انطلاق علاج التحرير الجيني كريسبر (CRISPR): ما الذي يُعيقنا؟
التحرير الجيني كريسبر – كاس 9 (CRISPR-Cas9) تقنيةُ فائزةً بجائزة نوبل وهي مُقتبسة أساسًا من آليات الدفاع المناعي للبكتيريا. لقد وجدت هذه المقصات الجينية فائدة كبيرة في المختبر، ولكن لا تزال توجد بعض العقبات التي يجب إزالتها قبل أن يمكن استخدامها بانتظام في العيادات لاستهداف تعديل الجينات لأنسجة محددة.
شارك كل من سارة هيدتريك (Sarah Hedtrich) من جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، ومارسيلو كالديرون (Marcelo Calderón) من جامعة إقليم الباسك في إسبانيا، وجهات نظرهما في مجلة مواد الرعاية الصحية المتقدمة (Advanced Healthcare Materials) عن التحرير الجيني، والعوائق التي تواجه إيصال هذه الأدوات إلى الأنسجة صعبة الوصول.
سألنا هدتريك عن تقنية كريسبر وما هي العقبات المُتبقية لقطف ثمار علاجات التحرير الجيني.
ما هي الأدوات المتاحة للتحرير الجيني؟
توجد أدوات لتحرير الجينات مثل نوكليازات أصبع الزنك ونوكلياز المستجيب الشبيه بمنشط النسخ (TALEN)، لكن تبقى تقنية كريسبر أهم واحدة وأكثرها إثارة في هذه المرحلة. حدثت تطورات بالفعل في مجال تقنية كريسبر -مثل التحرير الأولي أو التحرير القاعدي- تسمح لنا بمعالجة أمراض أكثر من التحرير الجيني التقليدي وبكفاءة أعلى وبدقة أكبر.
يأتي التشويق الأكبر في هذه المرحلة من وجود فرصة لتطوير خيارات علاجية باستخدام كريسبر للأمراض التي لا يمكن علاجها بالعلاجات الحالية. إنها أداة متعددة الاستخدامات وبسيطة جدًا.
لماذا تُعد منصات كريسبر واعدة أكثر من أدوات التحرير الجيني الأخرى للاستخدام في العيادات؟
يمكنك التحول من مرض لآخر بشكل أسرع بفضل أنظمة كريسبر. يمكنك استهداف جين مختلف تمامًا بمجرد تغيير أجزاء قصيرة جدًا، لا يستغرق الأمر وقتًا طويلًا ولا يحتاج جُهدًا كبيرًا لإعداده.
يمكننا الآن نظريًا مع التطورات الحديثة في تقنية كريسبر، استهداف ما يصل إلى 90% من كل أنواع الجينات المعروفة للطفرات والأمراض، يفوق هذا بكثير عدد الأمراض التي كان يمكن علاجها بالأدوات السابقة.
هل يمكنك شرح طرائق كريسبر البديلة، التحرير الأولي والتحرير القاعدي؟
التحرير الأولي هو تقنية بحث وإصلاح، إنه يبحث عن الجزء المختل وظيفيًا من الجين ثم يصححه أو يستبدله في ذلك المكان. باستخدام أدوات كريسبر – كاس 9 القياسية، فإنه يكون لديك فاصل مزدوج عند مكان قطع الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين، ثم يجب تدخّل آليات الإصلاح الخاصة بالخلية لإصلاح الكسر. لكن هذه العملية قد تجلب أخطاءً أو مُدخلات مغلوطة. في التحرير الأولي لا يجب عليك قطع كلا الشريطين، مما يجعله أكثر أمانًا.
في التحرير القاعدي، كما يبدو من الاسم، تُغير فقط قاعدة محددة في قالب الحمض النووي الريبوزي منزوع الأكسجين (DNA) في حين يمكنك تحرير أجزاء منه في التحرير الأولي.
كيف تُوجّه أدوات كريسبر إلى إلى خلايا الثدييات؟
توجد خيارات مختلفة لإيصال أدوات تحرير الجينات إلى الخلايا، لكن ليست كلها مناسبة للتطبيقات السريرية، بعض الأساليب شديدة السميّة.
