إن ما يكفي هو كل ما تحتاجه هكذا تقول الفلسفة السويدية

فكرة أن الرغبة البشرية غير قابلة للاشباع وأن الشهوة تؤدي الى المأساة ليست حكمة جديدة، بل تمتلك جذورًا هندوسية وبوذية ويونانية، وتشكل أيضًا حجر الأساس للكثير من الأديان.

تعد فلسفة Lagom التطور السويدي الحديث لفكرة قديمة. تعني كلمة لاهغوم “فقط ما يكفي” وهي تتضمن إيجاد المتعة في الاشباع.

يمكن شرح قصة) القاعدة المعتدلة) goldilocks على أنها تفسير لفلسفة لاهغوم.

تسير الليلة على ما يرام. الجميع يضحك وطاقة السعادة منتشرة في الجو. يتم تجاذب اطراف الحديث بكل سلاسة، وأنت سكران بشكلٍ مرح ومريح. يقوم جوش بالقدوم حاملًا طبقًا يحوي شيئًا ما. تدرك ماهو هذا الشيء وتتمنى لو لم يكن كذلك.

يصرخ جوش “حان الوقت لجرعات الكحول الصغيرة”. تشعر بالتردد إزاء ذلك، وترى بأن الآخرين ليسوا متحمسين أيضًا، ولكنك لا تريد أن تخرّب هذه الجلسة الممتعة. يلي ذلك سعلة وتكشيرة، ثم تنقلب الليلة رأسًا على عقب. تبدأ بالشعور بالمرض، وتشعر وكأن الغرفة تدور من حولك، وخلال دقائق يصبح الجميع سكارى لدرجة أنهم غير قادرين على التحدث.

تحدث نقطة تحول حيث يصبح الوضع مفرطاً. في حال لم تكن شخصاً ودياً ومعتاداً على شرب الكحول، يمكن استبدال المثال السابق الافتتاحي بشيءٍ آخر. مثلًا قطعة البيتزا الأخيرة عند نهاية الوجبة والتي تستطيع أن تحوّلك من حالة “ممتلئ بشكل مريح” الى حالة تقزّز، أو مثلا عندما يتحول الغناء مع أغاني السيارة من متعة كبيرة إلى مهمة مؤلمة للحنجرة، أو عندما تكون مستمتعا بمشاهدة فيلم من إخراج تارانتينو ولكنك تكتشف بأنه ما يزال هنالك ساعتان حتى انتهائه. أي فائض يصبح مسبّباً للبؤس، حتى الأشياء الجيدة في الحياة.

حقيقة أن البشر يملكون عطش غير قابل للارضاء وشهية غير قابلة للاشباع هي ليست حكمة حديثة. نستطيع رؤيتها في النصوص الأولى للكتاب المقدس “الفيداس” في اليونان القديم وحتى في أغلب الأديان الحديثة اليوم (وبشكل واضح في البوذية، الهندوسية واليونانية). وأما بما يخص الفكرة السويدية lagom (تلفظ لاهغوم)، فقد تم اعطاؤها معنى جديدًا كليًا. فهي فكرة من الممكن أن تغيّر طريقة رؤيتك للحياة من حولك.

المقدار المناسب فقط:

تترجم كلمة لاهغوم إلى “المقدار المناسب فقط”، وهي تعني معرفة متى يصبح الأمر كافيًا. ومحاولة إيجاد الاعتدال والتوازن بدلًا من التطلّع للمزيد بصورة دائمةلاهغوم.

هو إحساس الرضا الذي يجتاحنا عندما نملك كل ما نحتاجه لنكون مرتاحين. فهي ليست تفاخر مليونير بيوم في فيغاس، ولا ليلة باردة شتائية يعيشها فقير. بل تعني أن تملك سقفًا فوق رأسك، طعامًا يملأ معدتك، أصدقاء يدعمونك وأموالًا في جيبك (فقط ما يكفي من الاموال).

يمكن الوصول إلى لاهغوم عبر طريقين. الأول وهو شكل من الإدراك الاجتماعي بأن ما نقوم به يؤثر على الآخرين. في هذا الطريق، يمكن النظر إلى لاهغوم على أنها شكل من سياسة الاستخدام العادل. إذا أخذت ثلاث قطع حلوى من الصحن فأنت بذلك تمنع شخصين من أكل الحلوى. إذا اكتنزت وأخذت كل ما تستطيع أخذه، وإذا شققت طريقك بالتدافع نحو الأمام وأنت تطلق الشتائم، ففي أفضل الأحوال ستكون نوعًا ما حقيرًا. أما في أسوءها، ستسبب الدمار للآخرين.

