5 أشياءٍ لم تكن تعلم أنّ نظام تحديدِ المواقع العالمي GPS يمكنه أن يفعلها

إنه لا يمنعك فقط من الضياع!

قد تعتقد أنك خبيرٌ في التنقل ضمن مدينتك والهاتف الذكي بجانبك، وقد تتنزه أيضًا وجهاز الGPS معك لمعرفة طريق رجوعك، ولكنك ربما ستظل مندهشًا من كل الأشياء التي يمكن لنظام تحديد المواقع العالمي GPS -الذي يشكل أساس كل التنقلات الحديثة- القيام به.

يتكون نظام تحديد المواقع العالمي GPS من كوكبةٍ من الأقمار الصناعية التي ترسل إشاراتٍ إلى سطح الأرض، ويحدد نظام GPS العادي -كالموجود في هاتفك الذكي- مكانك بحدود 1 إلى 10 أمتار عن طريق قياس وقت وصول الإشارات من أربعة أقمارٍ صناعيةٍ أو أكثر.

باستخدام أجهزةٍ ذات أنظمة GPS أكثر فخامةً وأكثر تكلفةً، يمكن للعلماء تحديد مواقعهم بدقةٍ تصل إلى سنتيمترات أو حتى ملليمترات. ‏باستخدام هذه المعلومات الدقيقة جدًا مع الطرق الجديدة لتحليل الإشارات، اكتشف الباحثون أنّ نظام GPS يمكن أن يخبرهم عن الكوكب أكثر مما اعتقدوا.

على مدى العقد الماضي، سمحت أجهزة GPS الأسرع والأكثر دقة للعلماء بإلقاء الضوء على كيفية تحرك الأرض أثناء الزلازل. أدّى نظاط GPS تحذير أفضل للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والانفجارات البركانية، حتى أنَّ الباحثين جعلوا بعض أجهزة استقبال GPS تعمل كمستشعرات للثلج ومقاييس للمد والجزر واستعمالاتٍ أخرى غير متوقعة لقياس الأرض. تقول كريستين لارسون، -عالمة الجيوفيزياء بجامعة كولورادو بولدر- التي قادت العديد من الاكتشافات وكتبت عنها في المراجعة السنوية لعلوم الأرض والكواكب لعام 2019: “اعتقد الناس أنّني مجنونة عندما بدأت الحديث عن هذه التطبيقات”.

“حسنًا، اتضح أننا كنا قادرين على القيام بذلك.”

هذه بعض الأشياء المدهشة التي لم يدرك العلماء إلّا مؤخرًا أنه يمكنهم فعلها باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي GPS:

1. الشعور بالهزات الأرضية

على مدى قرون، اعتمد العلماء على مقاييس الزلازل (seismometer)، التي تقيس مدى اهتزاز الأرض، لتقييم حجم الزلزال ومدى شدته. كما قّدمت مستقبلات نظام تحديد المواقع العالمي GPS عرضًا مختلفًا، وهو تتبع العمليات الجيولوجية التي تحدث على مستويات أبطأ بكثير، مثل المعدل الذي تطحن به صفائح القشرة الأرضية الكبيرة بعضها البعض في عملية تُعرف باسم الصفائح التكتونية. لذلك قد يخبر نظام تحديد المواقع العالمي GPS العلماء بالسرعة التي يتسلل بها الجانبان المتعاكسان من صدع سان أندرياس لبعضهما البعض، بينما تقيس مقاييس الزلازل اهتزاز الأرض عندما ينفجر صدع كاليفورنيا في زلزال.

اعتقد معظم الباحثين أن نظام تحديد المواقع العالمي GPS ببساطة لا يمكنه قياس المواقع بدقة كافية وبسرعة كافية ليكون مفيدًا في تقييم الزلازل. ولكن اتضح أن العلماء يمكنهم استخراج معلومات إضافية من الإشارات التي ترسلها أقمار GPS الصناعية إلى الأرض.

تصل هذه الإشارات في مكونين:

“الأول”: هو السلسلة الفريدة من الآحاد والأصفار، والمعروفة باسم “الكود”، والتي يرسلها كل قمر صناعي لنظام GPS.

“الثاني”: هو إشارة حاملة ذات طولٍ موجيًّ أقصر تنقل الشيفرة من القمر الصناعي. نظرًا لأن إشارة الموجة الحاملة لها طول موجي أقصر -لا يتجاوز 20 سم- مقارنة بالطول الموجي الأطول للشيفرة، والذي يمكن أن يكون عشرات أو مئات الأمتار، فإن إشارة الموجة الحاملة توفر طريقةً عاليةَ الدقة لتحديد بقعةٍ على سطح الأرض.

