العلماء عن الحياة في الفضاء: إيجادها مسألة وقت لا أكثر!

العلماء عن الحياة في الفضاء: إيجادها مسألة وقت لا أكثر!

العديد من علماء الفلك ما عادوا يتساءلون إن كانت هناك حياة أخرى في الكون، فقد حل محله تساؤل آخر هو: متى سنجدها.

الكثير من العلماء متفائلون برصد إشارات للحياة في الكون السحيق خلال عمرنا، وربما في السنوات القليلة المقبلة. بل إن أحد العلماء -الذي يقود مهمة إلى المشتري- يقول إنه سيكون مفاجئًا ألا توجد حياة على أحد الأقمار الثّلجية للكوكب (المشتري).

كشف تلسكوب جيمس ويب الفضائيّ التّابع لوكالة ناسا حديثًا تلميحات مشجّعة لوجود حياة على كوكب خارج المجموعة الشمسيّة، وتوجد العديد من العوالم ضمن مجال رؤية التلسكوب.

تمثّل العديد من المهمّات الجارية أو التي على وشك البدء، سباقًا فضائيًا جديدًا للاكتشاف العلمي الأكبر على الإطلاق.

تقول الأستاذة كاثرين هيمانز Catherine Heymans، عالمة الفلك الملكيّة في اسكتلندا (لقب فخري حازته سنة 2019): «نعيش في كون لا نهائيّ، فيه عدد لا نهائيّ من النجوم والكواكب. وأصبح جليًّا للعديد منّا أننا لا يمكن أن نكون الحياة الذكية الوحيدة فيه… وصرنا نملك التقنية والقدرة للإجابة عن سؤال ما إن كنا وحدنا في الكون».

نطاق الحياة The Goldilocks zone

يمكن للتّلسكوبات اليوم أن تحلّل الأغلفة الجويّة لكواكب تدور حول نجومٍ بعيدة، باحثةًّ عن مواد كيميائية لا تنتجها إلا عضيّات حيّة- بالنسبة لكوكب الأرض على الأقل.

ظهرت الومضة الأولى لهذا الاكتشاف مبكرًا في شهر سبتمبر/أيلول 2023. إذ اُكتشفت علامة مرجّحة لغاز تنتجه عضيّات بحرية بدائيّة على كوكب الأرض في الغلاف الجويّ لكوكب يُدعى K2-18 b، الذي يبعد 120 سنة ضوئية.

يوجد الكوكب فيما يدعوه علماء الفلك «نطاق الحياة» وهي المسافة المناسبة التي يبعد فيها الكوكب عن نجمه لتكون درجة حرارة السّطح غير مستعرة أو قارسة، لكن مناسبة لتواجد الماء بشكله السّائل، الأمر الضروري لدعم الحياة.

صورة حاسوبية تظهر كوكب K2-18 b يدور حول نجم قزم بارد -يظهر باللون الأحمر- بمسافة تجعل درجة الحرارة مناسبة للحياة.
صورة حاسوبية تظهر كوكب K2-18 b يدور حول نجم قزم بارد -يظهر باللون الأحمر- بمسافة تجعل درجة الحرارة مناسبة للحياة.

يرجّح الفريق أن يتأكّد خلال سنة من حقيقة وجود تلميحات مشجّعة أو عدمها. يقول الأستاذ نيكو مادوسودان Nikku Madhusudhan من معهد الفضاء في جامعة كامبردج الذي يقود الدراسة، إنه إذا تأكّدت تلك التلميحات فإنها «ستغير طريقة تفكيرنا بشأن البحث عن الحياة بشكل جذريّ… إذا وجدنا ملامح حياتيّة على أول كوكب ندرسه، ستزداد احتمالية أن الحياة شائعة في الكون». ويتوقّع خلال خمس سنوات أنّه ستكون هنالك نقلة كبيرة في فهمنا للحياة في الكون.

وإذا لم يجد فريقه علامات حياتيّة على كوكب K2-18 b، فهناك 10 كواكب أخرى على قائمتهم ليدرسوها- وربما العديد غيرها فيما بعد. وحتى عدم إيجاد شيء «سيوفر رؤى مهمة لإمكانية وجود حياة على مثل هذه الكواكب» حسب تعبيره.