وأما الطريق الثاني فهو تحوّل عقلي يجد المتعة في الإشباع. الكثير منّا قد اقتنع بفكرة أنه كلما كبر الشيء كلما كان أفضل، وبأن الرصيد البنكي يعني حالة اجتماعية ممتازة، وأن الإفراط يؤدي للسعادة. بينما لاهغوم هي الاستمتاع بالمقدار المناسب فقط. هي لا تعني ببساطة تعلم الاستمتاع بالأمور البسيطة، بل أيضًا تقدير أنه أحيانًا (الأقل) يعني حقًا الكثير.

لاهغوم هو معرفة أن الاستمتاع باللحظة وبما تملكه لا يعني بأنه من الضروري إضافة المزيد لها. في النهاية، الحديث مع صديق مع فنجان قهوة هو أمر ممتع، بينما الاجتماع مع عشرة أصدقاء بعد عشرة فناجين قهوة لا يجعل الأمور أفضل. إن لاهغوم هو قبول هذه الحقائق والاندماج معها.

تطبيق فسلفة لاهغوم في الحياة:

اذاً كيف نستطيع أن نطبق مبدأ فلسفة لاهغوم السويدية في حياتنا؟

ان أعظم شيء حول تلك الفلسفة، على العكس من الكثير من النصوص القديمة والمواعظ الدينية، يكمن في امتلاكها لقيمة حقيقية عملية. يمكن لأيّ كان أن يطبق هذه الفلسفة مهما كان نوع الحياة التي يعيشها. وها هنا بعض الأمثلة للانطلاق منها:

التوازن بين العمل والحياة:

من السهل ان نركّز على جزء واحد فقط من الحياة: العمل/ الحب/ العائلة/ الصحة/ اللّهو….. لدرجة أن نهمل باقي الأجزاء أو نطوّرها بشكلٍ غير فعّال. يمكن أن يكون قضاء شهرٍ كامل من التجوال وتقوية العلاقة مع اخيك وقتًا عائليًا رائعًا، ولكن على الأرجح رئيسك بالعمل لن يفرح بهذا الأمر. يميل السويديين لأن يمتلكوا إحساسًا أكبر بالتوازن. غالبًا هم يسمحون لاستراحات كريمة ومعتادة لأن تتخلل أيام عملهم، ويخرجون عندما يبقون في المنزل لفترة طويلة، وهكذا دواليك. عجلة الإشباع هي طريقة لقياس التوازن في مختلف مجالات الحياة. أما حالة لاهغوم فهي أن تكون متّزنًا وأن تجد المتعة في ذلك.

التمرّن:

لقد صاغ مجال اللياقة البدنية قصة ذكية في لاوعينا الجمعي. تلك القصة تقول بأن 50 دولار شهريًا كاشتراك للنادي، أحذية جديدة ولمّاعة، ومدرّب شخصي مدمّر لحسابك البنكي يصيح عليك لتقفز وتتأرجح على الحبال هي الطريقة الأفضل -والوحيدة- لتصبح لائقًا جسديًا.

أما طريقة لاهغوم فهي عبر إدراك أن المشي يكفي. إن مدرّبًا عاديًا وتيشرت ب5 دولار كافيين لممارسة الركض عند معظم الناس. الرقص الشرقي، تمرين النجم القافز، زومبا على اليوتيوب والبستنة تعد كلها طرق معتبرة للتمرّن.

البقاء في المنزل هو الشكل الجديد من الخروج:

أنا متأكد بأن طفولتك ممتلئة بذكريات رائعة بالعطل والخروجات المذهلة، ولكن احتمال كبير أن أعمق ذكرياتك وأقربها لقلبك كانت تلك التي قضيتها ببساطة في المنزل. أنت غير مجبر على انفاق الكثير من المال أو السفر لعدة ساعات لكي تستمع. إن وجبة رخيصة مطبوخة، بيجاما قديمة وفيلم سيء (بدون أن تتعرض للنقد لمشاهدته) هي أمور كافية للاستمتاع بوقتك.

يوجد العديد من الطرق الأخرى تستطيع عبرها أن تطبق مبدأ لاهغوم، انطلاقًا من كم مرة نرى اصدقائنا، وانتهاءً بكم نشتري لنعيش باستدامة. ولكن أكثر عنصر أساسي لمبدأ لاهغوم هو بكل بساطة الراحة والاسترخاء عندما نشعر بالحاجة لذلك.

إن المتع البسيطة لا تعني أُناساً بسيطين.

  • ترجمة: كريم عبد الرحمن
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1