نتائج خمس تجارب سريرية الأكثر إثارةً لعام 2023

تعتبر التجارب السريرية المرحلة الحاسمة لاتخاذ القرار حول المستحضرات الصيدلانية الجديدة، ولسوء الحظ تفشل 90% من الأدوية الجديدة التي تصل إلى مرحلة التجارب على الإنسان، غالبًا لأن حيوانات التجربة ليست الخيار الأفضل للتنبؤ بكيفية تأثير دواء ما على الإنسان.

ومع ذلك، قد نجد ضمن 10% من المستحضرات الصيدلانية الجديدة المتبقية علاجات تُغيّر أو تنقذ حياة أعداد كبيرة من الناس. فقد أعلن الباحثون في عام 2023 عن النتائج الواعدة لعدد من الدراسات السريرية التي قد تُغيّر الطب وتنقذ الناس. إليكم أكثر هذه التجارب إثارةً:

علاج ارتفاع الكولسترول باستخدام نظام كريسبر CRISPR

يُسبب ارتفاع مستويات الكولسترول الضار LDL في الدم تشكل اللويحات وتراكمها في الشرايين، مما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية والنوبات القلبية والجلطات الدماغية. كما يُعتبر أكثر العوامل المساهمة كونه السبب الأول للوفاة حول العالم. وقد يُخفض تناول حبة دواء يوميًا مستوى الكوليسترول، لكنه سيسبب أيضًا العديد من الآثار الجانبية، إذ أنّه قد لا يُخفض مستويات الكوليسترول لدى بعض الناس إلى المستويات الآمنة. كما قد يساعد إتباع نظام غذائي وأسلوب حياة صحيين، إلا أن معظم الأشخاص لا يستطيعون الالتزام بهذه التغييرات.

تُطور شركة التقانات الحيوية Verve Therapeutics في بوسطن علاجًا جديدًا لارتفاع الكوليسترول، يدعى VERVE-101. ويستخدم هذا العلاج نظام كريسبر CRISPR من أجل تعطيل جين موجود في الكبد، يُنظّم إفراز بروتين PCSK9، والذي يمنع إزالة الكوليسترول الضار الزائد من الجسم.

لقد طبقت شركة VERVE في تجربتها الأولى على البشر جرعات مختلفة من العلاج على 10 أشخاص لديهم حالة وراثية تؤدي إلى فرط ارتفاع الكوليسترول الضار، ويعانون من مراحل متقدمة من الأمراض القلبية الخطيرة، حتى أن الجرعات العالية من الستاتينات لم تستطع الحفاظ على مستويات الكوليسترول لديهم ضمن الحدود المقبولة.

ووفقًا لبيانات الدراسة المؤقتة التي شاركتها الشركة في تشرين الثاني/نوفمبر، استطاعت جرعة واحدة من VERVE-101 خفض مستويات الكوليسترول لدى المرضى بنسبة 55%، والمحافظة على هذا الانخفاض لمدة 6 أشهر من المتابعة. ورغم أن الدراسة صغيرة وظهرت فيها بعض المخاوف الصحية (حيث أصيب مشاركان بنوبات قلبية أثناء الدراسة)، إلا أن النتائج مشجعة على أن علاج ارتفاع الكوليسترول قد يكون في متناول اليد.

أكثر من مجرد خسارة وزن

وافقت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية عام 2021 على استخدام دواء سيماغلوتيد المُرخّص لعلاج داء السكري واسمه التجاري Wegovy، وتصنعه شركة Novo Nordisk الدنماركية لإنقاص الوزن لدى الأشخاص المصابين بالسُمنّة. كما وافقت على استخدام الدواء لإنقاص الوزن لدى الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد والحالات المرافقة له كارتفاع الكوليسترول أو ارتفاع ضغط الدم.

تزيد السُمنّة أو الوزن الزائد من خطر الإصابة بداء السُكرّي والأمراض القلبية والوفاة وغيرها الكثير. لذا، يعتبر الدواء الذي يساعد على التخلص من الوزن الزائد نعمةً كبيرة وله تأثير مفيد على الصحة العامة، إلّا أن الحصول على دواء سيماغلوتيد ليس سهلًا بالنسبة للكثير من الناس حتى الآن، وذلك لأن معالجة الوزن الزائد تعتبر أن تغيير نمط الحياة هو الأساس، كما أن شركات التأمين الخاصة وبرامج الرعاية الصحية لا تغطي هذه الأدوية. لذا كان الخيار الوحيد للبعض هو شراء الدواء من جيبهم الخاص، رغم أن كلفة الدواء لمدة شهر قد تصل إلى 1,350$، كما أنه يمكن استعادة الوزن الذي فقدته إذا توقفت عن استخدام الدواء.

