تطوّر بصرنا ليس ناتجًا عن تطور سلالتنا!

لطالما اعتبِر تطور العين البشرية أحد أكثر ألغاز البيولوجيا تحديًا، والذي يثير الجدل حول تسلسل الخطوات اللازمة لتحويل الحساسية البدائية للضوء إلى نظام تصوير فوتوغرافي معقد.

تشير الأبحاث الجديدة إلى أن بعض عناصر الرؤية عند الفقاريات لم تتطور تدريجيًا عندما وُرّثت جيناتهم عبر سلالاتهم، ولكن «سُرقت» من سلالات حية مختلفة كليًا.

ويوضّح ذلك الباحث البيولوجي ‘مات دوغرتي’ من جامعة كاليفورنيا عبر تويتر: “واحدة على الأقل من التغييرات التي أدت إلى البنية الحالية لأعين الفقاريات لم تحدث من خلال التعديل التدريجي للجينات الموجودة في حيوانات أخرى، بل جاءت من إدخال ‘DNA’ جديد من البكتيريا عن طريق نقل الجينات الأفقي”.

يصف نقل الجينات الأفقي عملية نقل المادة الوراثية بين أنواعٍ مختلفة من الكائنات الحية، مثل: الفيروسات التي تبادل الجينات أو البكتيريا السارقة.

إحدى السمات الرئيسية التي تميز عيوننا المصممة مثل الكاميرا فائقة الدقة عن تلك التي تجدها في اللافقاريات هي فصل الأنسجة الحساسة للضوء عن الخلايا المسؤولة عن تدوير جزيئاتها المتفاعلة مع الضوء.

وهذا يعتمد على آليات النقل الفعلي للجزيئات المسماة ‘ريتينويد’ بين الخلايا المختلفة، حيث يقوم بعملية النقل هذه بروتين ثابت يسمى ‘البروتين الرابط للريتينويد’ بين المستقبلات الضوئية IRBP، ووفقًا لهذا البحث الجديد نشأ هذا البروتين من جين بكتيري ظهر فجأة في أعين شبيهة بأعين الفقاريات منذ أكثر من 500 مليون عام.

لا يوجد IRBP في الكائنات اللافقارية، كما أنه لا يوجد في أي خلية معقدة أخرى، كالأشجار والأميبا وحتى الخميرة، والسجل الوحيد الذي لدينا لتسلسل الجين المماثل لذلك الذي يرمز ل IRBP هو من البكتيريا.

عند تحليل أكثر من 900 جينوم، استطاع طالب البيولوجيا الجزيئية بجامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا ‘شينماي كالورايا’ وزملاؤه تحديد ظهور الجين في سلالات الفقاريات، والذي توافق مع ظهور الأعين الشبيهة بأعين الفقاريات قبل أكثر من 500 مليون عام.

يبدو أن سلف جميع الحيوانات الفقارية سرق الجين الأصلي من البكتيريا، وعبر عدة أجيال من الانتقاء الطبيعي، تكررت رموز الجين وصُقلت وظيفته لنقل الريتينويد.

على الرغم من أنه يلعب دوراً ضئيلاً في رؤية الفقاريات، ولكن في الحقيقة إن المكونات الجديدة يمكن أن تنتقل بين أجزاء مختلفة تمامًا من النظام الحيوي مما يتيح إمكانيات جديدة لشرح العديد من العمليات البيولوجية المعقدة.

ومن أمثلة ذلك بروتين ضروري لتشكيل المشيمة في الثدييات يسمى ‘سينكيتن Syncytin’، إذ يعود أصل جين هذا البروتين إلى الفيروسات الارتجاعية.

ويوضّح الفريق في بحثه قائلًا: “على عكس تطور الجينات الحالية، أو تعديل الجينات، فإن الاستحواذ على المواد الوراثية الأجنبية له القدرة على إحداث استقرار في تطور حقيقيات النوى عن طريق توفير حداثة وظيفية فورية”.

وبما أنه يتم تسلسل المزيد من الجينومات، يشتبه الباحثون أننا سنجد المزيد من أمثلة نقل الجينات الأفقية في تاريخ تطورنا.

يقول دوغرتي: “شكل الحمض النووي DNA للأحياء المجهرية -بما في ذلك الفيروسات- تُطوِّر الحيوانات بطرقٍ غريبة ومدهشة”.

  • ترجمة: لبنى عبيد
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1