غالبًا ما يحتاج العلماء، المساحون (المراقبون)، والجيش وغيرهم نظام GPS دقيق للغاية، وكل ما يتطلبه الأمر هو جهاز استقبال GPS أكثر تعقيدًا.

قام المهندسون أيضًا بتحسين المعدل الذي تقوم به أجهزة استقبال GPS بتحديث موقعهم، مما يعني أنه يمكنهم تحديث أنفسهم بمعدل 20 مرة في الثانية أو أكثر. بمجرد أن أدرك الباحثون أنه يمكنهم إجراء قياسات دقيقة بهذه السرعة، بدأوا في استخدام نظام تحديد المواقع العالمي GPS لفحص كيفية تحرك الأرض أثناء الزلزال.

في عام 2003، في واحدة من أولى الدراسات من نوعها، استخدمت لارسون وزملاؤها مستقبلات GPS موضوعه غرب الولايات المتحدة لدراسة كيفية تحول الأرض مع تموجات موجات زلزالية من زلزال بقوة 7.9 درجة في ألاسكا. بحلول عام 2011، كان الباحثون قادرين على أخذ بيانات GPS عن الزلزال الذي بلغت قوته 9.1 درجة والذي دمر اليابان وأظهروا أن قاع البحر قد تحرّك نحو 60 مترًا بشكلٍ مذهل أثناء الزلزال.

يبحث العلماء اليوم على نطاق أوسع حول كيفية إمكان بيانات GPS أن تساعدهم في تقييم الزلازل بسرعة. درس دييغو ميلغار من جامعة أوريغون في يوجين وجافين هايز -وهما من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في غولدن كولورادو- 12 زلزالًا كبيرًا لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تحديد مدى حجم الزلزال في غضون ثوانٍ من بداية الزلزال. من خلال تضمين معلومات من محطات GPS بالقرب من بؤر الزلازل، يمكن للعلماء في غضون 10 ثوانٍ تحديد قوّة الزلزال اذا ما كانت مدمرة 7 أم درجة مدمرة تمامًا 9.

قام الباحثون على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة بدمج نظام التتبع GPS في نظام الإنذار المبكر للزلازل، والذي يكشف اهتزاز الأرض ويبلغ الناس في المدن البعيدة عمّا إذا كان من المحتمل أن يصلهم الاهتزاز قريبًا. وتقوم تشيلي ببناء شبكة GPS خاصّةٍ بها من أجل الحصول على معلومات أكثر دقة بسرعةٍ أكبر، والتي يمكن أن تساعد في حساب ما إذا كان من المحتمل أن يتسبب الزلزال بالقرب من الساحل في حدوث تسونامي أم لا.

2. مراقبة البراكين

بعيدًا عن الزلازل، تساعد سرعة نظام تحديد المواقع العالمي GPS المسؤولين على الاستجابة بسرعة أكبر للكوارث الطبيعية الأخرى عند وقوعها.

على سبيل المثال: العديد من مراصد البراكين، لديها مستقبلات GPS مصفوفة حول الجبال التي تراقبها، لأنه عندما تبدأ الصهارة (الأحجار المنصهرة) في التحوّل تحت الأرض غالبًا ما يؤدي ذلك إلى تحول السطح أيضًا. من خلال مراقبة كيفية صعود أو غرق محطات GPS حول البركان مع مرور الوقت، يمكن للباحثين الحصول على فكرة أفضل حول اماكن تدفق الصخور المنصهرة.

قبل الثوران الكبير لبركان كيلويا في هاواي العام الماضي، استخدم الباحثون نظام تحديد المواقع العالمي GPS لفهم أي الأجزاء من البركان كانت تتحرك بسرعة أكبر. استخدم المسؤولون هذه المعلومات للمساعدة في تحديد المناطق التي سيتم إخلاء السكان منها.

يمكن أن تكون بيانات GPS مفيدةً أيضًا حتى بعد اندلاع البركان، لأن الإشارات تنتقل من الأقمار الصناعية إلى الأرض يجب أن تمر عبر أي مادة يقذفها البركان في الهواء.

في عام 2013، قامت عدة مجموعاتٍ بحثية بدراسة بيانات نظام تحديد المواقع العالمي GPS من ثوران بركان Redoubt في ألاسكا قبل أربع سنوات، ووجدت أن الإشارات أصبحت مشوهة بعد وقت قصير من بدء الثوران.

