كيف حَلَ المراهقين مشكلة «تشارلز داروين» الأكثر إرباكًا عن طريق الصُدفة
في عام 1965 كانت فتاة في سن المراهقة تدعى «تينا نيجوس» تقضي إجازة الصيف في غابة تشارن في المملكة المتحدة مع عائلتها، عندما لاحظت بصمة غريبة على وجه صخرة متدلية بدت كَنبّات السرخس. ولكن كمكتشفة يانعة في علم الجيولوجيا، عرفت نيجوس أن هذه الصخور التي يبلغ عمرها 600 مليون سنة قديمة جدًا لتحتضن مثل هذا النوع من النبات. ووفقًا للسجل الأحفوري، فإن أول أنواع النباتات المركبة لن تظهر على الاقل لمدة 60 مليون سنة أُخرى، عقب الحدث المعروف بانفجار الكامبري ويطلق عليها أَحيانًا الانفجار البيولوجي الكبير، فقد كان الارتفاع المفاجئ في التنوع البيولوجي هو المعضلة الأكثر إرباكًا لنظرية التطور لتشارلز داروين.
وفي كتابه الشهير «أصل الأنواع» لم يتمكن داروين من ايجاد إجابة مقنعة لسؤالين مُلحّين: من أَين أَتى كل هذا التنوع في الحياة فجأة؟ وكيف تطور بسرعة؟
عندما عادت نيجوس إلى المدرسة، عرضت على معلم الجغرافيا الخاص بها تدريعًا بقلم رصاص لاكتشافها “نبات السرخس” لكنه لم يصدقها.
في العام التالي (1957) كان ثلاثة فتيان مراهقين يلعبون بالقرب من نفس الصخرة عندما لاحظوا هُم أَيضًا الأحفورة نفسها. فأخذ أحد هؤلاء المراهقين -وهو روجر ماسون البالغ من العمر خمسة عشر عامًا- تدريعًا بقلم رصاص حتى يتمكن والده من إعطاء التصميم إلى محاضر جامعي مَحلّي.
استغرق الجيولوجي تريفور فورد بعض الوقت للاقتناع، ولكن بعد رؤية الاحفورة بأم عينه، أكّدَ أن هذه فعلًا كانت احفورة نباتية من عصر ما قبل الكامبري، والتي ربما عاشت مرة واحدة في قاع البحر. وأطلق على شكل الحياة الانبوبي مسمى “تشارنيا ماسوني” تيمنًا باسم ماسون.
بفضل اكتشاف تشارنيا، بالإضافة إلى تحسين تقنيات التأريخ، تمكّن علماء المحفورات في جميع أنحاء العالم أخيرًا من النظر إلى الأحافير القديمة بأَعيُن جديدة. تبين أَن أشكال الحياة التي كانت من المفترض أَن تعيش في الكامبري أصبحت في الواقع أقدم بكثير.
بعد بضعة أشهر نشر فورد اكتشافاته، على سبيل المثال، نشر العلماء في أستراليا اكتشافًا آخر لسغفة تشارنيا أُخرى في وقت لاحق، تم العثور على تشارينا ما قبل الكامبري أَيضاً في روسيا وكندا. من الواضح أَن «الاحفورة تشارن وود» لم تكن صدفة، بل كانت دليلًا على الحياة المعقدة قبل انفجار الكامبري، وكان كل من داروين وخلفاؤه يبحثون عنه.
بينما كان الاكتشاف يسبب ضجة في المجتمع العلمي، لم تكن نيجوس على علم بالتأثير الذي أحدثته احفورة السرخس. فقط في عام 1961 عرفت أخيرًا ما حدث لاحفورياتها ومدى تأثيرها.
في عام 2004 شاهدت مقابلة مع روجر ماسون حيث تحدث عن قصة اكتشاف الاحفورة. عندما تواصلت معه، رد على الفور. في عام 2007 تمت دعوة نيجوس للاحتفال بالذكرى الخمسين لتحديد هوية النبات، حيث تم ادراجها أخيرًا كمكتشفة مشاركة.
مثل نيجوس تبين أن العديد من الأشخاص الآخرين قد لاحظوا بقايا احفورات مماثلة في الماضي، إلا أنها لم تلقَ اهتمامًا من قِبل المؤسسة العلمية. في عام 1848 على سبيل المثال، حدد بعض علماء الطبيعة بالفعل المحفورات في غابة شارن وعرّفوها على إنها أشكال حياة مُحتملة في عصر ما قبل الكامبري. وهذا يعني أن الإجابة على معضلة داروين كانت موجودة قبل أن يعبّر صراحة عن حيرته في عام 1859. واليوم اكتشف العلماء مجموعة متنوعة من أشكال الحياة فيما قبل العصر الكامبري في إنجلترا وأستراليا وأمريكا الشمالية وجرينلاند وجنوب أفريقيا وأجزاء من آسيا وروسيا. ومن الواضح أن النباتات المُعقدة أزهرت قبل انفجار العصر الكامبري، وحتى الآن لا يزال غير معروف لماذا انفجر التنوع فجأة قبل أكثر من 500 مليون سنة. وللمضي قدمًا، قد يكون من الحكمة النظر في الاكتشافات الجديدة من العصر ما قبل الكامبري والكامبري بعقل منفتح. ومن الواضح أن أَعيُن الأطفال البريئة يمكنها أحيانًا أن ترى إمكانيات يعجز عنها حتى أكثر العلماء تعلمًا.
- ترجمة: احلام العبسي
- تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
- المصادر: 1