لم اختفى البشر البدائيون؟
قد يكون البشر البدائيون أقرب أبناء عمومتنا المتجددين. ساروا على قدمين مثلنا، واستخدموا أدوات، وربما ابتكروا الفن والموسيقى. استخدموا النار ومن المحتمل أنهم عاشوا واصطادوا في مجموعات اجتماعية معقدة مماثلة للطريقة التي فعلها الإنسان العاقل في العصر الحجري في الوقت ذاته تقريبًا.
لسنا متأكدين متى انفصل الإنسان البدائي عن أسلافه الأولين، لكن السجل الأحفوري يخبرنا بأنه كان موجودًا بالتأكيد منذ حوالي 200000 عام. واختفى منذ حوالي 40000 عام عندما بدأ البشر المعاصرون من الناحية التشريحية في الانتقال إلى أوروبا.
يقول ويليام بانكس، عالم آثار في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية: “لا يمكننا القول أن البشر البدائيون انقرضوا تمامًا – لأننا لدينا أنا وأنت الحمض النووي للإنسان البدائي في جيناتنا”، “فهم لم يختفوا عن الوجود بلا أثر، بل تركوا بصمتهم”.
نظرًا لصعوبة تفسير السجل الأحفوري، ينقسم العلماء حول السبب وراء انقراض أبناء عمومتهم وأشباه أسلاف العديد من البشر المعاصرين. يعتقد الكثيرون بأن البشر المعاصرون تفوقوا على البشر البدائيين، مما أدى إلى انقراضهم. قد يكون هذا التنافس أصبح مؤاتيًا للنسخة الحالية من الإنسان بسبب التكنولوجيا المتقدمة ومقاومة الأمراض، أو الاختلافات الطفيفة في العادات الإجتماعية للبشر البدائيين. قد يكون الإنسان المعاصر مؤهلًا بشكل أفضل للتكيف مع التغيير المناخي.
وأضاف بانكس: “في النهاية هناك مجموعة سكانية تحل محل الأخرى”.
لماذا انقرض الإنسان البدائي؟
سمي الإنسان البدائي بهذا الاسم نسبة للحفريات المعروفة بهذا النوع التي تم العثور عليها في عام 1856 في وادي نياندر بألمانيا، وعاش في مناطق واسعة عبر القارة الأوراسية. كان أقل طولًا بضع بوصات وأعرض قليلاً من الإنسان الحديث (H. sapiens) في ذلك الوقت.
عثر علماء الآثار على أحافير البشر البدائيين في جبال الألتاي وسط آسيا وحتى جنوب غرب آسيا، وعلى نطاق واسع في جميع أنحاء أوروبا. هؤلاء البشر وأسلافهم المتجددين هم الفصائل الوحيدة المعروفة التي استوطنت أوروبا قبل الإنسان الحديث. بدأ الإنسان العاقل (H. sapiens) في التوغل بشكل كبير في القارة قبل حوالي 42000 عام، على الرغم من وجود بعض الأحافير التي اكتشفت في فترات سابقة.
وفقًا لما يقوله بانكس فإن فترة التداخل بين البشر البدائيين والمعاصرين كانت قصيرة نسبيًا، إذ استمرت لمدة تتراوح بين 3000 إلى 4000 عام أو نحو ذلك. تقنية التأريخ الكربوني المستخدمة عادةً لتحديد عمر الأحافير لديها هامش خطأ يصل إلى 500 عام، لذا من الصعب الحصول على تواريخ دقيقة لما كان يحدث مع العديد من بقايا الأحافير التي اكتشفها علماء الآثار أثناء تلك الفترة.
استخدام أدوات النجاة: اختفاء الإنسان البدائي من خلال المنافسة.
يعتقد الباحثون أن أسلحة الصيد المتطورة أو غيرها من الأدوات ربما ساعدت البشر على التفوق على الإنسان البدائي. يُعرف أن البشر البدائيين استخدموا رؤوس الرماح البسيطة وفؤوس وأدوات أخرى كانت تشحذ غالبًا من جانب واحد فقط من النصل، وتُعرف باسم الموستاريان، بينما كانت التكنولوجيا المستخدمة من قِبَل البشر مركزة على نصول تشبه السكين، مما منحهم مزيدًا من الدقة في استخداماتهم الخاصة.
بانكس غير متأكد مما إذا كانت تلك الاختلافات تحدث فارقا. على الباحثين أن يكونوا حريصين على عدم الاقتراب من مسألة اختفاء الإنسان البدائي مع الافتراض التلقائي بأن البشر كانوا متفوقين إلى حد ما.
ويضيف: “نحتاج حقًا إلى الانتباه لإزالة التحيزات”، مضيفًا أنه من الصعب تحديد ما إذا كان بعض الاختلاف في الذكاء قد لعب دورا في إختفاء الإنسان البدائي على سبيل المثال. يعود تاريخ فن الكهوف المكتشف في إسبانيا إلى فترة ما قبل معرفة وجود البشر المعاصرين في المنطقة. وقد ناقش علماء الآثار بأن أبناء عمومتنا المتجددين عرفوا الموسيقى بناءً على اكتشاف ما قد يكون بقايا الناي الموجود في نطاق عيش الإنسان البدائي. يضيف بانكس “كان يصنع الإنسان البدائي الحلي الشخصية من مخالب الطيور الجارحة ويستخدم المغرة (معدن طيني) لإنتاج الصباغ لأغراض ربما رمزية”. “إن بعض علماء الآثار لا يقتنعون بأن الإنسان البدائي كان قادرًا على القيام بذلك، في حين يعتقد آخرون أنهم تعلموا من البشر المعاصرين.” مما يمكنني تصوره بأن الإنسان البدائي معقد بشكل لا يصدق من وجهة نظر سلوكية “.