من خلال دراسة التشوهات، يمكن للعلماء تقدير كمية الرماد المنبعثة ومدى سرعة انتقاله، أطلقت عليها لارسون “طريقة جديدة للكشف عن الأعمدة البركانية”.

عملت لارسون وزملاؤها على إيجاد طرق للقيام بذلك باستخدام الهواتف الذكية بدلاً من أجهزة الاستقبال العلمية باهظة الثمن. يمكن أن يمكّن ذلك علماء البراكين من إنشاء شبكة GPS غير مكلفة ومراقبة أعمدة الرماد أثناء ارتفاعها. تمثل الأعمدة البركانية مشكلةً كبيرةً للطائرات التي يتعين عليها التحليق حول الرماد بدلاً من المخاطرة بانسداد الجسيمات لمحركاتها النفاثة.

3. التدقيق في الثلج

تأتي بعض الاستخدامات غير المتوقعة لنظام تحديد المواقع العالمي GPS من الأجزاء الأكثر فوضى في إشاراته ألا وهي الأجزاء التي ترتد عن الأرض.

يلتقط مستقبل GPS العادي مثل الموجود في هاتفك الذكي، الإشارات التي تأتي مباشرة من الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي GPS. لكنه يلتقط أيضًا الإشارات التي ارتدت على الأرض التي تمشي عليها وانعكست على هاتفك الذكي.

لسنوات عديدة، اعتقد العلماء أن هذه الإشارات المنعكسة ليست سوى ضوضاء، نوع من الصدى يشوش البيانات ويجعل من الصعب معرفة ما يجري. ولكن منذ حوالي 15 عامًا، بدأت لارسون وآخرون يتساءلون عما إذا كان بإمكانهم الاستفادة من أصداء أجهزة استقبال GPS العلمية. بدأت لارسون تبحث في ترددات الإشارات التي تنعكس عن الأرض وكيف يتم دمجها مع الإشارات التي وصلت مباشرةً إلى جهاز الاستقبال. وبذلك استطاعت أن تستنتج صفات السطح التي ارتدت عنها الأصداء. تقول لارسون: “لقد قمنا بتصميم هذه الأصداء بشكل عكسي”.

هذه الطريقة تساعد العلماء على التعرف على الأرض الموجودة أسفل مستقبل GPS مثل مقدار الرطوبة التي تحتويها التربة أو كمية الثلج التي تراكمت على السطح. (كلما زاد تساقط الثلوج على الأرض، كلما كانت المسافة أقصر بين جهاز الصدى وجهاز الاستقبال). يمكن لمحطات GPS أن تعمل كأجهزة استشعار للثلج لقياس عمق الثلج، كما هو الحال في المناطق الجبلية حيث تشكل كتلة الثلج مصدرًا رئيسيًا للمياه كل عام.

تعمل هذه التقنية أيضًا بشكل جيد في القطب الشمالي والقارة القطبية الجنوبية حيث يوجد عددٌ قليلٌ من محطات الطقس التي تراقب تساقط الثلوج على مدار العام. درس مات سيغفريد -الذي يعمل الآن في مدرسة كولورادو للمناجم في جولدن- وزملاؤه تراكم الثلوج في 23 محطة GPS في غرب أنتاركتيكا من عام 2007 إلى 2017، ووجدوا أنهم يستطيعون قياس تغير الثلج بشكلٍ مباشر. هذه معلومات مهمة للباحثين الذين يتطلعون إلى تقييم كمية الثلج التي يتراكم عليها الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي كل شتاء وكيف يقارن ذلك مع ما يذوب كل صيف.

4. الشعور بالغرق

ربما بدأ نظام تحديد المواقع العالمي GPS كطريقةٍ لقياس المواقع على أرضٍ صلبة، ولكن تبين أنه مفيدٌ أيضًا في مراقبة التغيرات في مستويات المياه.

في يوليو وجد جون جاليتزكا -المهندس في منظمة أبحاث الجيوفيزياء التابعة لليونافكو في بولدر كولورادو- نفسه يقوم بتركيب محطات GPS في بنغلاديش، عند تقاطع نهري الغانج وبراهمابوترا. كان الهدف هو قياس ما إذا كانت رواسب النهر تتكدس والأرض تغرق ببطء مما يجعلها أكثر عرضةً للفيضانات أثناء الأعاصير المدارية وارتفاع مستوى سطح البحر. يقول جاليتزكا: “يعدّ نظام تحديد المواقع العالمي GPS أداةً رائعةً للمساعدة في الإجابة عن هذا السؤال والمزيد”.

