اتضح بعد كل هذا الوقت، أَن أينشتاين لم يكن “العبقري الوحيد”

لم يكن بمقدور أكثر العقول روعة في العالم، على تحقيق ما أنجزه أينشتاين دون مساعدة الآخرين المهمة.

في تاريخ العلم، ربما لم يكن هناك نظرية ثورية على الفور والمدى الطويل بقدر نظرية النسبية العامة لأينشتاين.

من أجل دمج الجاذبية في نظرية النسبية، كانت بحاجةٍ إلى مجموعةٍ جديدةٍ كاملة من التعديلات، ولم يكن أينشتاين قادرا على صنعها لوحده.

بدلا من ذلك، وضع أساس النظرية النهائي من خلال مشاركة الأفكار مع بقية مجتمع الفيزياء، علم الفلك والرياضيات.

ربما أكبر أسطورة في كل العلوم هي أسطورة العبقري الوحيد.

شخص ما، في مكانٍ ما، يتمتع بذكاءٍ خارق، ولكن بدون تدريب رسمي في مجال ما يخوضه، ويمكنه على الفور رؤية أشياء لم يرها أحد من قبل.

مع القليل من العمل الشاق، يجدون حلولا للألغاز التي أحبطت أعظم العقول من قبلهم، وربما بقليلٍ من الحظ الجيد يخوضون غمار مجال كهذا، بإمكانهم تحقيق تلك الاكتشافات العظيمة التي فاتت أعظم العلماء في العالم.

هذه الأسطورة التي كثيرا ما نقولها لأنفسنا عن أينشتاين، أنه منبوذ ومتسرب من المدرسة. علّم نفسه كلّ ما يحتاج معرفته بمفرده، وأحدث ثورة في مجال الفيزياء بعدة طرق.

أعطانا ببداية عمله فكرة عن التأثير الكهروضوئي، النسبية الخاصة وقانون النسبية الخاصة: الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء من بين تطورات أخرى.

في وقتٍ لاحق، أعطانا عمله وحده النسبية العامة -يمكن القول جدلا أنها أعظم إنجازاته -كل ذلك بمفرده-.

سحب أينشتاين بمفرده الفيزياء من الركود النيوتوني إلى القرن العشرين، والآن القرن الواحد والعشرين، إليكم السبب في أن هذا لا يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة.

نعم، هذا صحيح، نشّر أينشتاين في عام 1905 سلسلة من الأوراق التي من شأنها أن تحدث ثورة في عددٍ من مجالات الفيزياء.

نسمي ذلك العام بعام “المعجزة” بسبب تلك المنشورات. لكن بالكاد يمكن القول إن هذه التطورات الكبيرة حصلت من العدم، أو أن أينشتاين كان بطريقةٍ ما دخيلا على مجال الفيزياء.

على العكس تماما، أينشتاين نفسه على الرغم من أنه ألماني المولد، انتقل إلى سويسرا خصيصا لدراسة الفيزياء والرياضيات في سن السابعة عشر، وإلتحق ببرنامج دبلوم تدريس الرياضيات والفيزياء في زيورخ، حيث تخرج عام 1900.

قد لا يبدو هذا مثيرا للإعجاب، لكن اليوم تعرف تلك الجامعة باسم ETH Zürich و22 شخص من الحائزين على جائزة نوبل درسوا في تلك الجامعة.

صحيح أنه ذهب للعمل في مكتب براءات الاختراع السويسري، لكنه واصل دراسته في زيورخ في الوقت نفسه.

اضافة لذلك، كان صديقه وزميله في الدراسة (مارسيل غروسمان) الذي حصل وظيفته بسبب علاقة والده مع غروسمان، لم يكن غروسمان بحاجة إليها بعد أن حصل على منصبٍ تعليمي لتمويل تعليمه العالي.

بالاضافة إلى ذلك -كان هنالك سلسلة من الأدلة المعروفة لعقود في تلك المرحلة- لتتجاوز الأفكار التي أمل نيوتن في تفسيرها.

