هل يعد الشتاء تعيسًا للحيوانات بقدر ما هو تعيس بالنسبة للبشر؟
في حين يخرج الكلاب برفقتنا بجزمات ومعاطف، ما هو شعور السناجب؟
بينما يغدو الطقس هذا الشتاء مرعبًا بالفعل، سترة، قبعة محيكة، جوارب صوفية، جزمات معزولة وربما نار مضرمة تجعل الأمور محتملة للأشخاص الذين يعيشون في المناخات الباردة. لكن ماذا عن الحيوانات البرية؟ ألا تتجمد؟
كل من أخذ كلبه في نزهة في جو بارد يعلم أن الكلاب سترتعش وتصبح أكفّها باردة -الأمر الذي يفسر بشكل جزئي القفزة النوعية لصناعة ملابس الحيوانات الأليفة- لكن السناجب والطيور لا تحصل على معاطف وجزمات عصرية.
في الواقع، يمكن للحياة البرية أن تخضع لعضات الصقيع وانخفاض الحرارة، تمامًا مثل البشر والحيوانات الأليفة.
ففي شمال الولايات المتحدة الأمريكية، تكون ذيول الأبوسوم غير المكسية بالفراء عرضة للبرد.
ويتسبب عادة هبوط الحرارة غير العادي في فلوريا بسقوط الإنغوانا من على الأشجار وموت خراف البحر بصدمة جراء البرد.
إن تجنب البرد ضرورة للحفاظ على الحياة أو الأطراف (أو في حالة الأبوسوم، الذيل) وفرصة لزيادة التكاثر.
هذه الضرورات البيولوجية تعني قدرة الحيوانات البرية على الشعور بالبرد، لمحاولة تجنب الآثار الضارة لدرجات الحرارة المتطرفة.
تملك فصائل الحيوانات مكافئها الخاص لما يختبره البشر من شعور الخدر والتنميل المزعج، والذي يحثها على توفير الدفء بسرعة وإلا ستعاني من العواقب.
في الواقع، آليات الجهاز العصبي لاستشعار درجات الحرارة المختلفة هي تقريبًا نفسها بين جميع الفقاريات.
أحد تحديات الشتاء للحيوانات ذات الدم الحار (أو ماصات الحرارة كما تعرف علميًا)، هو الحفاظ على حرارة جسدها الداخلية طبيعية في الظروف الباردة.
والجدير بالاهتمام، أنه يمكن لعتبات الإحساس بالحرارة أن تختلف بناءً على الفيزيولوجيا. على سبيل المثال، ذوات الدم البارد (الحيوانات الناشرة للحرارة) مثل الضفدع، ستشعر بالبرد عند درجات حرارة منخفضة جدًا مقارنة بفأر.
أظهرت الدراسات الحديثة أن الثديات التي تدخل في سبات شتوي، مثل السناجب المخططة، لا تشعر بالبرد إلا عند درجات الحرارة المنخفضة بالنسبة لذوات الدم الحار التي لا تدخل في سبات شتوي. إذاً، تشعر الحيوانات بالبرد لكن عند درجات حرارة مختلفة.
عند تدني درجات الحرارة، هل تعاني الحيوانات البرية أم أنها فقط تشعر بالبرد؟
أحد الحلول: تمهل وراقب
تلجأ العديد من ذوات الدم الحار التي تعيش في مناخ بارد إلى السبات: حالة من النشاط المتناقص.
تبدو كأنها نائمة، لأن الحيوانات القادرة على السبات تتناوب بين التنظيم الداخلي لدرجة حرارة أجسادها وبين السماح للبيئة بالتأثير عليها، ويعتبرها العلماء “مغايرة الحرارة”.
خلال الظروف القاسية، تؤمن هذه المرونة منافع حرارة الجسد المنخفضة بشكل ملحوظ لدى بعض الأنواع حتى عند درجات الحرارة دون الصفر مئوية. لا يتوافق ذلك مع العديد من الوظائف الفيزيولوجية.
تكون النتيجة انخفاض لمعدل الاستقلاب، بالتالي طاقة أقل وزيادة على طلب الطعام. السبات الشتوي حالة مطولة من السبات.
يملك السبات منافع حفظ الطاقة للحيوانات البرية ذات الأجساد الصغيرة بشكل خاص مثل: الخفافيش، القوارض والطيور المُغردة. تخسر هذه الحيوانات حرارتها بشكل طبيعي أسرع من غيرها لأن مساحة سطح الجسم لديها أكبر مقارنة بحجمها الكلي. للحفاظ على حرارة جسدها ضمن الحد الطبيعي يجب عليها أن تصرف طاقة أكبر مقارنة بالحيوانات ذات الأجساد الأكبر. ينطبق هذا تمامًا على الطيور التي تحافظ على حرارة جسد أعلى مقارنة بالثديات.
