اندلاع الحرب النووية بين دولتين قد يُسبب مجاعة عالمية

حسبما تُظهر النماذج، هناك سحابة كثيفة من الدخان جراء احتدام المدن سوف تنغمس في الكرة الأرضية، ما يتسبب في فشل المحاصيل بجميع أنحاء العالم.

تشير الأبحاث إلى أن مجرد نزاع صغير تطلق فيه دولتان العنان لأسلحة نووية على بعضهما البعض قد يؤدي إلى مجاعة في جميع أنحاء العالم، وسيطوّق السُخام الناجم عن احتدامِ المدن الكوكب، كما أنه سيمنحه شيئًا من البرودة من خلال عكس ضوء الشمس إلى الفضاء؛ ما يفضي بدوره إلى فشل المحاصيل العالمية؛ وفي أسوأ السيناريوهات، قد يضع خمسة مليارات شخصٍ على حافة الموت.

تقول Lili Xia، عالمة المناخ بجامعة روتجرز في نيوبرونزويك، بولاية نيوجرسي، والتي قادت العمل: “سيتضوّر عدد هائل من الناس جوعًا، إنه لأمرٌ سيءٌ حقًا”.

البحث العلمي الذي نُشِر في الخامس عشر من أغسطس بمجلة Nature Food، يُعد أحدث تجربة فكرية امتدت لعقودٍ حول العواقب العالمية للحرب النووية. إنه يبدو مهمًا بشكلٍ خاص، وذلك بالنظر إلى عرقلة الإمدادات الغذائية العالمية التي أحدثتها الحرب الروسية ضد أوكرانيا؛ ما يؤكد الآثار بعيدة المدى للصراع الإقليمي.

السيناريوهات القوية والأخرى البسيطة:

تأتي الحرب النووية بسلسلة من التداعيات المميتة، بدايةً من قتل البشر مباشرةً في الانفجارات الذرية، وصولًا إلى الآثار الناجمة عن الإشعاع والتلوث البيئي. وفي هذا الصدد أرادت Xia وزملاؤها النظر إلى العواقب بعيدًا عن ساحة الحرب؛ وذلك كي يستكشفوا كيف يمكن للبشر بكافة أنحاء العالم أن يعانوا أيضًا.. لقد وضعوا نموذجًا لكيفية تغيّر المناخ في نواحٍ مختلفة من العالم عقب اندلاع حربٍ نووية، وكيف ستستجيب المحاصيل والمصائد السمكية لتلك التغيرات. وعلاوةً على ذلك، قام العلماء بتحليل ستة سيناريوهات للحرب، وكلٌ منها سيُلقي بكميات متنوعة من السُخام داخل الغلاف الجوي، كما أنه سيعمل على خفض درجات حرارة السطح التي ستتراوح بين 1 C° و°16 C، وقد تمتد التأثيرات لعقدٍ أو أكثر.

وتبعث الحرب النووية المشتعلة بين الهند وباكستان -والتي قد تكون أيضًا مندلعة في منطقة كشمير المتنازَع عليها- بما يتراوح بين 5_47 مليون طن من السُخَام إلى الغلاف الجوي، اعتمادًا على عدد الرؤوس الحربية التي تمّ نشرها، وأيضًا المدن المُدمّرة. وعلى جانبٍ آخر، قد تُنتج حربٌ نووية شاملة بين الولايات المتحدة وروسيا 150 مليون طن من السُخام. وستستمر السحابة التي تحيط بالكرة الأرضية لأعوامٍ حتى تصفو السماء في النهاية.

وقد قام فريق Xia بحساب كيفية تأثير تقلص غلة المحاصيل ومصائد الأسماك عقب اندلاع حربٍ نووية في عدد السعرات الحرارية المتاحة لاستهلاك الأفراد، مُستخدمين في ذلك بياناتٍ صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. علاوةً على ذلك، درس هؤلاء العلماء عدة خيارات، مثل ما إذا استمر الناس في تربية الماشية، أو إذا قاموا بتوجيه بعض المحاصيل أو جميعها، والتي هي مخصصة بدورها من أجل الماشية إلى الإنسان عوضًا عن ذلك. وافترضت الدراسة أنه سيكون هناك بعضٌ من إعادة استخدام محاصيل الوقود الحيوي، وذلك للاستهلاك البشري، كما أن الناس ستقلل من عملية هدر الطعام، أو حتى سيمتنعون عن ذلك. وافترضوا أيضًا احتمالية توقف التجارة الدولية حينما تختار الدول إطعام الأفراد داخل حدودها الخاصة بدلًا من تصدير الطعام.