لكن الألغاز ظهرت للملأ وكانت معروفة في تلك العقود القليلة الأخيرة من أواخر القرن الثامن عشر.

تم اكتشاف النشاط الإشعاعي، وعرف أن الوقت الذي تتحلل فيه أي ذرة عشوائي.

بالاضافة إلى ذلك، تم تجاهل قانون حفظ الكتلة لبعض الاضمحلالات الإشعاعية، حيث فقدت الكتلة بالفعل أثناء اضمحلال بيتا، وكان من المعروف أن الأجسام لا تطيع قوانين نيوتن للحركة عندما تقترب من سرعة الضوء.

تم بالفعل اكتشاف ووصف تمدد الوقت وتقلص الطول، تم تحديد النتائج الصفرية لتجربة ميكلسون مورلي بقوة.

ربما الأهم من ذلك، عندما تم حساب مدى دوران مدار عطارد بالتفصيل –مع الأخذ في الاعتبار جاذبية الكواكب والأقمار وكذلك التغير الدوري في الاعتدالات الأرضية– لم يصل إلى مستوى الملاحظات بمقدار ضئيل ولكنه رقم كبير: 43 ثانية قوسية في كل قرن.

نعم، حقق أينشتاين في عام 1905 نجاحا كبيرا بسلسلة أوراقه المنشورة.

لكن الأمر ليس كما لو أنه لم يكن يعمل ويدرس بشكل مستمر منذ تخرجه.

تألّف عمله في مكتب براءات الاختراع إلى حدٍ كبير من فحص الأجهزة الكهربائية والكهروميكانيكية، بما في ذلك نقل الإشارات الكهربائية وأجهزة التزامن.

درس الفيزياء بشكلٍ مستقل مع مجموعة من أصدقاء الفيزياء والرياضيات، بما في ذلك أعمال إرنست ماخ وهنري بوانكاريه. وحصل بسبب دراسته على درجة الدكتوراه من جامعة زيورخ عن أطروحته تحديد جديد للأبعاد الجزيئية مع البروفيسور ألفريد كلاينر.

إنجازات أينشتاين عام 1905:

  1. اكتشاف الحركة البراونية.
  2. اشتقاق المعادلة E = mc2 وتكافؤ الكتلة والطاقة.
  3. اكتشاف التأثير الكهروضوئي.
  4. اشتقاق النسبية الخاصة.

ولكن ماذا عن النسبية العامة؟

وفقا للقصص الأسطورية التي ربما تكون قد سمعتها عنه، كان لديه ببساطةٍ ما أشار إليه على أنها “أسعد أفكاره” حوالي عام 1907 أو نحو ذلك.

ماذا كانت “أسعد فكرة” إذا؟

كانت الأخذ بعين الاعتبار الفرق الذي سيكون بين مراقب محبوس في غرفةٍ بلا نوافذٍ على سطح الأرض، واختبار قوة الجاذبية التي تسحب كل شيء للأسفل نحو مركز الأرض. ومراقب محبوس في غرفة متسارعة بشكلٍ موحد في فراغ الفضاء.

بالنسبة للمراقب في الداخل، استنتج أينشتاين أنه لا توجد طريقة لمعرفة الفرق بين السيناريوهين.

كل شيء في الداخل سوف يتسارع “لأسفل” عند 9.8 م / ث 2.

ستدفع الأرضية “لأعلى” بقوة طبيعية مستعادة لموازنة السحب الهبوطي حتى الضوء، إذا أشرق من أحد طرفي الغرفة إلى الطرف الآخر، فسوف ينتقل في مسار منحني كما يمليه إما التسارع أو الجاذبية.

يعرف اليوم باسم مبدأ تكافؤ أينشتاين. وقد قدم الرابط المفهوم بين الحركة الذي وصفته نظريته (التي تم تطويرها في وقت سابق في عام 1905) للنسبية الخاصة والجاذبية التي كانت حتى تلك النقطة ظاهرة نيوتنية بحتة.

حتى مع هذا، لم يكن أينشتاين يعمل في الفراغ على الإطلاق.

