تغرد عصافير الزيبرا للتواصل بين بعضها وليس لأجل التنافس على التزواج فقط

عندما تسمع تغريدة جميلة لعصفور مثل صدح غراب العقعق الأسترالي قد تظن أنها إشارة لمنافسة شرسة على منطقة أو للتباهي لجذب شريك، بالنهاية هذه هي الطريقة التي نفكر بها غالباً أي أنها طريقة ذكور الطيور هي التنافس بين بعضها البعض، وهي نسخة أجمل لطريقة الطبيعة التنافسية والدموية كما وصفها تينسون في قصيدته وهناك بعض الحقيقة في هذا الوصف، إذ تعتبر في العديد من الفصائل حتى أجمل تغريدة لذكر في منطقة ذكر أخرى هي دعوة للهجوم.

لكن تغريد العصافير ليس ذو بعدٍ واحد، قد يكون أقل تعبيرًا عن المنافسة وأكثر تعبيرًا عن التعاون الإجتماعي في بعض الأنواع، دراستنا المتعلقة بعصافير الزيبرا الاجتماعية للغاية وجدت أنّ تغريد الذكور يعزز التماسك الاجتماعي في التجمعات المحلية، حتى أنها تساعد هذه الطيور الصغيرة لتنسيق بناء أعشاشهم والتزاوج والتكاثر عندما يوجد وفرة في الطعام لصغارها. لذلك عندما تسمع تغريدة شجية استمتع بها فالطبيعة ليست فقط مجرد منافسات بل إننا نتعلم أكثر فأكثر أن التعاون موجود أيضاً. في بعض الأنواع يعزز غناء العصافير الانسجام على مستوى النوع نفسه ويُمكّن الترابط بين الذكر وشريكته.

Zebra finches
أسراب من عصافير الزيبرا تجوب المناطق الداخلية للبحث عن البذور والماء.

ماذا وجدنا؟

وجدنا أنّ عصافير الزيبرا تسافر في مجموعات كبيرة عبر المناطق الداخلية القاحلة في استراليا للبحث عن البذور، إنها طيور اجتماعية للغاية ومعروف أنها من أنواع الطيور التي لديها القدرة على تعلم أغاني جديدة، وهي من أكثر طيور استراليا دراسةً كونها من السهل الاحتفاظ بها في الأسر. لكن لاكتشاف كيف تتصرف في الطبيعة كان علينا الذهاب بعيدا إلى منطقة الدراسة بالقرب من بروكن هيل.

لقد اخترنا هذا النوع لأن الذكور يغردون أغنيتهم المميزة بشكل فردي ويفعلون ذلك بهدوء نسبي مقارنة مثلاً بالصوت العالي لجرس العقعق (currawong) وهو يصدح كصوت البوق وهذا مهم فعندما تغرد الطيور بهدوء إنها إشارة أنّ التغريدة ليست للتنافس على المنطقة، إذ لا يمكن سماع تغريدات طيور الزيبرا إلا الطيور التي على بعد أمتار قليلة منها، وغالباً ما تغرّد عندما تجثم معاً على نفس الشجيرة، إذاً لماذا يفعلون ذلك؟ عندما يغرد كل ذكر أغنيته المميزة يسمح للذكور الأخرين في المجموعة اكتشاف أيّهم يغني فيحددون كم ذكراً بالقرب منهم.

– استمع بنفسك للأغنيتين التاليتين لذكور زيبرا فينش إذ من الواضح اختلافهم عن بعضهم.

ما الذي يحدث عندما تُسمِع تغريدة ذكر لذكر آخر؟

في الفصائل الأكثر منافسةً لمناطقها وأقل اجتماعية ستحرض رداً عنيفاً، ولكن عند طيور الزيبرا فينش سيحصل العكس تماماً حيث ستجذب ذكوراً آخرين أقرب ليتشاركوا نفس المساحة، لذلك يمكن أن تسمع غالباً العديد من الذكور يغردون مع بعضهم البعض في نفس الشجيرة.