نشرت شركة Novo في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 نتائج المرحلة الثالثة الضخمة من تجربتها، والتي وجدت أن دواء سيماغلوتيد قد خفّض خطر الإصابة بالنوبات القلبية والجلطات الدماغية والوفاة الناجمة عن الأمراض القلبية لدى المشاركين في التجربة الذين يعانون من زيادة الوزن أو السُمنّة ولديهم تاريخ عائلي للأمراض القلبية دون إصابتهم بداء السُكرّي بنسبة 20% خلال أربع سنوات. كما انخفض معدل الوفاة الناجم عن الأسباب الأخرى بنسبة 19% في المجموعة التي تناولت دواء سيماغلوتيد مقارنةً بالمجموعة الشاهدة.

لقد طلبت شركة Novo من إدارة الدواء والغذاء تعديل لصاقة دواء Wegovy لتتضمن خفض خطر الإصابة بهذه الحالات الطبية الخطيرة. وإذا حصل هذا، قد تُشجع هذه الحركة شركات التأمين على البدء بتغطية أدوية إنقاص الوزن، مما يُسهّل الحصول عليها لمن يحتاجها.

اللقاح الذي طال انتظاره

الفيروس المخلوي التنفسي RSV، هو فيروس شائع يُصاب به معظم الناس، حيث يشعرون كأنهم مصابون بنزلة برد قوية، ويعانون من السعال والعطاس والصداع والتعب والنوم في السرير لبضعة أيام قبل التعافي.

قد تؤدي إصابة الأشخاص المعرضين للخطر بالفيروس المخلوي التتفسي إلى أمراض الجهاز التنفسي السفلي (LTRD) الشديدة والتي قد تكون مميتة، مثل الالتهاب الرئوي والتهاب القصبة الهوائية. ويعتبر كبار السن والأطفال هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بهذه العدوى، حيث يموت بين 6,000 إلى 10,000 من كبار السن، كما يدخلبين 58,000 إلى 80,000 طفل تحت عمر الخمس سنوات المستشفى للعلاج من العدوى الناجمة عن الإصابة بهذا الفيروس في الولايات المتحدة سنويًا. هذا الأمر قد يتغير قريبًا بسبب الموافقة على أول لقاحات الفيروس المخلوي التنفسي في هذا العام.

إذ نشرت شركة الدواء GSK البريطانية في شباط/فبراير عام 2023 نتائج المرحلة الثالثة من تجارب Arexvy، وهو لقاح للفيروس المخلوي التنفسي صُمم لمنع العدوى لدى كبار السن. حيث خفّض اللقاح خلال التجربة خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي السفلي الناجمة عن الفيروس المخلوي التنفسي بنسبة 83%، كما خفّض الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي السفلي الخطيرة بنسبة 94% لدى الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 60 عامًا خلال موسم العدوى الأول بالفيروس بعد تلقيهم اللقاح.

ثم في نيسان/أبريل عام 2023، نشرت شركة الدواء Pfizer بيانات من المرحلة الثالثة لتجربتها على لقاح RSV، حيث بلغت فاعلية جرعة اللقاح ABRYSVO في منع الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي السفلي الناجمة عن فيروس RSV في موسم العدوى الأول بنسبة 67% مع ظهور واحد أو اثنين من الأعراض لدى الأشخاص الذين يبلغون 60 عامًا فما فوق، بينما كانت النسبة 83% مع ظهور ثلاثة أعراض أو أكثر.

ومن أجل معرفة فيما إذا كان ABRYSVO قد يساعد على تجنب إصابة الرضع بعدوى RSV الخطيرة، أجرت شركة Pfizer تجربة أخرى أعطت فيها جرعة اللقاح لنساء حوامل. وكشفت بيانات هذه التجربة، والتي نُشرت أيضًا في نيسان/أبريل، أنّ اللقاح كان فعّالًا بنسبة 82% في منع الحاجة إلى مراجعة الأطفال الرضع الذين تلقت أمهاتهم جرعة اللقاح الطبيب بسبب الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الخطيرة الناجمة عن فيروس RSV خلال موسم العدوى الأول.

وبناءًا على هذه النتائج للتجارب السريرية، منحت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية الموافقة على استخدام لقاح RSV لشركة GSK البريطانية في 7 أيار/مايو، مما جعله أول لقاح للفيروس المخلوي التنفسي في العالم. كما وافقت الإدارة على استخدام لقاح RSV لشركة Pfizer لكبار السن في 31 أيار/مايو، وللنساء الحوامل في 21 آب/أغسطس، وبالتالي توفير الوقاية للفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة.

مسكن الألم من شركة Vertex

تعتبر المواد الأفيونة الموصوفة طبيًا مثل الأوكسيكودون والمورفين فعّالة جدًا في تسكين الآلام القوية الحادة والمزمنة، إلّا أنها تسبب الإدمان ويُساء استخدامها على نطاقٍ واسع. ففي عام 2021، توفى حوالي 17,000 أمريكي بسبب جرعة زائدة من هذه المواد، كما تسبب هذه المواد آثارًا جانبية يصعب تحملها.