أصبح أستاذ أينشتاين السابق خلال أيام دراسته الجامعية -هيرمان مينكوفسكي- مفتونا بالنسبية الخاصة. وصدم من أن نفسه أينشتاين الذي علمه، قد طورها.

كتب مينكوفسكي: “بالنسبة لي كانت مفاجأة هائلة; لأن أينشتاين في أيام دراسته كان كسولا حقيقيا، لم يهتم بالرياضيات على الإطلاق”.

لكن بعد ذلك كان مينكوفسكي هو الذي طوّر فكرة الزمكان بناء على عمل أينشتاين.

من خلال وضع المكان والزمان على نفس الأساس الرياضي، مهد الطريق للتطور الرياضي للنسبية العامة.

من حيث المفهوم، ربما سبقت “أسعد فكرة” لأينشتاين بعض الأعمال الرائعة لهنري بوانكاريه.

أدرك بوانكاريه أن مدار عطارد لا يتطلب فقط تصحيحات لاعتدالات الأرض السابقة وتأثير الجاذبية للأجسام الأخرى في النظام الشمسي، ولكنه أيضا باعتباره أسرع كوكب. لا يمكن إهمال سرعة عطارد فيما يتعلق بسرعة الضوء.

مع ظهور النسبية الخاصة، أدرك أن عطارد سيختبر تمددا بالوقت، وأنه سيكون هناك تقلص في الطور باتجاه حركته حول الشمس.

عندما طبّق النسبية الخاصة على مدار عطارد، وجد أنه يمكن أن يمثل حوالي ~ 20% من السبق الإضافي المرصود فقط عن طريق إضافة هذا التأثير الواحد.

كيف إذا سيكون من الممكن بناء نظرية فيزيائية تجمع بين الجاذبية وهذا المفهوم الجديد للزمكان، تفسر تقدم مدار عطارد وتدمج النسبية الخاصة ولا تزال قادرة على إعادة إنتاج كل القرون السابقة من النجاح الذي حققته الجاذبية النيوتونية؟

لم تكن فكرة أينشتاين على الإطلاق، بل فكرة صديقه وزميله السابق مارسيل غروسمان.

بينما كان لدى أينشتاين فكرة مبدأ التكافؤ، كان لدى غروسمان فكرة وصف الكون بهندسة غير إقليدية كنسيج الزمكان.

بعد كل شيء، كان هذا هو تخصص غروسمان: الهندسة الريمانية. حيث لا يظل خطان متوازيان بالضرورة متوازيين دائما، ولكن يمكن أن يتقاربا ويلتقيا أو يتباعدان ويتباعدان، كما تمليه الهندسة الأساسية.

كانت الهندسة التفاضلية وحساب التفاضل والتكامل الموتر، هي بالضبط اللغة المطلوبة لوصف الكون الذي كان أينشتاين يحاول تصويره. وكان غروسمان هو الذي وضع كل ذلك معا.

كانت ورقة الخطوط العريضة لنظرية النسبية المعممة ونظرية الجاذبية، الأولى من ورقتين أساسيتين من شأنهما تأسيس النسبية العامة كنظرية للجاذبية.

لكن حتى هذا التخصص لم يكن فريدا بالنسبة لغروسمان، ومن خلاله تم تقديم حساب التفاضل المطلق كحقلٍ من قبل إلوين كريستوفيل في عام 1869.

ولم يتم إكماله إلّا مؤخرا في ذلك الوقت من قبل غريغوريو ريتشي وتوليو ليفي سيفيتا في عام 1900.

(ستكون هذه الأسماء الأخيرة مألوفة لأي شخص درس النسبية العامة).

كان هناك العديد من علماء الرياضيات الذين يدرسون هذا المجال بالضبط في ذلك الوقت. أحدهم الأسطوري ديفيد هيلبرت، كاد يصل إلى المعادلات التي تصف الجاذبية في الكون قبل أينشتاين.

في كل نظرية فيزيائية حيث لديك حركة ميكانيكية، هناك شيء يمكنك تحديده.

-الفعل- يجب تقليله من أجل معرفة مسار هذا الجسم.

