هل تتذكر السناجب أين دفنت مكسراتها؟
توزع السناجب مكنوزاتها على عدة مواقع في الخريف. لكن هل تملك المفتاح لخريطة الكنز هذه؟
مع اقتراب فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، يأوي الناس إلى بيوتهم، وتبدأ وتيرة الحياة بالتباطؤ، ولكن ليس للسناجب. إذ تهمّ هذه الحيوانات بالإفراط في السرعة عبر الغابات والمنتزهات والفناء الخلفي لبيتك، وتنطلق بلا توقف عبر الشجيرات لتخبئ المكسرات والبذور في التربة.
وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو وكأنه اندفاعة مجنونة للبقاء على قيد الحياة في الشتاء، إلا أن الأجواء المحمومة تخفي بعض التحضير الدقيق.
يمكن للسنجاب الواحد دفن ما يصل إلى 3,000 حبة مكسرات في موسم واحد في عملية تعرف باسم التخزين المؤقت. كما يمكنه تخزين المكسرات في عشرات المواقع وحتى تنظيمها مكانيًا حسب النوع. ولكن ماذا يكمن وراء هذا التخزين المخطط المهووس؟ هل تستعيد السناجب بشكل عشوائي كل ما تشمه، أم أنها تتذكر في الواقع أين تضع هذا الكنز الثمين؟
تشير مجموعة متزايدة من الأبحاث إلى أنالسناجب تتذكر ذلك فعلًا. تقول ليزا ليفر، الباحثة التي تدرس التكيفات السلوكية والمعرفية للسناجب والحيوانات الأخرى في جامعة إكستر في إنجلترا: “إنها لا تدفن فقط مجموعة من الأشياء على أمل إيجادها في المستقبل، بل إنها تضع استراتيجيات لأبعد من ذلك”.
في الواقع، تتبع السناجب طريقتين منهجيتين لتخزين طعامها: الاكتناز في المخزن، حيث تدفن القوارض ذات الذيل الرقيق ما حصلت عليه بالكامل في موقع أو موقعين، والتخزين المشتت، وهو عندما تقسم السناجب المخبأ على عدة مواقع منتشرة في الطبيعية.
وتقول بيتزا كا يي تشاو، التي تدرس تطور الإدراك في جامعة تشيستر في إنجلترا، إن هناك الكثير من العوامل التي تلعب دورًا في ذهن السنجاب لتحديد أي طريقة يختار. وتضيف: “تتحد العديد من العوامل لتوجيهها نحو التشتت أو الاكتناز”. ومن تلك العوامل موقع الأطعمة، مدى التوافر والنوع، الموطن المحلي للسناجب والصمود أمام الحيوانات المفترسة، وعدد الأصدقاء الآخرين الموجودين عند القيام بعملية التخزين المؤقت.
وتقول تشاو إن هاتين الاستراتيجيتين موجودتين على طول سلسلة متصلة، وبعض السناجب تتماشى مع الطريقة «المختلطة»، حيث تقوم بفعل كليهما. وعادة ما تمارس أنواع السناجب المختلفة نهجًا أو آخر.
على سبيل المثال، غالبًا ما تعتمد السناجب الحمراء الأمريكية (Tamiasciurus hudsonicus) على عدد صغير من أشجار الصنوبر للحصول على طعامها، كما تقول لوسيا جاكوبس، الأستاذة الفخرية في علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. إذ تجمع هذه السناجب أقماع الصنوبر وعادةً ما تخلق من الأقماع المتبقية من الأكل والقشور كومة كبيرة عند قاعدة الشجرة. ويسمح هذا الإعداد المريح للحيوانات بالإشراف على مكافأتها والدفاع عنها من مسافة قريبة، مما يجعل الاكتناز في المخزن يستحق الوقت المبذول.
