ماذا لو تحولت بقايا أجسادكم إلى ألماس بعد الموت؟
ألماس الجثث: إليكم كيف يمكن للعلم إعطاءكم حياةً على شكل كربونٍ مضغوطٍ مشعٍّ بعد الموت.
من التراب إلى التراب، ومن التراب إلى الألماس!
نعم، هذا ما تقدمه الشركات للعائلات المفجوعة بفقد الأحباب! إذ تقدّم لهم فرصة تذكّرِ لمعان عينيّ أحبّتهم بعد فقدهم بالتحديق إلى لمعان حجرٍ كريمٍ مصوغٍ من بقايا رمادِ جثثهم المحترقة.
ربما لم يتمكن العلم من جعلك تعيش حياةً أبديةً، لكنّه يتمكن من تحويلك إلى ألماس بعد موتك، حيث أنه من الجميل أن تعطيك التكنولوجيا لقاحات حامية وطرقاً شتّى لتذكر من فقدت خاصّة بعد استماعنا إلى لغة الصناعة وتسابق علماء الكون لمواجهة خسائر الموت الهائلة في جائحة كوفيد-19.
الألماس من رماد الجثث المحترقة:
يحتاج الألماس الطبيعي للتشكل إلى ما يقارب الشهر تحت ضغطٍ وحرارة هائلتين ضمن طبقات القشرة في لب الأرض أي ما يقارب 150 ميلاً في باطن الأرض.
ويقوم النشاط البركاني عبر ملايين السنين بدفع الأحجار إلى السطح حيث ينقّب الإنسان عنها ويصوغها كرمزٍ للحبّ الأبديّ.
وقد كانت شركة جنرال إليكتريك أول الناجحين بتقليد ظروف الضغط والحرارة العاليتين لإنشاء الألماس من عنصر الكربون في المختبر في عام 1954 م.
ثم توفرت هذه الأحجار المصنوعة بفعل الإنسان تجارياً لأول مرة في ثمانينات القرن الفائت. وبدأت بعضُ الشركات مؤخراً بدمج الكربون الناتج عن حرق الجثث المحترقة في هذه العملية مقدّمة لأفراد العائلات فرصة الاحتفاظ بقطعةٍ قريبة من أحبابهم الذين فقدوهم للأبد. تخيّل ذلك فقط!
فبدلاً من أن تقدّم لمحبوبتك خاتم زواجٍ ورثتَه عن جدتك يمكنك بكل بساطة جلب المصدر لها فتقدّم لها جدّتك بحدّ ذاتها على شكل خاتم!
يتكون جسم الإنسان كاملاً من عناصر أربعة: الأوكسجين، الهيدروجين، النتروجين والكربون. وبما أن العناصر الثلاثة الأولى غازية ستحتوي البقايا المحترقة على كمية كبيرة من الكربون التي يمكن تنقيتها للوصول إلى كتلة مجتمعة واحدة لأكثر حجر مختزن في المجتمع، حيث يُضغطُ الكربون في المختبر تحت درجة حرارة عالية بين طبقتين ويُصقَلُ على شكلِ ألماسة وهذا يتشابه إلى حدٍّ كبير مع المحارة التي تولّدُ طبقات من اللؤلؤ حول حبة رمل.
تعتبر شركة اتيرنيفا والمؤسَّسةُ في أوستن، ولاية تكساس واحدة من شركات متعددة تقدم فرصة تصميم جواهر تذكارية مخصصة للعوائل بحجم وشكل ولون الحصى.
ويأتي اللون الأصفر للألماسة من إضافة القليل من النيتروجين بينما يتطلب الألماس الشفاف ألا يسمح المخبر بتسلل النتروجين من الهواء إلى حاضنة الألماس. أما الألماس الأزرق فيمكن توليده بإضافة البورون للوصفة. ويمكن صنع الألماس بتدرجات الأحمر والأخضر والأسود من خلال تحويل المسار الذي يعكس الحجر به الضوء فيتولد الألماس الأحمر بعد ثلاثة أسابيع من التعرض للإشعاع فيما يتطلب الألماس الأسود شهرين.
تقول (آديل آركر) الرئيسة التنفيذية ومساعدة مؤسس شركة إيتيرنيفا أن عملية تصميم ورصد تكوين ألماسة ما تساعد أفراد العوائل على اجتياز حزنهم وتسمح للزبائن بالتتبع الافتراضي لكل مرحلةٍ من مراحل التشكل حتى يصلوا إلى مرحلة تسليمها باليد في حال إقامتهم في مكان قريب.
وتضيف آركر: “لدينا بعض الهواجس فقط حيال التجربة، فهذه العملية ليست لتخليد الذكرى فقط بل تساعد على الشفاء أيضاً”.
وكان أن أشعل هذا التصريح فتيل الاهتمام لدى المنظّرة الرائدة للحزن (كاندي كان) من جامعة بايلون في واكو، تكساس، وجعلها تبحثُ في تجارب وبائن إيتيرنيفا للحصول على دليل للفوائد الاستشفائية.
وستساعد الدراسات المستمرة الباحثين على فهم تأثير التقبل العاطفي للأفراد لموت أقاربهم حين تكوين وارتداء الألماس المصاغ من بقايا رماد هؤلاء الأقارب.
وتستمر طرفة دواء الحزن بالازدياد عبر الوقت. وتقول (آركر) أن شركة إيتيرنيفا تصمم معظم جواهرها لمن يعاني ألم الفقد وهي تنشئُ بذلك حجارة للمواساة مصنوعة من رماد الأبناء والبنات والأزواج والزوجات.
