اكتشافٌ مذهلٌ للعلماء، يمكن للمعادن شفاءَ نفسها بنفسِها!
شهد العلماءُ لأول مرة التحام تشقّقاتٍ موجودة في قطعٍ من المعادن دون تدخّل بشريّ، مما يتناقض مع كلّ أساسيات النظريات العلمية السابقة في هذا المجال، ويمهّدُ لثورة هندسيةٍ عظيمة قد تسمحُ للمحرّكاتِ والجسورِ والطائراتِ برأبِ التلف الموجودِ فيها وجعلها أكثر أمانًا وديمومة.
وصرّح (براد بويس) عالمُ المادة في مختبرات سانديا الوطنية في جامعة تكساس لمجلة (الطبيعة): “من المذهل أننا رأينا ما حدث عن كثب..، لقد أثبتنا أن للمعادن كينونتها الخاصة القادرة على شفاء نفسها طبيعيًا على الأقل في حال التلف الكَلاليّ على مقياس النانو”.
ويُعرّفُ مصطلحُ (التلف الكَلالي) أنه تآكل الآلات وتعطلها نتيجة استمرار الضغط أو الحركة، إذ يبدأ التآكل بتشققات بسيطة جدًا؛ لكنها تتعاظم مع الوقت إلى أن تتصدع وتعطل الآلة بالكامل أو كما يسميه العلماء (فشل ُالآلة).
لكنّ التشققات البسيطة التي راقبها العالم بويس مع فريقه لم تتعاظم مع الزمن بل تناقصت حدّ الاختفاء.
ويعلق (بويس) قائلًا: (غالبًا ما نفشلُ في استخدام أجهزتنا الإلكترونية لالتحام التصدعات في المنشآت مثل الجسور أو العربات بطريقة غير متوقعة نتيجة التحميل الدوري الذي يؤدي إلى بدء ظهور التشققات ثم التصدعات، وعلينا حينها أن نكافح ويضيع وقتنا بتكاليف الاستبدال، وقد نتعرض أحيانًا لإصابات أو فقدان بالأرواح، وتخسر الولايات المتحدة حوالي مئات المليارات كل سنة بسبب ذلك).
ورغم أن العلماء كانوا قد بدأوا في تصنيعِ موادّ بلاستيكية قادرة على معالجة نفسها، إلاّ أن فكرة شفاء المعدن لنفسه كانت خيالية بنظرِهم.
يقول (بويس): “توقعنا أن تكبر التشققات في المعادن لا أن تتناقص، وأجرينا عددًا من المعادلات الأساسية لحساب زيادة التشققات واستبعدنا تمامًا فكرة إمكانية حدوث عملية شفاء”.
مؤسس النظرية يؤكّد هذا الاكتشاف غير المتوقع
بدأ (ميشيل ديموكويكز) العالِم في (معهد ماساشوستس) للعلوم في عام 2013 العمل على نظرية المعادن التقليدية كما نشرَ نظرية جديدة بالاعتماد على محاكاة الحاسوب.
إذ توصل بنظريته أنه عندما تتحقق شروط معينة ستتمكن المعادن من إغلاق التشققات الناتجة عن التآكل، واستطاع التأكد من صحة نظريته صدفة في مركز تكنولوجيا النانو المتكاملة وهو مركز يستخدم الطاقة لإشراكها في المرافق.
يقول (بويس): “لم نكن نبحثُ عن هذا الاكتشاف” إذ كان (خالد حتار) الأستاذ المساعد في جامعة (تينيسي نوكسفيل) و (كريس بار) الأستاذ العامل في قسم الطاقة النووية يعملان على إحدى التجارب في مختبرات سانديا ويستخدمان تقنية مجهر إلكترونات مطور لتكرار عمليات سحب نهايات المعادن ل 200 مرة في الثانية بهدف تقييم مدى انتشار الشقوق في قطعة من البلاتينيوم على مقياس النانو حين صادفا هذا الاكتشاف.
وبعد أربعين دقيقة من بدء التجربة بدأت تنقلبُ الأمور، واتبع المعدن الشقوق الموجودة به ليرأبها من نهايتها ماحياً كلّ أثرٍ لأيّ تلفٍ سابق. وحين تعرض المعدن ذاته للتلف ثانية ظهرت الشقوق في اتجاه مختلف عن اتجاه الرأب الذي شفي مما يعد اكتشافًا غير مسبوق كما قال (حاتار).
وشارك (بويس) ما اكتشفه مع (ديمكويكز) الذي عبر عن دهشته من سماع تجربة زميله، فأعاد التجربة مستعينًا بنموذج الحاسوب ليؤكّد أن الظاهرة التي اكتشفتها مختبرات سانديا هي ذاتها ما حاضر عنه منذ عدة سنوات.
وقد تبنّى مكتب علوم الطاقة والطاقات الأساسية وإدارة المجلس الوطني للطاقة النووية ومؤسسة العلوم الوطنية عملهم وتجاربهم.
ولا يزال هناك الكثير من الغموض الذي يكتنف عملية الاستشفاء تلك من ناحية إمكانية استخدامها كأداةٍ عمليةٍ في أمور التصنيع.
يقول (بويس): “لا بدّ أن يوضع هذا الاكتشاف تحت الدراسة المجهرية الدقيقة، لأنها طُبِّقت على ذرّاتٍ معدنية صغيرة في الفراغ ولا نعلم بعد إمكانية نجاح هذا في حالة المعادن التقليدية في الهواء”.
ومع ذلك يبقى هذا الاكتشاف قفزةً نوعيةً لحدود علم المادة.
يقول (ديمكويكز): “أتأمل أن يشجّع هذا الاكتشافُ باحثي المادة على التصديق بأنّ المواد تمتلك خصائصَ قادرة على القيامِ بأشياء لا نتخيلها أبدًا”.
- ترجمة: ريما إبراهيم
- تدقيق لغوي: غفران التميمي
- المصادر: 1