في مجتمع زراعي يدعى سونتالا Sonatala على حافة غابة منغروف، وضع جاليتزكا وزملاؤه محطة GPS واحدة على سطحٍ خرساني لمدرسةٍ ابتدائية، وأقاموا محطةً ثانية في مكانٍ قريب فوق قضيب تم وضعه في حقل أرز. إذا كانت الأرض تغرق حقًا، فستبدو محطة GPS الثانية كما لو كانت تخرج ببطء من الأرض. ومن خلال قياس أصداء نظام تحديد المواقع العالمي GPS أسفل المحطات يمكن للعلماء قياس عوامل مثل كمية المياه الموجودة في حقل الأرز خلال موسم الأمطار.

يمكن لأجهزة استقبال GPS أن تساعد علماء المحيطات والبحارة من خلال العمل كمقاييس للمد والجزر. عرف لارسون هذا أثناء عمله مع بيانات GPS من خليج كاشيمك، ألاسكا. تم إنشاء المحطة لدراسة التشوه التكتوني لكن لارسون كانت فضوليّةً لأن الخليج يحتوي أيضًا على بعض أكبر اختلافات المد والجزر في الولايات المتحدة. نظرت لارسون إلى إشارات نظام تحديد المواقع العالمي GPS التي كانت ترتد عن الماء وصولاً إلى جهاز الاستقبال وتمكنت من تتبع تغيرات المد والجزر بدقةٍ تقريبًا مثل مقياس المد والجزر الحقيقي في ميناء قريب.

قد يكون هذا مفيدًا في أجزاء من العالم التي لا يوجد بها مقاييس للمد والجزر طويلة المدى ولكن يوجد بالقرب منها محطة GPS.

5. تحليل حالة الطقس

أخيرًا، يمكن لنظام تحديد المواقع العالمي GPS استنباط معلوماتٍ حول السماء بطرقٍ لم يظن العلماء أنها ممكنة إلا قبل بضع سنواتٍ فقط. يمكن لبخار الماء والجسيمات المشحونة كهربائيًا وعوامل أخرى تأخير إشارات GPS التي تنتقل عبر الغلاف الجوي مما يسمح للباحثين باكتشافاتٍ جديدة.

تستخدم مجموعةٌ من العلماء نظام تحديد المواقع العالمي GPS لدراسة كمية بخار الماء في الغلاف الجوي المتاح للترسيب على شكل مطرٍ أو ثلج. استخدم الباحثون هذه التغييرات لحساب كمية المياه التي من المحتمل أن تسقط من السماء مما يسمح للمتنبئين بضبط توقعاتهم للفيضانات المفاجئة في أماكن مثل جنوب كاليفورنيا. خلال عاصفة يوليو 2013، استخدم خبراء الأرصاد بيانات GPS لتتبع الرطوبة الموسمية التي تتحرك على الشاطئ والتي تبين أنها معلوماتٌ مهمةٌ لإصدار تحذير قبل 17 دقيقة من حدوث الفيضانات المفاجئة.

إشارات GPS تتأثر أيضًا عندما تنتقل عبر الجزء المشحون كهربائيًا من الغلاف الجوي العلوي والمعروف باسم الأيونوسفير. استخدم العلماء بيانات نظام تحديد المواقع العالمي GPS لتتبع التغيرات في طبقة الأيونوسفير مع سباق التسونامي عبر المحيط. (تنتج قوة التسونامي تغيرات في الغلاف الجوي تتموج على طول الطريق حتى طبقة الأيونوسفير). يمكن أن تكمل هذه التقنية يومًا ما الطريقة التقليدية للتحذير من تسونامي والتي تستخدم عوامات منتشرة عبر المحيط لقياس ارتفاع الموجة المتنقلة.

تمكن العلماء حتى من دراسة آثار الكسوف الكلي للشمس باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي GPS. في أغسطس عام 2017، استخدموا محطات GPS في جميع أنحاء الولايات المتحدة لقياس كيفية انخفاض عدد الإلكترونات في الغلاف الجوي العلوي مع تحرك ظل القمر عبر القارة مما أدى إلى تعتيم الضوء الذي ينتج عنه الإلكترونات.

لذا، إن نظام تحديد المواقع العالمي GPS مفيدٌ لكلِّ شيء بدءًا من اهتزاز الأرض تحت قدميك وحتى تساقط الثلوج من السماء.

ليس سيئًا لشيء كان من المفترض به أن يساعدك في العثور على طريقك عبر المدينة.

  • ترجمة: ساره حويجه
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1