تقول إحدى النساء التي فقدت والدها قبل خروجها من المصحة بفترة وجيزة إنها حصلت على خاتم زواجٍ مصاغٍ من رمادِ والدها بحيث تشعرُ به يدعمها في مثل هكذا يومٍ مميز.
ويرى البعض الآخر أن الألماس سهل الانتقال والتوريث قياساً بجرة حفظ رماد الموتى. وتضيف آركر: “قد تعني هذه الألماسة العالم كله لوالدين فقدا ابنهما ويستطيعان التحدث إليه عن طريقها”.
محتويات المادة:
ادّعى بعضُ الصاغة كردّ فعل على وجود حجر الألماس المصنوع من الموتى أن هذا الأمر برمته خديعة. وجاء الرد لهؤلاء الشكاكين أن الحجر الكريم النهائي مصنوع من 10 بالمئة فقط من كربون الرماد المحترق أما التسعون بالمئة الأخرى فهي من الكربون العام المخزّن المضاف إلى الخليط مما يسهل العملية ويؤدي إلى خفض معدلات التلوث من المعادن الأخرى.
تقول (باربرا مكالستر) خريجة جامعة تكساس والتي كانت من أولى المرحبات بفكرة الألماس كطريقة مستقبلية لتكريم شريكها: “حين سماعي للمرة الأولى بهذا الأمر أحببتُ فكرة استخراج شيءٍ جميلٍ من شيءٍ مأساوي،” وحين عرفت أن الألماسة ستحتوي على 10% من رماد شريكها رحبت بالأمر فورًا لأنها أدركت أنها لن تشعر بالتعلق بقميصٍ مفضّلٍ لشريكها دون أن يحتوي على أجزاء منه.
“ظننتُ أن الألماسة ستحتوي على 50% على الأقل من رماد الشخص” تضيف مكاليستر: “سأودّ أن أدفع لهذا الأمر بغضّ النظر عن النسبة الضئيلة منه”.
وستستهلك شركة إيتيرنيفا ما يعادل نصف كوب من الرماد المحترق المزوّد بكربونٍ عامٍ في المختبر لتنتج ثماني ألماساتٍ مختلفات بأسعار تبدأ من قرابة 3000 دولار، إضافة لشركات أخرى تقدم عروضاً مشابهة كشركة آتلانتا بيست سينت دايموند وشركة لونتين السويسرية.
كما يمكن لبعض الشركات أخذ مقدار 10% من كربون المتوفي بما يعادل حفنةً من شعره بدل حرق جثته، خاصة أن بعض الأديان حرّمت تاريخياً حرق الجثث. فقد حصل أن طردت الكنيسة الكاثوليكية بعض الأفراد بسبب حرق جثث أقاربهم عام 1963.
وفي هذا الخصوص يعلّق (تيم كوبيري) بروفيسور علم الاجتماع في جامعة فرنسيو الحكومية وخبير الدراسات الدينية أنه لا يميل إلى إنشاء رابطة مع الأشياء. وقد أضاعت زوجته مؤخراً خاتم خطوبتها الذي ورثه عن جدته الأولى.
“لم يزعجني هذا حقاً، إنه رمزٌ لشيءٍ حقيقيّ لكن هذا الشيءَ الحقيقيّ قد رحل الآن.”.
هل هذا مستدام؟
ستتأثر قرارات الزبائن الواعين المتعلقة بطرق دفن الموتى بظروف الجائحة أكثر من تأثرها بكمية الرماد الموضوعة في الألماسة من أحبابهم كما تتزايد بعض خيارات الدفن الشعبية كالدفن الأخضر والدفن صديق البيئة والذي يتجنب استخدام التابوت أو استخدام الكيماويات للتحنيط لأن الناس يبحثون عن إنقاص آثار الكربون على موتاهم.
كان على (تايسي أوفنر) عالمة الاقتصاد والتي تعيش في فلوريدا أن تتخذ ترتيبات دفنٍ غير متوقعة لوالدها بسبب ظروف الجائحة حيث وجدت أن أفضل خيار لعائلتها هو حرق جثة والدها ورغم أنّ خيار الحرق يبدو متسرعاً لكنّ خيار تحويل البقايا المحترقة إلى ألماس لم يكن كذلك أبداً.
تقول بهذا الخصوص: “أعتقد أنّ أصعب شيءٍ هو ليس ما م تحضّره بل ما عليك تقريره بسرعة تحت الضغط أيا كان هذا القرار حتى لولم ترده نهائياً. وحين اتخذت هذا القرار تعلقت بالمرايا لحين قدرتي على توفير المال اللازم للألماسة دون ضغط”.
كما أكدت أوفنر على قيمة احتمال واستمرار الألماسة مقارنة بجرة حفظ الرماد المحترق والتأثير المنخفض الواضح على كوكب الأرض مقارنة بتأثير التحنيط والدفن.
وتؤكد (آركر) أن كمية الطاقة المستخدمة في صياغة ألماسة ما هي ذاتها كمية الطاقة المستهلكة من مكيف الهواء غير أنها طاقة لا تتطلب الاحتراق مما يضمن صرفاً مثاليا للطاقة وانبعاثاً أقل لملوثات الهواء.
ويبدو أن لمعان الألماس الأبدي يخترق صناعة الظلام والموت الأبدي في أوقات الحزن الاستثنائي خاصة مع وجود جائحة كوفيد -19 مما يحثُ العلماء على عرض طريقة لمشاركة بريق الأحبة الذين فقدوهم.
- ترجمة: ريما إبراهيم
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1