تُجري شركة Vertex للمستحضرات الصيدلانية حاليًا تجارب سريرية على دواء بديل للمواد الأفيونية في تسكين الألم من خلال التفاعل مع NaV1.7، وهو بروتين له دور في معالجة الدماغ للألم بطريقة مختلفة عن آلية عمل المواد الأفيونية.

وقد نشرت الشركة في آب/أغسطس نتائج المرحلة الثانية من تجربتها على عقار يُدعى VX-548 لتسكين الألم الحاد لدى الأشخاص الذين خضعوا لعمليات شد البطن (شد المعدة) أو عمليات استئصال الوكعة (ورم في إبهام القدم)، ووجدوا أن فائدة استخدام العقار كانت أفضل بكثير من استخدام العقار الوهمي، ودون آثار جانبية تُذكر.

ثم أعلنت شركة Vertex في 13 كانون الأول/ديسمبر نتائج المرحلة الثانية من تجربة أخرى لعقار VX-548 على أشخاص مصابين باعتلال الأعصاب المحيطي السُكرّي DPN، وهو نوع مؤلم من الأذية العصبية يُسببها داء السُكرّي.

وقد أبلغ المشاركون، بعد 12 أسبوع من المعالجة، عن انخفاض ملحوظ وهام لشدة الألم مقارنةً مع بداية التجربة، وكانت الآثار الجانبية خفيفة إلى متوسطة. كما كان انخفاض حدة الألم أفضل لدى الأشخاص الذين استخدموا عقار Vertex-548 مقارنةً مع المجموعة التي استخدمت عقار بريغابلين، مسكن الألم العصبي غير الأفيوني المُرخص من هيئة الدواء والغذاء الأمريكية.

ورغم أن التجارب السريرية التي أجرتها شركة Vertex لم تقارن بين فاعلية العقار الجديد والمواد الأفيونية في تسكين الألم، إلّا أن النجاح الذي حققه العقار الجديد مشجع جدًا. وتُجري الشركة حاليًا المرحلة الثالثة من دراسة لتسكين الألم الحاد، كما تُجري المرحلة الثانية من دراسة لتسكين الألم العصبي المزمن الناجم عن إصابات الظهر.

لقاح أفضل للإنفلونزا

لقد أثبتت الموافقة على لقاحات فيروس كوفيد-19 لشركة Moderna وشركتي Pfizer/BioNTech أن جرعات اللقاحات التي تعتمد تقنية mRNA قد تكون فعّالة وآمنة. ويحاول العلماء اليوم تجربة استخدام لقاحات mRNA للوقاية من كل شيء بدءًا بفيروسات الهربس وانتهاءً بالسرطان.

وفي حين أنه من المبكر التنبؤ باللقاح الذي سيُمنح الموافقة أولًا (في حال وجوده)، إلّا أن لقاحات الإنفلونزا تُعتبر رهانًا قويًا وذلك لأننا نملك بالفعل إمكانية التلقيح ضد فيروس الإنفلونزا وهناك مجال كبير لظهور لقاح أفضل.

لقد شاركت شركة Pfizer في تشرين الأول/أكتوبر عام 2023 البيانات الرئيسية للمرحلة الثالثة من تجربتها على لقاح mRNA للإنفلونزا قيد التطوير يُدعى (PF-07252220)، وأظهرت هذه البيانات أن جرعة اللقاح الجديد كانت فعّالة في الوقاية من أعراض الإنفلونزا لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عامًا مثل اللقاح المُرخّص سابقًا، إلّا أنه لم يُحفّز رد فعل مناعي قوي كما كان مرجوًا منه تجاه فيروس الإنفلونزا B المسؤول عن أقل من 25% من حالات الإنفلونزا.

في حين قدّمت شركة Moderna تحديثًا على نتائج المرحلة الثالثة من تجربتها على لقاح mRNA للإنفلونزا في أيلول/سبتمبر، معلنةً أن هذا اللقاح قد حفّز رد فعل مناعي أقوى من اللقاح المُرخّص سابقًا تجاه كلٍ من فيروسي الإنفلونزا A وB.

ولا تزال التجارب السريرية على لقاحات mRNA للإنفلونزا مستمرة، وحتى لو أثبتت التجارب أنّ فعّاليتها مساوية تقريبًا لفعّالية اللقاح الموجود أصلًا، إلّا أن هذه اللقاحات الجديدة قد تكون نعمة وذات فائدة كبيرة على الصحة العامة.

ونظرًا لأن تصنيع لقاحات mRNA لا يستغرق وقتًا طويلًا، فإنّه يمكننا الانتظار حتى وقت متأخر من العام لاختيار سلالة الإنفلونزا التي سنستهدفها، مما قد يزيد من فعّالية هذه اللقاحات في كل موسم إنفلونزا. كما أنه من الأسهل أيضًا صنع كميات كبيرة من لقاحات mRNA مقارنةً بلقاحات الإنفلونزا الموجودة، مما قد يسمح لنا بتلقيح المزيد من الأشخاص، وبسرعة أكبر في حال حدوث جائحة إنفلونزا في المستقبل.

  • ترجمة: عهد محروقة
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1