كيف أصبح العالم مدمنًا على السكر؟
ما هو القاسم المشترك بين رقائق الذرة واللبن والكاتشب وصلصات تتبيل السلطة، والمشروبات الغازية والمشروبات الرياضية؟ جميعها تشترك في الكثير من السكر.
فالأطعمة اللذيذة والمليئة بالسكر من حولنا في كل مكان، وتعيث فسادًا في أجسامنا وتساهم في السمنة. وفي الواقع هي متجذرة في نظام غذائي أعاد إنتاج عدم المساواة في الأنظمة منذ فترة طويلة من العبودية إلى الاستعمار، وإلى صناعاتنا الغذائية الحديثة التي جعلت الأغذية السكرية رخيصة وسهلة الوصول إلى المجتمعات المهمشة. وفي الواقع قد نعتقد أن الرغبة في المذاق الحلو أمر فطري لكن هذا أبعد ما يكون عن القصة بأكملها.
في معظم تاريخ البشرية لم يكن السكر البلوري موجودًا ببساطة، وكان الناس سعداء بالعسل أو الفاصوليا الحلوة أو الأرز اللزج أو الشعير أو شراب القيقب. ومنذ أكثر من 2000 عام تعلم الفلاحون في البنغال كيفية غلي عصير القصب في كتلة حلوة داكنة خام، ولكن هذا لم يدفعهم لاستهلاك السكر.
وفي الواقع، قبل قرنين من الزمان فقط، حتى في أغنى البلدان، كان الناس نادرًا ما يستهلكون أكثر من بضع كيلوغرامات في السنة، أما اليوم، وفي العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط، يستهلك الناس سنويًا 30 إلى 40 كيلوغرامًا، وفي الولايات المتحدة أكثر من 45 كيلوغرامًا. وهذا الرقم لا يشمل شراب الذرة عالي الفركتوز، وهو محلي من السعرات الحرارية يستخدم على نطاق واسع في صناعة المشروبات الأمريكية.
ماذا حدث؟
كان هذا الانفجار في استهلاك السكر متشابكًا مع الإمبريالية وصعود المجتمعات الصناعية الحديثة، إذ أصبح السكر مصدرًا رخيصًا للسعرات الحرارية للعمال الحضريين، ومكّنَ التصنيع من الإنتاج الضخم للسكر المكرر.
وفي البداية كانت البلورات البيضاء من السكر المنقى ثمينة جدًا، حتى أن الأباطرة والخلفاء أمروا بتشكيلها في منحوتات لتزيين موائد العشاء الفخمة. وكان السكر مرغوبًا أيضًا كدواء، فهو يذوب في القليل من الماء، وقد فعل العجائب للأشخاص الذين يعانون من أمراض معوية وأعاد تنشيط الأجسام البشرية المنهكة بوجه عام.
وفي جميع أنحاء آسيا عبرت القوافل الطويلة في الصحاري محملة بالسكر والتوابل والمعادن الثمينة الأخرى. وفي الواقع كانت أوروبا هامشية تمامًا في تاريخ السكر، وتغير كل ذلك بعد القرن 15 عندما أصبح السكر تدريجيًا جزءًا من الاستهلاك الحضري في أوروبا الغربية.
وبحلول عام 1500 تجاوز الطلب في أوروبا الإنتاج في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يجد إنتاج السكر حدودًا أخرى في الأمريكيتين. ومن المحزن أنه أدى إلى استعباد ملايين الأفارقة. وعمومًا بين ما يقرب من 12.5 مليون شخص اختطفوا في أفريقيا ونجوا من نقلهم عبر المحيط الأطلسي، انتهى المطاف بثلثيهم تقريبًا في مزارع السكر. وكانت الظروف مروعة في المزارع في جميع أنحاء الأمريكيتين، لكن تلك الموجودة في مزارع السكر كانت الأسوأ.
وأصبح مستهلكو السكر في فيلادلفيا ولندن وباريس أكثر وعيًا بهذه الفظائع إذ أبلغتهم الصحافة المطبوعة سريعة النمو بحركات تمرد العبيد المتكررة. وازداد احتجاج الأقلية الصاخبة من المتعلمين والحضريين في أوروبا والولايات المتحدة، وخاصة الكويكرز على العبودية باعتبارها خطيئة مميتة. وأدان كتيب شعبي استهلاك السكر “الملطخ ببقع من دم الإنسان”. وبفضل عشرات العرائض التي حصلت على مئات الآلاف من التوقيعات قرر البرلمان البريطاني عام 1807 حظر تجارة الرقيق في الأراضي الخاضعة لسيطرته.
