بداية نهاية الكون: كيف يموت الثقب الأسود
بعد فترة طويلة من تلاشي النجوم الأخيرة، ستعلن الثقوب السوداء نهاية الكون بعرض ألعاب نارية مذهل.
الثقوب السوداء هي مناطق من الزمان والمكان (الزمكان) تحكمها الجاذبية، فجاذبية الثقب الأسود قوية جدًا لدرجة ألا شيء يمكنه الإفلات منها، ولا حتى الضوء. ويتراوح حجم الثقوب السوداء بين الثقوب ذات الكتل النجمية التي تبلغ 5-100 كتلة شمسية (كتلة الشمس)، وصولًا إلى الثقوب السوداء فائقة الكتلة، التي قد تزيد كتلتها عن مليار كتلة شمسية. ويعتقد العلماء أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة تتوارى في قلوب معظم المجرات، باستثناء مجرة المثلث (M33)، لأنها ثالث أكبر عضو في مجموعتنا المحلية وتفتقر إلى ثقب أسود مركزي فائق الكتلة.
الكون في عصره النجمي حاليًا، وهو العصر الذي تولد فيه النجوم والمجرات باستمرار. ولكن المكونات المطلوبة لصنع تلك الأجرام ستنفد في النهاية، وستخفت النجوم في سماء الليل ببطء، تاركة الثقوب السوداء تسكن وحيدة في الكون.
ولكن حتى الثقوب السوداء ستموت يومًا ما، ولكنها لن تمضي بهدوء في ذلك الليل البديع، بل ستضيء الكون بانفجار ألعاب نارية في لحظاتها الأخيرة، معلنة نهاية حقبة.
خداع الموت
تنجو الثقوب السوداء عبر التهام الغازات والنجوم التي حولها، وشراهتها هذه هي قاتلتها. تفصيل ذلك أن الثقوب السوداء محاطة عادة بأقراص تزويد accretion disks من المواد التي مزقتها وامتصتها بقربها، مثل المياه التي تدور إلى بالوعة. وكلما اقتربت المادة من الثقب الأسود، زادت سرعتها متراكمة حوله. ويسبب الاحتكاك بين الغبار المتراكم حرارةً تجعل أقراص التزويد تتوهج، وهذا يرسم ظل الثقب الأسود، أو أفق الحدث كما يسمى. ومن لطائف شيبرد دويلمان Sheperd Doeleman، الباحث في الثقوب السوداء في جامعة هارفارد ومدير تلسكوب أفق الحدث Event Horizon Telescope الذي التقط أول صورة لثقب أسود عام 2019، في هذا الصدد أنه قال: يود [الثقب الأسود] الاختباء، ولكنه يحاول ذلك بشكل سيئ جدًا أحيانًا.
وليت أفق الحدث يشي بمكان الثقب الأسود وحسب، فهو أيضًا سبب هلاكه.
تضيع المادة التي تعبر أفق الثقب الأسود إلى الأبد، فلا شيء يمكنه الإفلات من قبضة هذه الوحوش الشرهة. أو هذا ما يمليه علينا فهمنا الحالي للجاذبية في الأقل. ولكن ما تسمى بنقطة اللا عودة هذه تفشل في أخذ ميكانيكا الكم بالحسبان (لا يزال علماء الفيزياء يعملون على تطوير نظرية موحدة للجاذبية الكمية). إذ أثبت ستيفن هوكينج Stephen Hawking عام 1974 أن الهروب من الثقب الأسود ممكن حسب ميكانيكا الكم، على الرغم من أنه بطيء للغاية.