لسوء الحظ، لا يعد السبات الحل المثالي للنجاة من حالات البرد القارصة حيث يمكن أن يترافق مع مخاطر، كأن يكون الحيوان غذاءً لحيوان آخر.
تكيفات مُساعدة
طوَّرت الحيوانات بشكل غير مفاجئ تكيفات أخرى لتحمل أشهر الشتاء.
تميل أنواع الحياة البرية في خطوط العرض الشمالية لامتلاك أجساد أكبر بذيول أصغر مقارنة بأقربائها عند خطوط الاستواء. طورت العديد من الحيوانات سلوكيات تساعدها في التغلب على البرد: كالبقاء ضمن قطعان أو الاختباء داخل تجاويف، كلها دفاعات جيدة.
وتختبر بعض الحيوانات تغيرات فيزيولوجية عند قدوم الشتاء، مثل بناء مخازن الدسم، إنماء فراء أكثف لاحتباس طبقة عازلة من الهواء فوق الجلد وتحت الفراء أو الريش.
وابتكرت الطبيعة حيلًا أخرى لمساعدة العديد من الحيوانات في التعامل مع الظروف التي قد لا يحتملها البشر.
هل تسألت يومًا كيف يمكن للإوز الوقوف بأريحية على الجليد، أو كيف تقف السناجب على الثلج بأقدام عارية؟
يكمن السر بقرب الشرايين والأوردة في أطرافها، ما يؤمن تدرجًا في الانتقال بين الدفء والبرودة.
حيث يذهب الدم من القلب لأصابع القدم، ينتقل الدفء من الشرايين للأوردة حاملًا الدم البارد من الأصابع عائدًا إلى القلب. يساعد هذا التيار المعاكس من التبادل الحراري الجسد على البقاء دافئًا، بينما يحد من خسارة الحرارة عندما تكون الأطراف باردة، لكن ليس بدرجة البرودة التي قد تسبب ضررًا للأنسجة.
يستخدم هذا النظام الفعال من قبل العديد من الحيوانات البرية والطيور المائية، وحتى يفسر كيفية حدوث تبادل الأوكسجين في خياشيم الأسماك.
بالحديث عن الأسماك كيف لا تتجمد الأسماك من الداخل للخارج في المياه الجليدية؟
لحسن الحظ، يطفو الجليد على سطح الماء، لأن الماء أكثر كثافةً كسائل، ما يتيح للسمك السباحة بحرية في درجات حرارة ليست متجمدة بشكل كامل تحت الأسطح المتصلبة.
إضافة لذلك، يفتقد السمك مستقبلات الإحساس بالبرودة التي تشترك بها الفقاريات الأخرى.
لكن من جهة أخرى يملك إنزيمات فريدة تسمح للعمليات الفيزيولوجية بالاستمرار في درجات الحرارة الأبرد.
في المناطق القطبية، تملك الأسماك بروتينات خاصة ضد التجميد والتي ترتبط ببلورات الثلج في الدم مانعة انتشارها.
سلاح سري آخر تملكه الثديات والطيور خلال فترات التعرض المطول للبرد هو مخزن النسيج الشحمي البني أو “الشحم البني”، والذي يكون غنياً بالميتوكوندريا.
حتى لدى البشر، يمكن لتلك التراكيب الخلوية أن تحرر الطاقة على شكل حرارة، مولدةً الدفء من دون تقلصات عضلية أو ارتعاشات، وهي طريقة أخرى لتدفئة الجسم.
تفسر هذه الطريقة غير المسببة للارتعاش إنتاج الحرارة، وكيف يمكن للناس في إنكوراج (في ألاسكا) ارتداء السراويل القصيرة والقمصان بسعادة في يوم ربيعي تعادل درجة حرارته 4 درجة مئوية.
يمكن للهجرة بالطبع أن تكون خيارًا، لكنها مكلفة من ناحية الطاقة بالنسبة للحيوانات البرية، وماديًا بالنسبة للبشر الذين يريدون الهجرة نحو خط الاستواء.
يملك البشر القدرة على التكيف إلى حد معين -بعضنا يملك قدرات تكيف أكثر من غيره- لكننا بشكل عام غير متكيفين مع البرد. ربما يفسر هذا صعوبة النظر من النافذة في يوم قارس وعدم الشعور بسوء على سنجاب يتحصن بينما تضرب بفرائه ريح الشتاء.
ربما، لن نعرف أبدًا ما إذا كانت الحيوانات تخشى الشتاء، من الصعب قياس منظورها لهذه التجربة، لكنها حتمًا تملك العديد من الاستراتيجيات التي تحسن من قدرتها على تحمل البرد، ما يضمن لها الحياة لترى ربيعًا آخر.
- ترجمة: رند طه
- تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
- المصادر: 1