من جهة أخرى، يميل السنجاب الأحمر الأوراسي (Sciurus vulgaris)، وسنجاب الثعلب (Sciurus niger) والسنجاب الرمادي الشرقي (Sciurus carolinensis) –وهو السنجاب الأكثر شيوعًا في الفناء الخلفي للمنازل في شرق الولايات المتحدة – إلى تفضيل التخزين المشتت. فاعتمادًا على المكان الذي تعيش فيه، تعتمد هذه الأنواع على مجموعة متنوعة من مصادر الغذاء، بما في ذلك المكسرات والجوز والبندق وثمار شجرة البلوط، الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن الطعام ضمن مساحة أكبر، مقارنة بالسنجاب الأحمر الأمريكي، مما يزيد من صعوبة حماية مخبأ واحد كبير عن كثب. وهذا ما يفسر سبب تناثر الكنز. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية تمكن السارقين من العثور على المزيد من المخابئ، إلا أن الحجم الصغير لكل مخبأ يقضي على خطر أن تفقد السناجب مخبأها الكبير بالكامل ودفعة واحدة.
وقد لاحظت جاكوبس وزملاؤها أن السناجب التي تعتمد التخزين المشتت تتخذ خطوات إضافية لحماية مخبئها الأكثر أهمية. وتضيف أنه عندما تحصل سناجب الثعلب على اللوز والفول السوداني فإنها ستدفن اللوز، الذي تفضله، في أماكن بعيدة عن المصدر وبكثافة أقل من الفول السوداني. “لذا فإن السنجاب يحمل [جوزة] مسافة خاصة ويخبئها بكثافة خاصة كل بحسب نوعه”. وتساعد تكتيكات الدفن هذه في التخلص من منافسي الوجبات الخفيفة. ولكن هل سيزيد ذلك من صعوبة مراقبة كل المخابئ؟
ليس حسب بعض الدراسات. ففي عام 1991، قدمت جاكوبس وفريقها ثمانية سناجب رمادية مربية يدويًا مع 10 حبات من المكسرات لكل منها لدفنها في المنطقة المغلقة نفسها. وبعد عدة أيام، أطلق الباحثون السناجب مرة أخرى إلى المنطقة، وكانت الحيوانات «تستعيد ضعف المكسرات الخاصة بها مثل تلك الموجودة في مخبأ سنجاب آخر»، كما تقول جاكوبس.
ومن المثير للاهتمام أن السناجب اتبعت أيضًا مسارًا مختلفًا عند استعادة المكسرات، مقارنة بالمسار الذي اتخذته لدفن هذا الطعام. وتضيف جاكوبس: “يمكن للسناجب التخطيط لمسار مخابئهم ال 10، وهو ما لا يمكنها فعله إلا إذا كانت تتذكر مكان وجود تلك المخابئ”.
وتشير جاكوبس إلى أن هذه الدراسة تمت في ظل ظروف شديدة التحكم. لكن آخرين واصلوا توثيق فترات الذاكرة الرائعة للسناجب. ففي تجربة عام 2017، أعطت تشاو السناجب التي تربّت في المختبر مهمة تتطلب التلاعب بالمجموعة الصحيحة من الرافعات لإطلاق البندق من صندوق أحجية زجاجي مستطيل الشكل.
وبعد 22 شهرًا، قدمت لهم صندوق أحجية آخر مثلث الشكل يتميز بألوان مختلفة وتصميم مختلف للرافعات ليبدو وكأنه مهمة جديدة للسناجب.
ولكن، لا تزال هذه المهمة تتطلب الاستراتيجية السابقة نفسها للتلاعب بالرافعات وإطلاق المكسرات، وهذا هو النهج الذي طبقته السناجب. تقول تشاو: «كان الحل الذي استخدمته السناجب هو نفسه قبل عامين. وهكذا عرفنا أنها ما زالت تتذكره “.
في هذه الأثناء، توصل مختبر جاكوبس إلى بعض النتائج المذهلة حول أدمغة السنجاب. إذ يُظهر هذا البحث أنه في حين أن معظم الثدييات الصغيرة تعاني من انكماش في الدماغ أثناء اقتراب فصل الشتاء، إلا أن دماغ السناجب يتوسع في هذا الوقت، مما قد يشير إلى زيادة موسمية في المكنوزات المعرفية.
