الذكاء الاصطناعي يبتكر جزيئًا متوهجًا جديدًا كان سيتطلب “500 مليون عام للتطور في الطبيعة”

تمكن نموذج ذكاء اصطناعي من ابتكار بروتين جديد يؤكد الباحثون أن تطوره طبيعيًا كان سيستغرق 500 مليون عام إن كانت الطبيعة قادرة أصلًا على إنتاج مثل هذا البروتين.
قام نموذج ذكاء اصطناعي بمحاكاة نصف مليار عام من التطور الجزيئي لإنشاء الشيفرة الخاصة ببروتين غير معروف سابقًا، وفقًا لدراسة حديثة. يتميز هذا البروتين المتوهج بخصائص مشابهة لتلك الموجودة في قناديل البحر والشعاب المرجانية، وقد يسهم في تطوير أدوية جديدة، بحسب الباحثين.

تعد البروتينات من اللبنات الأساسية للحياة، إذ تؤدي وظائف متنوعة في الجسم مثل بناء العضلات ومحاربة الأمراض. صنع البروتين المحاكى، الذي أطلق عليه اسم esmGFP، على شكل شيفرة حاسوبية فقط، لكنه يحتوي على المخطط الأساسي لنوع غير معروف سابقًا من البروتين الفلوري الأخضر. في الطبيعة تمنح البروتينات الفلورية الخضراء قناديل البحر والشعاب المرجانية توهجها المميز.

تتكون تسلسلات الأحرف التي تمثل تعليمات تصنيع esmGFP من 58٪ فقط من التسلسل المشابه لأقرب بروتين فلوري معروف، وهو نسخة معدلة بشريًا من بروتين موجود في شقائق البحر ذات الأطراف الفقاعية (Entacmaea quadricolor) وهي كائنات بحرية ملونة تبدو وكأنها تحتوي على فقاعات عند أطراف مجساتها. أما بقية التسلسل الجيني فهو فريد من نوعه، ويتطلب ما مجموعه 96 طفرة وراثية مختلفة للتطور. وفقًا للدراسة كان من الممكن أن تستغرق هذه التغيرات أكثر من 500 مليون عام لتحدث طبيعيًا.
كشف باحثون في شركة EvolutionaryScale عن esmGFP، ونموذج الذكاء الاصطناعي الذي استخدم لإنشائه ESM3، وذلك في دراسة أولية نشرت العام الماضي. وراجع علماء مستقلون الآن هذه النتائج، ونشروها في 16 يناير في مجلة Science.

لا يقوم ESM3 بتصميم البروتينات ضمن القيود التقليدية للتطور، بل يعمل كأداة لحل المشكلات من خلال سد الفجوات في الشيفرات البروتينية غير المكتملة التي يوفرها الباحثون. وبهذه الطريقة يصمم شيئًا يمكن أن يوجد نظريًا بناءً على جميع المسارات التطورية المحتملة.
“اكتشفنا أن ESM3 يتعلم أساسيات علم الأحياء، ويمكنه توليد بروتينات وظيفية خارج نطاق التطور المعروف”، وفقًا لما قاله أليكس ريفز، المؤلف المشارك للدراسة والمؤسس المشارك وكبير العلماء في EvolutionaryScale، لموقع Live Science عبر البريد الإلكتروني.
تستند الدراسة الجديدة إلى بحث بدأه ريفز وزملاؤه في Meta، الشركة الأم لـFacebook وInstagram، قبل أن يؤسسوا EvolutionaryScale في عام 2024. يُعد ESM3 أحدث إصدار من نموذج ذكاء صناعي مشابه لـGPT-4 من OpenAI، الذي يشغل ChatGPT، لكنه يعتمد على علم الأحياء.

تتكون البروتينات من سلاسل من الجزيئات تُعرف بالأحماض الأمينية، والتي تحدد الجينات تسلسلها. تختلف البروتينات فيما بينها من حيث تسلسل الأحماض الأمينية، كما تختلف في بنيتها، حيث يطوي كل بروتين نفسه في شكل فريد يسمح له بأداء وظيفته، وفقًا لـ Nature Education.
لكي يتمكن ESM3 من فهم البروتينات، زوده الباحثون ببيانات حول الخصائص الأساسية للبروتين، بما في ذلك تسلسل الأحماض الأمينية، والهيكل، والوظيفة، ومثلت هذه البيانات كسلسلة من الأحرف.

ودرب الفريق ESM3 باستخدام بيانات من 2.78 مليار بروتين موجود في الطبيعة. أخفى الباحثون بعد ذلك أجزاء عشوائية من المخطط الجيني للبروتين، وطلبوا من ESM3 ملء الفجوات وإكمال الشيفرة استنادًا إلى ما تعلمه. قال ريفز: “بنفس الطريقة التي يمكن لشخص أن يكمل الجملة الشهيرة ‘أن __ أو لا __، هذا هو __.، يمكننا تدريب نموذج لغوي على ملء الفراغات في تسلسل البروتينات”. وأضاف: “أظهرت أبحاثنا أنه من خلال حل هذه المهمة البسيطة، تظهر معلومات حول البنية العميقة لعلم أحياء البروتين داخل نموذج الذكاء الصناعي”.

يقوم العلماء بالفعل بتعديل البروتينات الطبيعية وتصميم بروتينات جديدة لأغراض متنوعة. على سبيل المثال تستخدم البروتينات الفلورية الخضراء على نطاق واسع في المختبرات البحثية، إذ تضاف شيفرتها الجينية غالبًا إلى نهايات تسلسلات DNA أخرى لجعل البروتينات التي تشفّرها مضيئة باللون الأخضر. يتيح ذلك للعلماء تتبع البروتينات والعمليات الخلوية بسهولة. وأشار ريفز إلى أن قدرات ESM3 يمكن أن تسرع مجموعة واسعة من التطبيقات في هندسة البروتينات، بما في ذلك المساعدة في تصميم أدوية جديدة.

قدمت تيفاني تايلور، عالمة الأحياء التطورية في جامعة باث بالمملكة المتحدة، تقريرًا عن النسخة الأولية من الدراسة لموقع Live Science في عام 2024، رغم أنها لم تشارك في البحث.
كتبت تايلور في تحليلها أن نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ESM3 قد تتيح ابتكارات في هندسة البروتينات لا يمكن للتطور تحقيقها. لكنها أشارت أيضًا إلى أن ادعاء الباحثين بمحاكاة 500 مليون عام من التطور يقتصر على البروتينات الفردية، دون مراعاة المراحل المختلفة للاصطفاء الطبيعي التي تؤدي إلى نشوء الحياة. وقالت تايلور: “هندسة البروتينات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثيرة للاهتمام، لكن لا يسعني ألا أشعر أننا ربما نبالغ في ثقتنا بقدرتنا على التفوق على العمليات المعقدة التي صقلها الاصطفاء الطبيعي على مدى ملايين السنين”.

  • ترجمة: رغداء محمود الطبجي
  • المصادر: 1