تموز كان حارًا جدًا وقد قدّر العلماء أنه بالفعل الشهر الأكثر حرارة في التاريخ
كان يوليو/تموز حاراً جدًا حتى الآن بحيث يظن العلماء أن هذا الشهر سيعتبر الأكثر حرارة على مستوى العالم في التاريخ، ومن المحتمل أن فيه أعلى ارتفاع في درجات الحرارة شهده البشر، على الرغم من وجود العديد من الأيام المتبقية لارتفاع الحرارة بها.
أعلنت منظمة الأرصاد العالمية وخدمة تغير المناخ في الاتحاد الأوروبي “كوبيرنكوس Copernicus” يوم الخميس أن حرارة يوليو/تموز تتجاوز الأرقام القياسية. وأشاروا إلى أن درجة حرارة الأرض قد تجاوزت مؤقتًا عتبة التدفئة الأساسية: الهدف العالمي المقبول دوليًا للحد من الاحتباس الحراري هو 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت).
تم تسجيل درجات الحرارة متزايدة بمقدار 1.5 درجة مئوية عن الفترة قبل الثورة الصناعية لمدة 16 يومًا هذا الشهر، ولكن اتفاقية باريس المناخية تهدف إلى الحفاظ على المتوسط العالمي لدرجات الحرارة على مدار 20 أو 30 عامًا عند 1.5 درجة مئوية. لقد حدثت بضعة أيام من التغلب المؤقت على هذا الحد من قبل، ولكن لم يحدث ذلك أبدًا في شهر يوليو/تموز.
شهد شهر يوليو ارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة، حيث ضربت موجات حر القارات الثلاث -أمريكا الشمالية، وأوروبا، وآسيا- بشدة، حتى أن الباحثين أكدوا أن الوصول إلى رقم قياسي كان أمراً لا مفر منه.
تظهر موجة حر تجتاح جنوب غرب الولايات المتحدة ولا تظهر علامات توقفها، مع امتدادها أيضًا إلى معظم الغرب الأوسط والشرق، مع وجود أكثر من 128 مليون أمريكي تحت تحذيرات حرارة يوم الخميس.
صرح مدير Copernicus كارلو بونتيمبو Carlo Buontempo لوكالة أسوشيتد برس: “ما لم يحدث عصر جليدي فجأة من لا شيء، فمن المؤكد تقريبًا أننا سنكسر الرقم القياسي لأعلى درجة حرارة في شهر يوليو/تموز المسجلة وأعلى شهر في التاريخ”.
العلماء يقولون أن مثل هذا الكسر في سجلات الحرارة هو نذير للتغيرات التي ستحدث في المستقبل بسبب ارتفاع حرارة الكوكب. هذه التغيرات تتجاوز مجرد موجات الحرارة المستمرة وتشمل الفيضانات المتكررة، واشتعال حرائق تدوم لفترة أطول، وحوادث الطقس المتطرفة التي تعرض العديد من الأشخاص للخطر.
مندوب الأمم المتحدة العام أنطونيو غوتيريش Antonio Guterres أشار إلى الحسابات، وحثَّ قادة العالم -ولا سيما الدول الغنية- على بذل المزيد من الجهود للحد من انبعاثات الغازات المحتجزة للحرارة. على الرغم من سنوات من المفاوضات المناخية الدولية والتعهدات العالية من العديد من الدول والشركات، فإن انبعاثات الغازات الدفيئة لا يزال يتزايد.
قال غوتيريش للصحفيين في مقابلة لصحفية بنيويورك: “تغير المناخ هنا مرعب. وهذه ليست إلا بداية، انتهت حقبة الاحتباس الحراري؛ حقبة الغليان العالمي قد حلت”.
بونتيمبو وعلماء آخرين قالوا إن هذه السجلات هي نتيجة لتغير المناخ الناجم عن النشاط البشري مع تعزيزه بتأثير التبريد الطبيعي المعروف بالنينيو المرتفع لأجزاء من المحيط الهادئ الوسطى، والذي يؤثر على الطقس في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك قال بونتيمبو: “إن تسخين مياه المحيط الأطلسي لم يكن أقل من ذلك -على الرغم من بعده عن ظاهرة النينيو- بحيث تكمن أسباب أخرى أيضًا.”.
وعلى الرغم من توقع العلماء منذ فترة طويلة استمرار ارتفاع درجة حرارة العالم وحدوث طقس متطرف، إلا أنه صرح بأنه تفاجأ بارتفاع درجات حرارة المحيط وفقدان الجليد البحري المروع في أنتاركتيكا.
صرح بونتيمبو: “يبدو أن المناخ يكون مجنونًا في بعض الأحيان”.
إن Copernicus حسبت أن متوسط درجة حرارة الأرض خلال الأيام ال 23 الأولى من يوليو/تموز كانت 16.95 درجة مئوية (62.5 درجة فهرنهايت). هذا يعني أنها ازدات (تقريباً 0.6 درجة فهرنهايت) أعلى من الرقم القياسي السابق لأعلى شهر حراري وهو يوليو/تموز 2019.
