هيمنة إناث الرئيسيات على الذكور لدى العديد من الأنواع

لطالما افترضنا أن معظم مجتمعات الرئيسيات يهيمن عليها الذكور، ولكن دراسة جديدة أظهرت أن العديد منها يقع تحت سيطرة الإناث أو يتميز بمشاركة السلطة.

تتخذ إناث الليمور القرارات في مجتمعاتها، إذ لا تختار الإناث المسيطرات أزواجهن فحسب، بل يستخدمن المحفزات، مثل: سحب الذيل والفراء، مع كل من الذكور والإناث لتحديد الإناث الأخريات في المجموعة اللاتي يمكنهن التزاوج.

صنف علماء دراسة الرئيسيات على مدار فترة طويلة أنواع الليمور البالغ عددها 108 نوع على أنها مجموعة منعزلة يحكمها الإناث، إذ يُعتقد أن الغالبية العظمى من مجتمعات الرئيسيات الأخرى يهيمن عليها الذكور.

تشكك دراسة حديثة نُشرت في مجلة ‘Animals’ في هذا الافتراض.

على الرغم من أن قوة الذكور أكثر شيوعًا بشكل عام بين أنواع الرئيسيات إلا أنها ليست بأي حال من الأحوال الديناميكية الاجتماعية الافتراضية.

في الواقع، فإنه لدى 42% من الأنواع التي فُحصت في الدراسة، عاشت الرئيسيات في مجموعات كانت فيها الإناث إما المهيمنات أو على مستوٍ متكافئ مع الذكور.

تقول ‘إيرين فوغل Erin Vogel’ عالمة في دراسة الرئيسيات في جامعة روتجرز والتي لم تشارك في البحث الجديد: “لقد كان التفكير التقليدي القديم في دراسة الرئيسيات دائمًا يدور حول سيطرة الذكور، لكن تسمح لنا هذه الدراسة بإعادة التفكير في ذلك”.

استخدم مؤلفو الدراسة النمذجة الإحصائية لدراسة الهيمنة والعوامل التي قد تساهم فيها في 79 نوعًا من الرئيسيات الحية.

وشملت هذه العوامل ازدواج الشكل الجنسي (الاختلافات بين الذكور والإناث في حجم الجسم والخصائص البدنية الأخرى)، وعدد الإناث اللاتي يدخلن في حالة الشبق في وقت واحد في كل مجموعة، وطول الوقت الذي تظل فيها هذه الحيوانات في الشبق ونسبة الإناث إلى الذكور داخل كل مجموعة.

وجدت الدراسة أن السيطرة لا تتوافق مع مدى قرب الأنواع من بعضها البعض تطوريًا أو جغرافيًا، لكنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمجموعة من السمات المتوقعة، بما في ذلك ما إذا كان الذكور أكبر من الإناث، أو إذا كانت أنياب الذكور أكبر.

في الأنواع التي يكون فيها حجم الإناث والذكور وحجم الأنياب متشابهًا، إمّا أن تهيمن الإناث أو يشاركن القوة بشكل متساوٍ مع الذكور.

كما تقول ‘ريبيكا لويس Rebecca J. Lewis’ المؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة وهي عالمة أنثروبولوجيا حيوية في جامعة تكساس في أوستن: “تقدم البونوبو والشمبانزي -وهما من الرئيسيات الأكثر تشابهًا جينيًا مع البشر-، مثالًا واضحًا على كيفية تأثير الحجم على السيطرة”.

ذكور الشمبانزي أكبر من الإناث، وهي معروفة بمهاجمة الإناث بعنف على أمل التزاوج معهن، ومن ناحية أخرى تتشابه إناث البونوبو في الحجم مع الذكور وتقيم روابط وثيقة مع نظيراتها الإناث، وهو ترتيب يستبعد الذكور ويؤدي إلى مجتمعات يهيمن عليها الإناث.

تقول لويس: “يتغير توازن القوة بين الشمبانزي والبونوبو نتيجة للحجم”.

قرود الجيبون ذات الخدود البيضاء، وهي قرود متوسطة الحجم موطنها جنوب شرق آسيا، تُعتبر مثالًا على السيطرة المشتركة.

يعني التشابه في الحجم والقامة أن الجنسين يتقاسمان القوة الكلية ولكنهما يهيمنان على مجالات اجتماعية مختلفة، إذ تظهر الذكور بعض علامات السيطرة الإقليمية، فهي تحمي أزواجها وذريتها، بينما يمكن أن تتحكم الإناث في الحصول على الغذاء.

يمكن أن تؤثر عوامل أكثر دقة أيضًا على ديناميكيات القوة.

على سبيل المثال: إذا كانت المجموعة تحتوي على عدد أكبر من الإناث، يميل الذكور إلى الهيمنة لأن لديهم خيارات أوسع من الأزواج.

عندما تتغير النسبة بين الجنسين نحو المزيد من الإناث ضمن مجموعة، كما هو الحال لدى ليمور السيفاكا، يقل احتمال قيام الذكور بإصدار أصوات خاضعة؛ وتوضح لويس ذلك بقولها: “لأنه كلما زاد عدد الإناث، انخفضت قوة ‘تلك الإناث'”.

وتتركز القوة أيضًا في إناث الأنواع التي تدخل في الشبق لفترة قصيرة نسبيًا أو التي لا تدخل في الشبق كمجموعة، وفي كلتا الحالتين يكون لدى الذكور قدرة محدودة على التزاوج مع الإناث في أي وقت من الأوقات، مما يحول ديناميكية القوة نحو الإناث.

كما عادت الدراسة الجديدة عبر الزمن إلى الوراء، إذ فحصت الحفريات بحثًا عن أي مؤشرات مادية لأنماط السيطرة في آخر سلف مشترك لجميع الرئيسيات باستخدام طريقة تسمى ‘إعادة بناء الحالة الأصلية’، ونظر الباحثون في حجم أنياب الكلاب وقدر حجم الجسم بناءً على حفريات ثمانية أنواع مختلفة من الرئيسيات المنقرضة (أسلاف بعيدة للأنواع الحديثة).

يقول ‘كريستوفر كيرك Christopher Kirk’ المؤلف المشارك في الدراسة وهو عالم أنثروبولوجيا في جامعة تكساس في أوستن: “في حين أن أنماط هيمنة ما بين الجنسين لا تتشكل كحفريات، فإن مؤشرات الهيمنة تتشكل”.

ويقول إن الفريق وجد أنماطًا تتوافق مع مجموعة متنوعة من علاقات القوة بين الجنسين لذلك فإن تحديد حالة الهيمنة لسلفنا المشترك الأخير يمكن أن يذهب في أي اتجاه.

وأضاف المؤلفون في الدراسة: “إن هذا يتحدى الافتراضات الشائعة حول الحتمية التطورية لسيطرة الذكور”.

تقول فوغل أن الجمع بين البيانات عن الأنواع الحية والمنقرضة من الرئيسيات كان إبداعيًا ويعيد هيكلة الطريقة التي نفكر بها في مجتمعات الرئيسيات، مما يبين لنا أن الإناث لديها الكثير من السيطرة، خاصة في اختيار أزواجها.

وتضيف: “لا ينبغي لنا حقاً أن نُصدَم بأن قوة الذكر في مواجهة قوة الأنثى أكثر دقة مما كنا نظن في السابق -ولكن بطريقة أو بأخرى، نحن كذلك”.

  • ترجمة: حنان الميهوب
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1