قد يبدو الفضاء الفارغ خاليًا من كل مادة، ولكنه ليس كذلك؛ حسب ميكانيك الكم فإن طاقة الفراغ تتغير مع الزمن، وهذه التغيرات تظهر إلى الوجود كأزواج من الجسيمات (زوجين زوجين من جسيم وجسيم ومضاد) وتختفي بسرعة، وهذا يحدث في كل أرجاء الكون. ولأن الطاقة لا تستحدث من العدم، ستكون لأحد الجسيمات طاقة موجبة وللآخر طاقة سالبة. وعادة ما تفني هذه الأزواج بعضها بسرعة عالية جدًا. ولكن إذا ظهرت هذه الجسيمات عند حدود أفق حدث الثقب الأسود، فمن الممكن أن يسقط الجسيم ذو الطاقة السالبة في الثقب الأسود، ويهرب الجسيم ذو الطاقة الموجبة، فيبدو كأن الثقب الأسود قد أشع جسيمًا. وبما أن آينشتاين أثبت أن الطاقة والكتلة تتناسبان طرديًا في معادلته E=MC^2، فإن الطاقة السالبة من الجسيم الساقط ستزيل بعض الكتلة من الثقب الأسود، فتسبب تقلصه.
ولكن لا تتوقع أن يختفي ثقب أسود في أي وقت قريب، لأنه يستغرق وقتًا طويلًا جدًا لإلقاء كل كتلته كطاقة عبر إشعاع هوكينج. إذ يستغرق الاختفاء الكلي لثقب أسود فائق نحو غوغل سنة، أي 10^100. ووصف بريامفادا ناتاراجان Priyamvada Natarajan، الباحث في جامعة ييل Yale University الذي يبحث في طبيعة الثقوب السوداء هذا بقوله «إن عمر الكون بأكمله [هو] جزء بسيط من [الوقت] الذي يستغرقه، وهذا أبدي بالنسبة لنا».
سكرات الموت
تعتمد المدة التي يعيش فيها الثقب الأسود على كتلته بنحو كبير. فكلما زاد حجم الثقب الأسود، استغرق وقتًا أطول للتلاشي. وحسب تعبير دويلمان: يمكن [للثقب الأسود] بهذه الطريقة أن يغش الموت بالنمو.
وقد شبَّه العملية بساعة رملية، حيث تمثل الرمال التي في الأعلى مقدار الوقت المتبقي للثقب الأسود. ومن خلال التهام المزيد من النجوم والغازات، يستمر الثقب الأسود بإضافة المزيد من الرمال إلى ساعة حياته الرملية، حتى مع تدفق الجسيمات الفردية. وقال أيضًا «طالما هناك مواد [للأكل]، يمكن للثقب الأسود الاستمرار في إعادة ضبط ساعته. وفي النهاية، مع تقدم الكون في العمر، ستنفد المادة من حول الثقب الأسود وستبدأ ساعة النهاية في الدق».
إن الثقب الأسود يتقلص في أثناء تبخره، وفقدان كتلته هذا يزيد معدل هروب الجسيمات، وأخيرًا تهرب الطاقة المتبقية دفعة واحدة. وهنا قال ناتاراجان «في العُشر الأخير من الثانية من حياة الثقب الأسود، سترى وميضًا هائلًا من الضوء والطاقة، يعادل نحو مليون قنبلة نووية تنفجر في منطقة صغيرة جدًا من الفضاء».
وهذا كثير حسب معايير الأرض، فهو أكبر جدًا من الترسانة النووية لكل الدول مجتمعة. ولكنه ليس كبيرًا من الناحية الفلكية، فقد سجلنا سوبرنوفا أقوى منه ب22 تريليون مرة، وهذا في أعظم انفجار رصدناه قط، والذي سمي ASSASN-15 lh.
أخيرًا، لا يهم صغر الثقب الأسود أو كبره، فالألعاب النارية الختامية هي نفسها تمامًا، الفرق الوحيد هو كم من الوقت سيستغرق انفجار ثقب أسود. فما إن يلتهم الثقب الأسود وجبته الأخيرة، لا يتبقى غير تدفق الحبوب الرملية بلا هوادة حتى لا يتبقى شيء.
- ترجمة: منى اعجاز
- تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
- المصادر: 1