مشروع الأستاذ مادوسودان ليس إلا واحدًا من المشاريع العديدة الجارية حاليًا، أو المخطّط لإجرائها في السنوات القادمة، بحثًا عن ملامح حياتية في الكون. بعض هذه المشاريع يختص بالكواكب في نظامنا الشّمسي وأخرى تبحث أبعد في الفضاء السحيق.

الكواكب والتلسكوبات التي تدرسها.
الكواكب والتلسكوبات التي تدرسها.

على الرغم من قوّة تلسكوب جيمس ويب الفضائي فإنّ قدراته محدودة. مثلًا يدعم حجم الأرض وقربها من الشمس وجود الحياة عليها. لكن لا يستطيع تلسكوب جيمس ويب أن يكشف كواكب صغيرة كالأرض (كوكب K2-18 b أكبر من الأرض ثماني مرات) أو كواكب قريبة من نجمها بسبب الوهج.

لذا تخطّط وكالة ناسا لإنشاء مرصد العوالم الصالحة للسكن (HWO)، المقرر في ثلاثينيات القرن الحالي. وباستخدام حاجب شمسي عالي التقنيّة يقلّل من ضوء النّجم الذي يدور حوله الكوكب. هذا يعني أنه سيكون من الممكن تحديد كواكب تشبه كوكبنا ونمذجة أجوائها.

سيتوفّر أيضًا لاحقاً هذا العقد التلسكوب فائق الكبر ELT التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي، الذي سينظر إلى السماء الصّافية من أرض صحراء تشيلي. يحوي أكبر مرآة من أي أداة سبق صنعها، يبلغ قطرها 39 مترًا، وبالتالي يمكنه رؤية تفاصيل أكثر بكثير في الأغلفة الجوية للكواكب مقارنةً بأسلافه.

تستخدم كل التلسكوبات المحلّلة للغلاف الجوي الثّلاثة تقنيّة -استخدمها الكيميائيّون لمئات السنين- لتمييز العناصر الكيميائية في المواد عبر شعاع الضوء الصادر عنها (طيفها الضوئي).

وتلك التّلسكوبات خارقة لدرجة أنها تستطيع فعل ذلك من ضوء طفيف من الغلاف الجوي لكوكب يدور حول نجمه على بعد مئات السنوات الضوئية.

آلية كشف جو الكوكب عن طريق ضوئه.
آلية كشف جو الكوكب عن طريق ضوئه.

البحث قريبًا من الأرض

في حين يبحث البعض في كواكب بعيدة، هنالك آخرون يبحثون أقرب بكثير، في كواكب مجموعتنا الشمسية.

الأرض المُحتملة والأكثر تلاؤمًا مع الحياة تعود لأحد الأقمار الجليدية لكوكب المشتري، قمر أوروبا. إنه عالم جميلٌ به شقوق على سطحه تجعله شبيهًا بجلد النمر. ويوجد محيط أسفل السطح المتجلّد لقمر أوروبا، تنطلق منه أعمدة من بخار الماء إلى الفضاء.

ستصل مهمّتا كليبر التابعة لناسا وبعثة اكتشاف الأقمار الجليدية لكوكب المشتري (جوس) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية إلى هناك في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي.

التشققات في السطح الجليدي لأوروبا التي تجعله يشبه جلد نمر.
التشققات في السطح الجليدي لأوروبا التي تجعله يشبه جلد نمر.

بعد وقت قصير من الموافقة على مهمة جوس في عام 2012، سألت الأستاذة ميشيل دوجيرتي Michelle Dougherty، وهي العالمة الرائدة في البعثة الأوروبية، عمّا إذا كانت تعتقد أن هناك فرصة للعثور على حياة. فأجابت: «سيكون من المفاجئ عدم وجود حياة على أحد أقمار المشتري الجليديّة».

