الكيمياء الحديثة قمامة بالمعنى الحرفي
تحث ورقة جديدة مجتمع الكيمياء الحديث على إعطاء الأولوية للاستدامة البيئية مع التأكيد على ضرورة حدوث نقلة نوعية نحو ممارسات كيميائية آمنة وفعالة ومستمرة. وهي تدعو إلى اتباع نهج مسؤول يأخذ في الحسبان تأثير دورة حياة المواد الكيميائية الجديدة على كل من الحياة البشرية والبيئة.
وفي تعليق في ناتشر ريفيوز كيمستري (Nature Reviews Chemistry) يجادل كلًا من طالبة الدكتوراة هانا فليرلاج والأستاذ المساعد كريس سلوتويج من معهد فان ت هوف للعلوم الجزيئية بجامعة أمستردام بأن الكيميائيين المعاصرين بحاجة إلى توسيع آفاقهم والنظر في تأثيرات الكيمياء “خارج وعاء التفاعل وغطاء الدخان”. ومن أجل مكافحة الأزمات البيئية المتفاقمة باستمرار وتحقيق استدامة حقيقية تحتاج الكيمياء إلى تطوير تركيز مشترك على الكفاءة والسلامة والدائرية.
يكتب فليرلاج وسلوتويج أن الكيمياء الحديثة قمامة بالمعنى الحرفي لأنها تسهل مسار المادة من الاستخراج إلى التلوث. وقد أدت جميع أنواع النفايات سواء الناجمة عن عمليات التصنيع الكيميائي أو من منتجاتها النهائية القصيرة الأجل في كثير من الأحيان إلى مشاكل صحية بشرية وكوارث بيئية على مستويات متفاوتة.
ومن المسلم به أنه على مدى العقود الماضية أصبحت المزيد والمزيد من الأساليب الاصطناعية المستدامة متاحة مما يقلل من استخدام المواد والنفايات الخطرة أو حتى يلغي استخدامها. ولكن يتساءل فليرلاج وسلوتويج هل لا تزال الكيمياء موجودة؟ وكانت إجابتهما: “لا على الإطلاق”.
ومن وجهة نظرهما يجب على الكيميائيين البدء في النظر إلى ما وراء “الجزيئات الجميلة” و”الكيمياء الرائعة”. بالتأكيد قد يكون من الممتع والمجزي إنشاء جزيئات مبهجة من الناحية الجمالية لكن هذا يتجاهل دور الكيمياء في العالم الحديث.
وعلى سبيل المثال يشيران إلى بيرفلوروكوبان وهو جزيء عُيِنَ “جزيء العام” عام 2022. قد يكون توليفه إنجازًا ممتازًا وقد يكون له تطبيقات مستقبلية محتملة. لكن بنيته التي تحتوي على روابط متعددة من الكربون والفلور تشير إلى أن بيرفلوروكوبان سيبقى في البيئة ويتراكم أحيائيًا.
ويجادل فليرلاج وسلوتويج بأن الكيمياء الحديثة تحتاج إلى أخذ مثل هذه المخاوف البيئية على محمل الجد منذ البداية. حتى أنهما يعتبران أنه من غير الأخلاقي تطوير الكيمياء التي ستؤدي إلى التلوث الكيميائي. ويدعوان لوضع حد للمركبات رديئة التصميم ولا سيما “المواد الكيميائية الأبدية” مثل مواد الألكيل البيرفلورية والمتعددة الفلور ومثبطات اللهب بالبروم.
تفكير المنظومات
نظرًا لأن الكيمياء هي علم تحويل المادة وليس فقط إنشاء جزيئات جديدة فقد أشار فليرلاج وسلوتويج إلى مسؤولية تطوير كيمياء ومواد كيميائية آمنة تستخدم موارد العالم بفعالية أكبر وتحسن الاستدامة.
وهذا يتطلب نهجًا للتفكير المنظومي يرتكز على الاعتراف بالاستدامة كخاصية ناشئة ويسترشد بفهم الأساس الجزيئي للاستدامة. وهذا يعني أنه لا يجب أن تركز الكيمياء فقط على استخدام الموارد المتجددة وتقليل نفايات الإنتاج لكن يتعين عليها النظر في الآثار البيئية لدورة الحياة والآثار البيئية الشاملة للمواد الكيميائية (الجديدة).
وعلى سبيل المثال يذكر فليرلاج وسلوتويج البوليمرات الحيوية مثل bioPEالمصنوعة من الإيثانول الحيوي. فهذه البوليمرات تقلل من استخدام الموارد الأحفورية ولكنها لا تحسن قابلية إعادة التدوير أو التحلل البيولوجي. وبالتالي تستمر في المساهمة في التلوث البلاستيكي.
أكثر تحديًا، وأكثر مكافأة
يدعو فليرلاج وسلوتويج في ورقتهما إلى التركيز الثلاثي على الكفاءة والسلامة والدورانية سواء فيما يتعلق بالعمليات الكيميائية (التوليف) والمنتجات (التركيب الكيميائي). وتوصف هذه القيم الأساسية الثلاث للكيمياء الحديثة من خلال نماذج الكيمياء الخضراء والكيمياء الآمنة والمستدامة حسب التصميم والكيمياء الدائرية. ويجب الامتثال لكل هذا في وقت واحد إذا كان للكيمياء أن تقدم مساهمة حقيقية في الاستدامة.
كتب فليرلاج وسلوتويج كل هذا سيجعل الكيمياء أكثر تحديًا ولكن أيضًا أكثر مكافأة فنحن بحاجة إلى توسيع آفاقنا والنظر في كيمياءنا بما يتجاوز وعاء التفاعل وغطاء الدخان: كيف تتفاعل الجزيئات والمواد التي نصنعها مع المجال التكنولوجي (الأنظمة الصناعية والمجتمع) والمحيط الحيوي (الطبيعة)؟ بالنسبة لهما لن يكون للكيمياء تأثير حقيقي وإيجابي على الاستدامة إلا عندما تحتضن التصميم الدائري والتفكير في دورة الحياة وعلم السموم البشري والبيئي وتقييم الأثر البيئي والاجتماعي بالكامل.
- ترجمة: رنا السوقي
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1