الطرائق القابلة للتطبيق داخل الجسم الحي هي استراتيجيات إيصال معتمدة على الفيروسات وجزيئات نانوية معتمدة على الدهون. تُستخدم حاليًا مفاهيم مشابهة في تطعيمات كوفيد-19 المختلفة، تلقى الملايين من الناس هذه التطعيمات حتى الآن، نعرف أنها آمنة جدًا وفعالة في إيصال أدوات تحرير الجينات.
من منظورك وأنت تناقش صعوبات نقل أدوات تحرير الجينات إلى الأنسجة المُستهدفة مثل الظهارة. ما هي أكبر العقبات برأيك؟
تُعد الظهارة وخاصة الأنسجة الظهارية المبطنة بالمخاط تحدّيًا لإيصال الدواء عُمومًا، لكنها تُمثل تحديًا خاصًّا لأدوات تحرير الجينات. تستخدم الأدوات جزيئات كبيرة جدًا، وكلما كبُرت الجزيئات، زادت صعوبة تجميعها ثم توصيلها إلى الأنسجة المستهدفة. المادة الوراثية مشحونة أيضًا، وكلما كانت لديك المواد مشحونة، زاد ذلك من التحدّي. توجد مخاطر محددة بما يخص الثباتية بسبب طبيعة أدوات تحرير الجينات، إذ ينحلّ بعضها سريعًا وبسهولة. لكن أعتقد أن التحدي الأكبر هو إيصالها إلى النسيج المستهدف نفسه.
يكون الانتقال إلى الجسم الحي أسهل في بعض الأمراض مقارنة بأمراض أخرى. وفيما يخص الأمراض الوراثية التي تصيب الكبد على سبيل المثال، يكون الأمر أسهل بكثير لأننا أنشأنا أنظمة توصيل ولا يوجد عائق كبير أمام إيصال العلاجات في مثل هذه الأنسجة المروية جيدًا. ولكن الإيصال أصعب بكثير إذا ما فكرنا في الرئة أو الجلد أو حتى الدماغ.
ظهر تقرير حديث استُخدِم فيه كريسبر – كاس9 (مُغلف في جُزيئات نانوية دهنية) لعلاج مرض وراثي نادر. هذا مُثيرٌ للغاية.
لذا يُمكنك بطريقة ما العمل على حل مشكلة التغليف، لكن تحقيق الاستهداف الفعلي والتغلب على الحواجز الحيوية هو الأصعب.
إذا أمكن الوصول إلى الخلايا الظهارية من أجل التحرير الجيني، فهل تتصوّر أن التحرير الجيني المُخصص للأنسجة سيكون قادرًا على علاج أمراض مثل التليف الكيسي أو أمراض أخرى تنجم عن الطفرات الجينية؟
ستكون المُعضلة هي استهداف الخلايا الجذعية القاعدية في الرئة والجلد (في قاعدة البشرة)، لأنك عند ذلك ستحصل على التأثير الأكثر ديمومة. وسنكون سعداء جدًا إذا تمكنا من الوصول بفعالية إلى الخلايا الظهارية، يُمثل ذلك بالفعل تحديًا كبيرًا. إذا تمكنّا من استهداف الخلايا الظهارية، فيمكننا الوصول إلى المرحلة التي يمكن للمريض فيها أن يستنشق العلاج مرة أو مرتين في الشهر. تجديد الخلايا ليس بهذه السرعة، إذ تتجدد الخلايا الظهارية في الجلد كل أربعة أسابيع على سبيل المثال. إذا تمكنا من الوصول إلى الخلايا الظهارية فمن المحتمل أن نطور علاجًا يُريح المرضى من الأعراض المرتبطة بالمرض.
ما يجعل هذا الأمر مثيرًا للغاية هو أن تقنية كريسبر- كاس9 قد اكتُشِفت منذ أقل من 10 سنوات، وظهرت فيها التطورات بسرعة كبيرة.
- ترجمة: محمد اللحام
- تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
- المصادر: 1