اختفاء الإنسان البدائي من خلال الوباء
يعتقد نوح روزنبرغ، أستاذ علم الأحياء في جامعة ستانفورد، أن المرض يمكن أن يكون قد لعب دورًا رئيسيًا في اختفاء الإنسان البدائي. في دراسة حديثة نشرت في Nature Communications، بنى روزنبرغ وزملاؤه نموذجًا رياضيًا على ديناميكيات المرض التي تحدث عندما تلتقي مجموعتان سكانيتان مختلفتان.
عندما وصل المستعمرون الأوروبيون لأول مرة إلى ما يعرف الآن بالأمريكتين، قضت الأمراض التي جلبوها على ما يقارب 90 في المائة من السكان الأصليين في جميع أنحاء أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية. في حين أصيب الأوروبيون بعدد أكبر من الأمراض بسبب ارتفاع الكثافة السكانية ووجود المزيد من الحيوانات الأليفة معهم، وبعد ذلك طوروا طرق المناعة التي لم يقم بها الأمريكيون الأصليون.
لم يتعايش البشر مع الحيوانات قبل 42000 عام. يتكهن روزنبرغ بأن شيئًا مشابهًا ربما قد حدث عندما بدأ البشر في التواصل مع الإنسان البدائي. “تبادلا مجموعات من مسببات الأمراض عندما التقيا، ولكن إحدى الفصيلتين قد تأثرت بالمسببات بشكل أكبر على مر الأجيال أو ربما أدت الوفيات إلى تحول الحدود بين البشر والإنسان البدائي”.
أظهرت النماذج التي أجراها روزنبرغ وزملاءه بالاعتماد على بيانات السجل الأحفوري بحيث يفسر الحدود المتغيرة بين فصائل بلاد الشام (على طول شرق البحر المتوسط).
من خلال فقدان السكان التدريجي للإنسان البدائي بسبب المرض. قد يعود السبب إلى مجموعة من مسببات الأمراض الموجودة في المناطق الاستوائية التي هاجر منها البشر، ولكن ذلك ليس جليا بعد، أو لماذا كان لدى البشر مقاومة أكبر.
يقول روزنبرغ: “لن أدعي أنه العامل الوحيد، أو حتى أنه العامل الأكثر احتمالًا”، “إنه مجرد تخيل انتقال الأمراض المعدية بين الإنسان البدائي والبشر، إذ يمكننا تفسير شيء لم يُفسر بعد”.
نظرية العوامل العديدة لانقراض الإنسان البدائي
يعتقد بانكس أن المرض، والمنافسة بشكل أو بآخر، والاستجابات المختلفة للتغيير المناخي والبيئي، واستخدام الموارد، ربما جميعها لعبت أدوارًا مهمة في اختفاء الإنسان البدائي على مدى آلاف السنين من التعايش.
من المحتمل أن يكون هناك عدد كبير من الاختلاطات المتنوعة التي حدثت بين هذين النوعين من البشر، تماما كما هو الحال بين البشر اليوم. يمكن أن تكون الميزة قد انعكست على شيء بسيط كالاختلاف في طريقة استجابة الإنسان البدائي للتغيرات البيئية والمناخية.
في منطقة درسها بانكس في فرنسا، استمر استخدام الإنسان البدائي نفس الأراضي على الرغم من التغييرات البيئية والمناخية التي حدثت منذ حوالي 70000 عام.
يقول: “إنهم نوع من الأجسام المنزلية الأصلية إذا أردت تسميتها هكذا”.
وأضاف بانكس “ابتكر الإنسان البدائي تقنيات حجرية جديدة مناسبة للبيئة المتغيرة من أجل البقاء في مناطقه”، ويضيف: “لديهم قدرة تمامًا كالبشر المعاصرين على الابتكار التكنولوجي والتأقلم مع ظروفهم”.
قد لا يمثل هؤلاء السكان عادات الإنسان البدائي ككل، لكن ربما كان أكثر احتمالًا من البشر المعاصرين للبقاء مع شبكات اجتماعية أصغر على مدى أجيال. قد تكون هذه الأنماط المختلفة في الحركة أحدثت فرقًا وفقًا لعمل بانكس، وأدت إلى تجمعات جينية أصغر. تظهر بعض الأبحاث أن زواج الأقارب كان شائعًا نسبيًا للإنسان البدائي في بعض المناطق.
يقول بانكس: “لديك هذه الشريحة المتجددة والذكية للغاية من السكان، ولكن هناك بعض الاختلاف البسيط من حيث كيفية تنظيم أنفسهم على الأرض وإحداث فروقات”.
ذكر بانكس “سنستمر في معرفة المزيد عن تلك العوامل مع تحسن التقنيات الأثرية، مما يساعدنا على إعادة زيارة المواقع المحفورة والقيام بتحليل أفضل للبقايا المكتشفة حديثًا. وهذا سيزيد من تعقيد السؤال حول نتيجة انقراض الإنسان البدائي بدلًا من إعطائنا إجابة محددة.
- ترجمة: عبير زبون
- تدقيق لغوي: هلا ردوانيان
- المصادر: 1