واكتشف آخرون أدلة حول كيفية تحديد السناجب لمكسراتها المخفية. إذ يعتمد صائدو الجوز المتحمسون جزئيًا على حاسة الشم لمساعدتهم على تحديد طعامهم، ومع ذلك اقترحت دراسة أجريت عام 1986 أنه الملاذ الأخير: فهذه الحيوانات تعطي الأولوية لأدوات أخرى مثل الإشارات المرئية والمكانية لإرشادها إلى مخبئها.
في الواقع، أظهرت دراسة أجريت عام 1997 أن السناجب الرمادية في بحثها عن المكسرات المدفونة عدّلت حيث حفرت بناءً على نقل الأعلام التي كانت مزروعة في الأصل بجانب المخابئ، في إشارة إلى أنها كانت على الأرجح تستخدم هذه الإشارات المكانية أيضًا.
كما تشير التجربة أنه يمكن للسناجب الرمادية أن تتذكر ما يصل إلى 24 موقعًا مخبأً ولمدة تصل إلى شهرين. في الآونة الأخيرة، أظهرت تشاو أن السناجب التي تربّت في المختبر يمكنها استخدام مواقع نسبية للمعالم القريبة مثل الأدغال والأشجار لإرشادها إلى مخابئها في المنطقة المغلقة للدراسة.
وتقول ليفر إن رسم الخرائط المكانية يعد منطقيًا في السناجب الرمادية. إذ تملك هذه الحيوانات “نطاقات منزلية صغيرة نسبيًا تعرفها من الداخل والخارج. فإذا أمضيت حياتك كلها في إخفاء أجزاء من الطعام الذي تعتمد عليه في منزلك، فإنك ستعرف أين ستضعه”.
وتشير الأبحاث الإضافية من مختبر جاكوبس إلى أن ميل سنجاب الثعلب إلى دفن المكسرات من النوع نفسه بالقرب من بعضها البعض قد يشير إلى استراتيجية تبسيط المعلومات التي تسمى «التقطيع»، والتي يستخدمها البشر أيضًا. وتشرح جاكوبس أنه من المحتمل أن يؤدي تنظيم المكسرات عند السناجب حسب نوعها إلى «تقليل مكنوزات الذاكرة وبالتالي زيادة دقة الاستدعاء “.
وتضيف أن بعض السناجب الرمادية لديها عادة ملتوية تتمثل في إعادة زيارة مواقع دفنها، حيث تمر عبر العشب المتنامي الزائد ثم تعيد ترتيب الأوراق بعناية. وفي بعض الأحيان، تنقّب السناجب المكسرات ثم تعيد دفنها.
هذا يساعد جاكوبس كنوع من المراجعة الجغرافية إذ تقول: «ليس الأمر كما لو أنها تخبئ في سبتمبر ثم عليها أن تتذكر حتى فبراير. إنها هناك كل يوم تتدرب وتتدرب وتتدرب “.
تقول تشاو أنه عندما لا تنتعش ذاكرة السناجب، فإن هذه المخلوقات الماكرة تواصل العمل لإبعاد الآخرين عن مسارهم ببعض التكتيكات الخادعة بشكل مدهش. وتضيف: «لقد وجد الباحث مايك ستيل، أن بعض السناجب تحفر حفر مزيفة لحماية مخبئها، لكنها في الواقع لا تضع أي مكسرات فيها. إنها تخدع الآخرين ليفكروا، (مرحبًا، لقد وضعت مكسراتي هنا!) فقط لتشتيت الانتباه “.
لا يزال هناك الكثير لنتعلمه حول هذه القوارض الصغيرة الذكية وكيفية عثورها على طعامها وحمايته. ومع ذلك، يمكننا أن نتأكد من وجود بعض الحسابات العقلية الرائعة التي تلعب دورًا في سلوكها الخريفي الذي يبدو مبعثرًا، حتى عند السنجاب الرمادي الحضري المنتشر في كل مكان. تقول جاكوبس: “نظرًا لأنه نوع حضري شائع، يعتقد الجميع، (أوه، هذا مجرد سنجاب). لكنه في الواقع حيوان فريد للغاية”.
- ترجمة: ريم الاحمد
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1