة لتقليل الآثار الجانبية. «يمكننا حتى إنشاء مجموعات دعم لمثل هذه الميكروبات المُصممة التي تسمح لنا بتعزيز لياقتها حتى تتمكن من الاستمرار لفترة زمنية مناسبة لأداء وظيفتها», هكذا تقول.
ويمكن أن يتيح لنا الحصول على تخليق جيني أرخص «تصميم عدة مجموعات من التجارب وتكرارها عدة مرات. يتيح لنا هذا أيضًا أن نجمع بين التجارب ونموذج الحوسبة».
أخلاقياتٌ مشكوك فيها
يتفق بعض الباحثين على أن القدرة على تخليق حياة اصطناعية لا تمنحنا بالضرورة السلطة الأخلاقية للقيام بذلك. «ماذا لو استخدمه الناس لتصميم ميكروبات معدية مثل جدري الماء ومميتة مثل الإيبولا والتي تنتشر في جميع أنحاء العالم وتكون فترة الحضانة أشهراً قبل أول علامة على وجود مشكلة؟» تساءل روب ريد عالم المستقبل ومؤلف كتاب “After One” الذي تصدر المبيعات حسب نيويورك تايمز وذلك في TedTalk عام 2019.
تشير فينتورلي إلى أنه على الرغم من أننا لم نصل بعد لنجعل الكائنات المصنعة تستمر لفترة كافية في الأوساط الخارجية، فإن مخاطر البيولوجيا التخليقية هي مخاوف حقيقية. مع انخفاض تكلفة البيولوجيا التخليقية بهذه الوتيرة «أعتقد أن التحدي الآن هو بجعل المجال أكثر قوة ويمكن التنبؤ به بشكل أفضل» كما تقول.
- ترجمة: مجدي عوكان
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1