لكن إنتاج السكر واستهلاكه استمر. وطور المخترع الألماني (كارل فرانز أشارد) عملية صناعية لاستخراج السكروز من جذور الشمندر بدلًا من قصب السكر. ودعا رواد أعمال متحمسون آخرون إلى فتح التجارة مع الهند بحجة أنه يمكن الحصول على السكر هناك بكميات أكبر بكثير وبسعر أقل. ولكن لم يخفِ لا السكر الهندي ولا سكر الشمندر العبودية.
وبحلول عام 1860 كان نصف السكر الذي يستهلكه العمال الصناعيون في أوروبا وأمريكا الشمالية لا يزال ينتجه المستعبدون وكانت السلعة الأكثر تداولًا في العالم.
ساعدت الإعانات الحكومية على ضمان الإفراط في الإنتاج مما أدى إلى انخفاض الأسعار انخفاضًا مطردًا مما سهل الاستهلاك. وفي أواخر القرن 19 تحول المزارعون في أوروبا من القمح إلى الشمندر لإنتاج السكر منه، مما أدى إلى أن يصل سكر الشمندر لنسبة 50% من جميع السكر المتداول دوليًا بحلول عام 1900.
وعندما اكتسبت الولايات المتحدة الأمريكية قوة إمبريالية على هاواي وكوبا وبورتوريكو والفلبين بعد عام 1898 بنت أيضًا صناعة قوية لسكر الشمندر. وقدمت الحكومة الفيدرالية برنامج السكر عام 1934 وهو نظام يحمي المزارعين الأمريكيين ويوفر سوقًا للولايات العميلة. وطوال القرن 20 حاول أكبر مصدري الشمندر وقصب السكر في العالم كبح جماح الإفراط في الإنتاج وإغراق السكر، لا سيما من خلال اتفاقية بروكسل لعام 1902 والاتفاقية الدولية للسكر لعام 1937. ومع ذلك، لم تصمد هذه المعاهدات واستمر إغراق العالم بالسكر الرخيص.
ولكن ماذا عن المستهلكين؟ كيف اعتادوا على التهام الكثير من السكر من ملعقة في الأسبوع بحلول عام 1800 إلى ما يقرب من كيلوغرام كل أسبوع للأمريكي العادي اليوم؟
في القرن 19 كان العمال الحضريون في كثير من الأحيان يعانون من نقص التغذية ويفتقرون إلى الطاقة. ووفقًا للحكمة الطبية في ذلك الوقت كان كل ما يحتاجه النظام الغذائي السليم هو كمية لا بأس بها من السعرات الحرارية وكان السكر هو أرخص وأسرع طريقة لتحقيق ذلك. أضافت قيادة الجيش الأمريكي وكذلك نظرائهم في أوروبا واليابان السكر إلى حصص المجندين لزيادة قدرتهم على التحمل. ومن هناك يمتد خط مستقيم إلى ألواح الشوكولاتة وكوكا كولا التي سافرت مع الجنود لتحرير أوروبا من النظام النازي.
ومع ذلك فإن حشو طعامنا بالسكر لم يحدث دون أي تحذيرات. فبحلول أوائل القرن 19 خمنت مهنة الطب بالفعل وجود علاقة كبيرة بين السكر والسمنة وما يعرف الآن باسم مرض السكري من النوع الثاني. ونشر البريطاني ويليام بانتينج في ستينيات القرن التاسع عشر أول نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات خالي من السكر وحقق شعبية واسعة، ولكن عمله كان منسيًا تقريبًا في العقود اللاحقة.
وبالطبع كان الناس يعرفون أن استهلاك السكر بكميات كبيرة يمكن أن يسبب السمنة والمرض، لكن صناعة السكر وصناعة المشروبات كرّست جهود التسويق لإقناع الناس بالعكس. فعلى سبيل المثال، ساهمت شركات السكر في الأبحاث التي حددت الدهون كخطر حقيقي على قلبنا وعروقنا، وليس السكر، في حين يُعْلَن عن المشروبات في كثير من الأحيان على أنها مصدر البهجة وجزء من الحياة الرياضية.
ومع ذلك فإن لتاريخ السكر تذكير مهم للتنقل في هذه الأزمة الصحية اليوم، فهو يظهر أن كمية السكر التي نستهلكها الآن ليست طبيعية. وكان هذا نتيجة التقاء القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية. نحن بحاجة إلى أن نفهم أن استهلاكنا المفرط للسكر هو إلى حد محدود فقط مسألة اختيار فردي وإلى حد كبير نتيجة لكيفية تحول الكثير من طعامنا على مدى القرون الماضية إلى منتج صناعي، وقد لعب السكر دورًا مركزيًا في ذلك. والفصل التالي في تاريخ السكر متروك لنا خاصة بوصفنا مواطنين نستدعي حكوماتنا ليس فقط لحماية المصالح الصناعية، ولكن أيضًا لحماية صحتنا العامة.
- ترجمة: رنا السوقي
- تدقيق لغوي: غفران التميمي
- المصادر: 1