لماذا الغربان ذكية إلى هذا الحد؟
كثيرًا ما تُظهر الغربان مهارات ملحوظة في حل المشكلات، إذ يؤدي نوع واحد أشياء يصعب تصديقها.
بدأ باحثو الذكاء الحيواني للتو في اكتشاف قدرات العديد من أنواع الحيوانات، وأكثرها كانت في الطيور، وقد أثبتت الغربان بما في ذلك غربان الرافنز والكراوز وطيور أبو زريق وطيور العقيق في نصف الكرة الشمالي ذكاءها المذهل، وتحدت الأفكار حول الأساس البيولوجي للذكاء.
إذا كنت تشك في أن الغربان ذكية أم لا، فقط ألقِ نظرة على بعض القصص التي نُشرت عنها في الماضي. وتأمل على سبيل المثال، قدرة غربان كاليدونيا الجديدة على فهم واستخدام الإزاحة لرفع مستويات المياه، وحفظ التقنيات عند رؤية الآخرين استخدامها.
ربما يكون المثال الأكثر روعة على الإطلاق هو هذا الفيديو. لم يتمكن الغراب أينشتاين ذو الريش من تحديد الأداة المناسبة للوظيفة فحسب، ولكن من الواضح أنه خطط لعملية متعددة الخطوات، تتضمن استخدام أدوات متعاقبة للوصول إلى أدوات أخرى تُقربها من هدفها (فعلت غربان كاليدونيا الجديدة الأخرى الشيء نفسه وإن كان ذلك بمزيد من الممارسة). في خطوة يتعين على المعلمين البشريين غرسها في الكشافة، تحاول غربان كاليدونيا الجديدة أيضًا الاستعداد، وذلك من خلال الاحتفاظ بالأدوات لحين حاجتهم إليها.
إنه لأمر مدهش أن نعتقد أن 63 عامًا فقط قد مرّ منذ أن أدت رؤية جين جودال لشمبانزي، وهو يُجرّد الأوراق من الأغصان إلى قلب فكرة أن البشر فقط هم من صنعوا الأدوات.
يوجد بعض الجدل حول مدى انتشار الذكاء بالتساوي بين الكورفيد. جميع الأمثلة أعلاه تشمل مستخدمي الأدوات الرئيسية غربان كاليدونيا الجديدة (Corvus moneduloides). ومع ذلك، يقول بعض خبراء الاستخبارات الحيوانية أن الكورفيد هي بالذكاء نفسه. وبالتأكيد فإن الملاحظة القائلة بأن بعض الغربان على الجانب الآخر من العالم يمكنها إجراء استنتاجات إحصائية تثبت أن الأسرة لديها الكثير من الذكاء.
وتشير بعض الدراسات إلى أن الغربان قد تمتلك نوعًا من الوعي وأن تكون على دراية بعقولها.
يمكن أن يكون الذكاء مفيدًا للهروب من الحيوانات المفترسة أو التباهي لجذب زوج محتمل، ولكن يُعتقد أن الغربان طوّرته في الغالب للحصول على الطعام. وتعد يرقات الحشرات هي الجزء الأكثر تغذية من النظام الغذائي لغربان كاليدونيا الجديدة، وستبذل قصارى جهدها للوصول إليها؛ نظرًا لأن اليرقات تدفن نفسها عميقًا في الخشب يجب على الغربان إيجاد طرائق مبتكرة للوصول إليها، والتي تتضمن انتقاء الأداة المناسبة وتشكيلها بصورة أكبر لتلبية احتياجاتها.
ومع وجود أكثر من 30 نوعًا من الغربان، تتنوع الأنظمة الغذائية إلى حدٍ كبير، لكن العديد منها يفضل أيضًا الأطعمة التي يصعب الحصول عليها، الأمر الذي يجعل من الذكاء ميزة.
يرفض بعض الباحثين في الإدراك الحيواني فكرة أن بعض الحيوانات أكثر ذكاءً من غيرها. وفقًا لهذا الرأي، فإن كل نوع يطوّر نوع الذكاء اللازم لمكانه البيئي. والبشر بأسلوبها المُتحيّز يمدح أنماط التفكير التي تشبه تفكيره، باعتبارها تمثل الذكاء الأعلى. حتى الآن تضل وجهة النظر هذه أقلية ربما لأن معظمنا واجه حيوانات تؤدي أشياء تبدو غبية بصورة مذهلة، ومن الصعب تصديق أنها ليست مسؤولة عنها على الاطلاق.
بافتراض أننا نقبل أن هناك تسلسل هرمي للذكاء فمن السهل افتراض أن الأدمغة الكبيرة هي مؤشر رئيسي. لكن حجم الدماغ الصافي ليس كافيًا، وإلّا لكانت حيتان العنبر أذكى المخلوقات الموجودة هناك. وبدلاً من ذلك، يستخدم العلماء حساب «حاصل الدماغ» الذي يسمح بحجم الجسم، ويبدو أنه يعمل جيدًا عند الثدييات، ولكنها أقل نجاحًا مقارنة بفئات الحيوانات وقبل بضع سنوات تعلمنا سبب ذلك.
أظهرت إحدى الدراسات أن الغربان تستخدم جزءًا من الدماغ يسمى الباليوم، والذي يتكون طبقات من المادة الرمادية والبيضاء لتؤدي تفكيرها المتطور. في البشر تطور جزء من الباليوم إلى القشرة الدماغية التي تؤدي الأشياء التي نعتبرها علامات للذكاء مثل التخطيط والفكر المجرد.
إذًا، ليس من المستغرب أن يكون الباليوم في الطيور هو محور فكره العالي، لكنه لا يزال صغيرًا جدًا مقارنة بالبشر أو الدلافين، فهو يبدو لنا أنه غير كافٍ لهذه المهمة. ومع ذلك، فإن خلايا الطيور العصبية أصغر حجمًا وأكثر إحكامًا من تلك الموجودة في الثدييات كما أنها تستهلك طاقة أقل.
إن 1.5 مليار خلية عصبية لدى الغربان مشابهة لأرقام القرود، الأمر الذي يجعل الأمور متساوية بينهم حتى ولو لم تقبل الحجة القائلة بأن الاتصال أكثر أهمية من عدد الخلايا العصبية.
- ترجمة: احلام العبسي
- تدقيق علمي ولغوي: غفران التميمي
- المصادر: 1