في الميكانيكا النيوتونية كان مبدأ هاملتون في أقل عمل هو الذي أدى إلى معادلات الحركة، أما في سياق النظرية العامة للنسبية يجب اكتشاف مبدأ عمل جديد.

تمت صياغة مبدأ هذا العمل بشكلٍ مستقل من قبل كل من أينشتاين وهيلبرت في نفس الوقت تقريبا، ويعرف اليوم باسم عمل أينشتاين-هيلبرت.

إن مبدأ العمل هذا عند تطبيقه بشكلٍ صحيح على فيزياء النظام، هو الذي يؤدي إلى معادلات حقل أينشتاين الحديثة.

لا شيء من هذا يقلل من عبقرية أينشتاين، ولا ينتزع منه الفضل في الابتكارات التي حققها بنفسه.

بدلوا من ذلك، تهدف هذه القصص إلى توفير سياق أفضل لكيفية إحراز هذه التطورات العظيمة.

لم يكن أينشتاين -كما تقول الرواية الشائعة في كثير من الأحيان- عبقريا وحيدا، كان يعمل خارج الحدود الصارمة للأوساط الأكاديمية، وكان قادرا على إحداث ثورة في المجال على وجه التحديد; لأنه كان دخيلا وغير مقيد بالتعاليم العقائدية والمقيدة في عصره.

بدلا من ذلك، كان السبب على وجه التحديد أن أينشتاين لديه التعليم والخلفية التي قام بها، كما أنه كان قادرا على التعامل مع هذا التنوع من المشاكل بطريقة متسقة ذاتيا وغير متناقضة، بسبب أصدقائه والمتعاونين معه، تعرض لأفكار ساعدته على التقدم بدلا من الركود. وبسبب استعداده وحتى حرصه على الاعتماد على مدخلات وخبرات الآخرين، والاستلهام منها ودمجها في عمله الخاص، تمكنت أفكاره الممتازة التي كان الكثير منها عميقا ولكنها كانت مجرد بذور من أن تنبت في الإنجازات الشاهقة التي نفكر فيها اليوم.

كتبت في العام الماضي مقالا بعنوان: “ماذا لو لم يكن أينشتاين موجودا أبدا؟”.

في النهاية، قارنت بين سرد العبقري الوحيد والمحاولات التي بذلت لحل العديد من المشاكل العالقة في عصره من قبل علماء آخرين أقل شهرة، ووجدت أن معظم التطورات كانت لتحدث حتى بدون الشخص الذي حقق الانجاز الرئيسي.

وضع كل من جورج لوميتر وهوارد روبرتسون الكون المتوسع بشكلٍ مستقل عن إدوين هابل.

عمل سين-إيتيرو توموناغا على الديناميكا الكهربائية الكمومية بشكلٍ مستقل عن كل من جوليان شفينجر وريتشارد فاينمان.

نشر كل من روبرت بروت وأليكسي ستاروبينسكي أوراقوا ذات إدراكات رئيسية تتعلق بما نعرفه الآن بالتضخم الكوني قبل ورقة آلان غوث الثورية بوقتٍ طويل.

كيف كان سيكون العالم بدون أينشتاين؟ هل كان من الممكن أن يكون لدينا النسبية العامة؟

أعتقد أن الجواب بلا شك: هو نعم.

حتى في ذلك الوقت كثيرون كانوا قريبين منه. وبدون الاستماع إلى مدخلات العقول ذات المستوى العالمي من حوله، لم يكن أينشتاين ليقترب من النجاحات أو التأثير الذي أحدثه.

على الرغم من أن ثقافتنا تحب المقاطع الصوتية، وربما يكون أشهرها من أينشتاين: “الخيال أكثر أهمية من المعرفة”.

فإن هذه الأنواع من التقدم تتطلب كليهما تماما.

بغض النظر عن نسبة “الإلهام” إلى “الجهد” المطلوبة، ببساطة لا توجد طريقة للتغلب على الحاجة، إذا كنت ترغب في إحراز تقدم ذي مغزى للخبرة والعمل الجاد.

  • ترجمة: رند طه
  • تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1