أغنية للتواصل الإجتماعي:

كنا نستمع في تسجيلاتنا لطيور الزيبرا فينش كل يوم حتى عام 2019 عندما حدث أسوأ موسم جفاف في ال100 سنة الأخيرة وجعل الظروف سيئة جداً، فلم يُقدم أي فينش حتى على التكاثر، لكن لاحقاً انقلبت دورة المناخ من الجفاف إلى هطول الأمطار والفيضانات فسبب المطر نمو الأعشاب وهذا يعني أن البذور ستأتي لاحقاً. استشعرت طيور الفينش هذا وبدأت بالتزاوج عندما انتهى موسم الجفاف سمعنا الذكور يغردون أكثر وبلغوا ذروتهم بالغناء في الوقت الذي تضع فيه الإناث بيضها. هذا يوضح أنّ تغريد الزيبرا فينش هو جزء من نقاش جارٍ بين الأنثى وشريكها، يساعدهم على مزامنة نشاطهم، من المحتمل أنّ التغريدات مرتبطة بشعور الطيور، فعند توافر الطعام بكثرة تشعر بتحسن وتغني أكثر وعندما يسمع طير منهم تغريدات كثيرة في المنطقة يعلم أن الطيور الأخرى أيضاً تستمتع بهذه الظروف وتعطيه ثقة أكبر ليقرر البدء بالتكاثر.

هل عندما لا تغني طيور الزيبرا للمطالبة بمنطقتها، فهم يفعلون ذلك للتباهي أمام شركاء محتملين؟ ليس تماماً، إذ تميل ذكور هذه الطيور الرائعة للغناء بعد أن تجد شريكتها، يغنون لها وهم جاثمين بجانبها على غصن، وسيغنون لها بشكل منتظم حتى يومياً على مر سنين علاقتهم.

زوج من الزيبرا (الأنثى على اليسار) سيمون غرفث.

تغرد إناث الأنواع الأكثر غناءً أيضاً لكن إناث الزيبرا لا تغرد، نعتقد أن الغناء لأنثى زيبرا من قبل شريكها يلعب دوراً اجتماعياً مماثل لثنائيات الأغاني الشائعة التي يمكنك سماعها من الطيور المغردة الأسترالية في الضواحي وفي الأجمات أو الغابات.

سيغني أزواج قبرة العقعق (magpie-lark) على سبيل المثال كثنائي، وأثناء تأدية نوع من الرقص حيث يؤدون حركات فرد أجنحة مميزة ومتزامنة مع رفع الكتف وحركات نفض الجسد.

تساعد هذه الثنائيات لتقوية التواصل ببن زوجين من الطيور وعلى تنسيق تصرفاتهم، تُظهر هذه الأغاني المتزامنة والعروض المرئية أيضاً قوة شراكتهم التي تجعل الدخلاء على المنطقة يفكرون ملياً. بالنسبة لطيور الزيبرا فينش قد يكون كافياً التغريد المستمر للذكر للمحافظة على الصلة الجيدة بين الثنائي.

تشتهر استراليا بحق بطيورها من كوكاتو الصاخب (cockatoos) إلى الطيور المغردة الشجية، بالنهاية فقد تطورت أصوات العصافير من هنا أولاً وانتشرت إلى بقية العالم.

نعلم الآن أن الزيبرا فينش يستخدم التغريد كرابط اجتماعي، لذلك نستطيع البحث عن ذلك في الأنواع الأخرى حول العالم، إذ أننا نتوقع أن فصائل اجتماعية أخرى تستخدم التغريد بطرق أكثر تعقيداً من مجرد تحديد منطقة أو جذب شريك.

تغريد الطيور هو صوت هذا الحيوان الذي نصادفه بانتظام إنه جزء من خلفية حياتنا، إنه أكثر من لحن جميل، إنه أمر أساسي لكيفية عيشهم ومن هم كنوع.

  • ترجمة: صفاء إبراهيم
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1