وتُشير Xia إلى أن تلك الدراسة تعتمد على العديد من الافتراضات والتبسيط حول كيفية استجابة النظام الغذائي المُعقّد لحربٍ نووية، ولكن الأرقام غير محدودة. وحتى بالنسبة لأصغر سيناريو للحرب فيما يتعلق بأي نزاع مُحتدم بين الهند وباكستان، والذي يسفر عن 5 مليون طن من السُخام، قد ينخفض إنتاج السعرات الحرارية عالميًا بنسبة 7% في الأعوام الخمسة الأولى عقب اندلاع الحرب. وفيما يتعلق بسيناريو وجود 47 مليون طن من السُخام، ينخفض متوسط السعرات الحرارية إلى 50%. أما في أسوأ حالات الحرب بين الولايات المتحدة وروسيا، فينخفض إنتاج السعرات الحرارية بنسبة 90% عقب ثلاثة أو أربعة أعوام من الحرب.

“دعونا ننتقل إلى أستراليا”

إن الدول الأكثر تضررًا ستتمثل في الدول الواقعة في خطوط عرضٍ ما بين متوسطة وعالية، والتي لديها بالفعل موسم قصير لزراعة المحاصيل، إضافة إلى أنها ستجعل هناك اعتدالًا في البرودة بشكل أكثر إثارة عقب الحرب النووية، وذلك مقارنةً بالمناطق الاستوائية.

وستشهد المملكة المتحدة على سبيل المثال انخفاضات أكثر حدة في الغذاء المتوفّر، مقارنةً بدولةٍ كالهند الواقعة في خطوط عرض منخفضة.

أما فرنسا التي تُعد المصدر الرئيس للغذاء ستحقق نجاحًا نسبيًا-على الأقل في سيناريوهات خفض الانبعاثات- لأنه في حال توقف التجارة سيكون لديها مزيد من الغذاء المتاح لشعبها.

وهناك دولة أخرى أقل تضررًا، ألا وهي أستراليا. ستعتمد أستراليا بشكلٍ رئيس في غذائها على القمح، وذلك بعد أن تمّ عزلها في أعقاب الحرب النووية. وسينمو القمح بشكلٍ جيد نسبيًا في المناخ الأكثر برودة الناجم عن السُخام الجوي. وهنا تتألق أستراليا باللون الأخضر الأصلي، حتى في سيناريوهات الحرب القاسية، وذلك يتضح على خريطةٍ بالدراسة، والتي تُظهِر أجزاء هائلة من العالم باللون الأحمر، ما يدل على المجاعة. وتقول Xia: “في المرة الأولى التي عرضتُ فيها على ابني الخريطة، كان رد فعله الأول هو ‘دعونا ننتقل إلى أستراليا'”.

يصرّح Deepak Ray، باحث الأمن الغذائي بجامعة منيسوتا في سانت بول، أن هذه الدراسة تُعد خطوة مفيدة نحو فهم الآثار الغذائية العالمية لحربٍ نووية إقليمية. ويقول Ray أيضًا أنه لابد من أن يكون هناك مزيدٌ من العمل كي تتم بدقة محاكاة المزيج المُعقّد لكيفية إنتاج المحاصيل في العالم أجمع. فعلى سبيل المثال، أخذ الباحث في الاعتبار أعداد إنتاج المحصول الوطني، ولكن الحقيقة هي أكثر دقة؛ إذ أنه يتم زراعة محاصيل مختلفة في مناطق مختلفة بدولةٍ ما ولأغراضٍ مختلفة.

قد تبدو الحرب النووية أقل تهديدًا مما كانت عليه أثناء الحرب الباردة، ولكن لاتزال هناك تسع دول لديها أكثر من 12000 رأس حربي نووي فيما بينها. ويمكن أن يساعد فهم واستيعاب التداعيات المُحتملة للحرب النووية بالتفصيل على تقييم المخاطر بشكلٍ أفضل.

ويقول Ray: “إنه من النادر أن يحدث؛ ولكن إذا حدث سيؤثر على الجميع”، “إنها لأمورٌ محفوفة بالمخاطر”.

  • ترجمة: مها عيد يماني
  • تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
  • المصادر: 1