وترسل ناسا أيضًا مركبة فضائيّة تسمّى دراغون فلاي للهبوط على تيتان، وهو أحد أقمار كوكب زحل. إنه عالم غريب به بحيرات وسحب من مواد كيميائيّة غنيّة بالكربون والتي تعطي الكوكب سديمًا برتقاليًا غريبًا. ويعتقد أن هذه المواد الكيميائية، إلى جانب الماء، عنصرٌ ضروريّ للحياة.

منظر لتيتان التقطته مركبة الهبوط هويجنز التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية في أثناء هبوطها عليه.
منظر لتيتان التقطته مركبة الهبوط هويجنز التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية في أثناء هبوطها عليه.

يعد المرّيخ حاليًا غير مؤهّل لحياة للكائنات الحية، لكن يعتقد علماء الأحياء الفلكيّة أنّ الكوكب كان خصبًا ذات يوم، بغلاف جوي سميك ومحيطات وأنه كان داعمًا للحياة.

وتقوم المركبة الجوالة «بيرسيفيرانس» التّابعة لناسا حاليا بجمع عيّنات من حفرة كان يُعتقد أنّها كانت دلتا نهر قديم. وستحضر مهمّة منفصلة في ثلاثينيات القرن الحالي تلك الصخور إلى الأرض لتحليلها بحثًا عن حفريات دقيقة محتملة لأشكال حياة بسيطة اختفت منذ زمن طويل.

هل يحاول الفضائيّون التواصل معنا؟

يَعِدّ بعض العلماء هذا السّؤال من عالم الخيال العلمي وبعيد المنال. لكنّ البحث عن إشارات الراديو من عوالم غريبة استمرّ عقودًا من الزمن، لا سيما من قبل معهد البحث عن الذّكاء خارج الأرض (سيتي Seti).

يعدّ الفضاء مكانًا شاسعًا للبحث لذلك كانت عمليات البحث عشوائية إلى الآن. لكن قدرة التّلسكوبات، مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، على تحديد الأماكن الأكثر احتمالًا لتواجد الحضارات الفضائية، تعني أنه يمكن لمعهد سيتي أن يركّز عملية بحثه.

وذلك ما ضخّ المزيد من الزخم، وفقاً للدكتورة ناتالي كابرول Nathalie Cabrol، مدير مركز كارل ساجان لدراسة الحياة في الكون في معهد سيتي. طوّر المعهد عدّة التلسكوب ليستخدم الآن أجهزة تلتقط إشارات تواصل من نبضات ليزر قوية من كواكب بعيدة.

تتفهّم الدكتورة كابرول، كونها عالمة أحياء فلكية فذة، تشكيك بعض العلماء في بحث معهد سيتي عن إشارة من الفضاء.

لكنها تقول إن الطابع الكيميائي للأغلفة الجوية البعيدة، والقراءات المثيرة للاهتمام من التحليق بالقرب من القمر وأيضًا الحفريات الدقيقة من كوكب المريخ جميعها مُتاحة للتحليل.

تقول أيضًا إن البحث عن إشارة «قد يبدو أصعب الطرائق المتنوعة للعثور على علامات الحياة. لكنه كذلك الأوضح ويمكن أن تحصل في أي وقت… تخيّل تلقينا إشارة يمكننا فهمها حقاً».

قبل ثلاثين عامًا، لم يكن لدينا أي دليل على وجود كواكب تدور حول نجوم أخرى. والآن اكتشفنا أكثر من 5000 منها، والتي يمكن لعلماء الفلك وعلماء الأحياء الفلكيّة دراستها بتفصيل لم يسبق له مثيل.

يقول الدكتور شوبوجيت سارك Subhajit Sarker من جامعة كارديف، وهو عضو في الفريق الذي يدرس كوكب K2-18 b، إن الظروف مناسبة لاكتشافٍ سيكون أكثر من مجرد إنجاز علميّ مذهل؛ «إذا وجدنا علامات للحياة، ستكون ثورة في العلوم وستشكّل تغيرًا هائلًا في طريقة نظر البشريّة لنفسها ولمكانها في الكون».

  • ترجمة: نور علي عثمان
  • المصادر: 1