عادةً ما تتم كسر الأرقام القياسية بمئات الجزء من درجة مئوية، ربما بعشر الدرجة على الأكثر، كما أوضح مدير فريق تحليل المناخ في إدارة الأمانة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة راسل فوس Russell Vose.
عادةً ما لا تُحسب السجلات إلا بعد أسبوع أو أكثر من نهاية الشهر. ولكن قال فوس -الذي لم يكن جزءًا من البحث- وشريكه في تسجيل السجلات في وكالة الفضاء الأمريكية جافن شميت Gavin Schmidt، وستة علماء آخرين خارجيين إن حسابات كوبيرنيكوس منطقية.
فريق بونتمبو وجد أن أول 21 من 23 يومًا في شهر يوليو كانت أكثر حرارة من أي أيام سابقة في قاعدة البيانات.
قال بونتيمبو: “لقد كانت الأسابيع القليلة الماضية رائعة، وغير مسبوقة في سجلنا” بناءً على البيانات التي تعود إلى الأربعينيات.
توصل كل من فريق WMO-Copernicus وعالم ألماني مستقل أصدر بياناته في نفس الوقت إلى هذه الاستنتاجات من خلال تحليل التنبؤات والملاحظات الحية، والسجلات السابقة، والمحاكاة الحاسوبية.
أجرى كارستن هاوستين Karsten Haustein من جامعة لايبزيغ حساباته الخاصة -منفصلاً عن كوبرنيكوس- باستخدام التوقعات التي تظهر في أحسن الأحوال أن الاحترار قد يضعف قليلاً في نهاية الشهر، وتوصل إلى استنتاج مفاده أن يوليو 2023 سيجتاز الرقم القياسي القديم بمقدار 0.2 درجة مئوية (0.36 درجة فهرنهايت).
قال هاوستين في مؤتمر صحفي خاص به: “إنه أبعد من كل ما نراه، نحن في منطقة قياسية جديدة تمامًا”.
قال هاوستين: “على الرغم من أن السجلات تعود فقط إلى منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنه يحسب أن هذا الشهر هو الأكثر سخونة منذ حوالي 120000 عامًا.”.
وهذا ما قال بونتيمبو أنه منطقي. فقد أجرى علماء آخرون حسابات مماثلة أيضًا.
وقالت عالمة المناخ بجامعة ويسكونسن وماديسون أندريا داتون Andrea Dutton في رسالة بالبريد الإلكتروني: “السبب في أن تسجيل سجلات جديدة لدرجات الحرارة يمثل مشكلة كبيرة هو أننا نواجه الآن تحديًا لإيجاد طرق للبقاء على قيد الحياة خلال درجات حرارة أعلى مما شهده أي منا من قبل، إن درجات الحرارة المرتفعة تضع ضغوطًا متزايدة باستمرار ليس فقط على شبكات الكهرباء والبنية التحتية، ولكن على الأجسام البشرية غير المجهزة للنجاة من بعض الحرارة الشديدة التي نشهدها بالفعل”.
قال عالم المناخ في إمبريال كوليدج بلندن فريدريك أوتو Friederike Otto إنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون شهر يوليو الأكثر سخونة على الإطلاق قد تسبب في موجات حر مميتة في الولايات المتحدة، والمكسيك، والصين، وجنوب أوروبا، وحرائق الغابات المسببة للدخان والفيضانات الغزيرة في جميع أنحاء العالم.
وأضاف أوتو إن متوسط درجة الحرارة التي يتم قياسها يشبه «درجة حرارة الحمى التي نقيسها لكوكبنا».
قالت عالمة المناخ في تكساس تكنولوجي كاثرين هايهو Katharine Hayhoe: “نحن في منطقة مجهولة بقدر ما يتعلق الأمر بالبشر على هذا الكوكب؛ لذا فإن سجلاتنا تتراجع بوتيرة متزايدة وهذا بالضبط ما نتوقعه -وما كنا نتوقعه- سيحدث”.
في منتصف بعض اسوأ درجات الحرارة، حيث سجلت فينيكس الآن رقماً قياسياً في 27 يومًا متتاليًا وعددها 110 درجات أو درجات حرارة أعلى، قالت عالمة المناخ بجامعة أريزونا كاثرين جاكوبس Katharine Jacobs أن السجلات تعطي البشرية رسالة حول تقليل انبعاثات غازات الاحتجاز الحراري من حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي.
قال جاكوبس Jacobs في رسالة بالبريد الإلكتروني: “مثل هذه الأحداث، هي علامات على طول طريق سريع لا نريده، حان الوقت للتوقف عن ممارسة الألعاب السياسية والجدية من أجل حماية أنفسنا والأجيال القادمة”.
- ترجمة: إلهام مخلوف
- تدقيق لغوي: سفوك حجي
- المصادر: 1