أعضاء الجسم تشيخ بمعدّلات مختلفة

تبيّنَ أنّ عمرَك الزمني مجرّد رقم في الحقيقة، وأنّ العمر البيولوجي لكلّ عضو من أعضاء جسدك هو الأكثر أهمية للتنبّؤ بخطر الإصابة بالأمراض.

يبدو الآن أنّ عدد أعياد الميلاد التي مررت بها (المعروفة باسم العمر الزمني)، أقلّ أهميّةً في تقييم صحتك من أي وقت سابق، إذ أظهرت دراسة حديثة أنّ أعضاء الجسم تهرم بمعدّلات مختلفة بصورة ملحوظة، وقد يتعارض العمر البيولوجي لكل منها مع عمر الشخص على الورق.

أشار بحث جديد نُشر في مجلة Nature، إلى أنّه من بين كلّ خمسة أشخاص بالغين أصحّاء وبعمر أكبر من 50 عامًا، يوجد شخص واحد يُعدّ متقدّمًا في السّنّ، أي لديه عضو واحد على الأقل يشيخ بمعدّل متسارع جدًا مقارنةً مع أقرانه، ومن بين كل 60 فردًا بالغًا، يوجد فرد واحد يمتلك عضوين أو أكثر يهرمان بسرعة.

يأمل الباحثون التوصّل إلى اختبار دم مستقبلي يمكّنهم من تحديد الأعضاء سريعة الشيخوخة، وهذا سيساعد الأطباء في معالجة المرض قبل بدء ظهور الأعراض، وبمحاولة تحقيق ذلك قام الفريق بقياس كمية البروتينات المرتبطة بالأعضاء، بما في ذلك الدماغ والقلب والأنسجة المناعية والكلى، إذ جمع عيّنات دمويّة لأكثر من 5500 شخص، جميعهم أصحّاء لا يعانون من أي مرض نشط، والمؤشرات الحيويّة طبيعيّة سريريًا، وذلك للبحث عن البروتينات التي نشأت من أعضاء معينة، وتمكّنوا من تحديد مصدر هذه البروتينات من خلال قياس نشاطها الجينيّ، إذ إننا نستدلّ على المصدر عند التعبير عن جينات البروتين أكثر من أربع مرات في عضو واحد، وبعد ذلك قام الفريق بقياس تراكيز آلاف البروتينات في قطرة دم، ووجدوا أن ما يقارب 900 منها (أي 18% تقريبًا من البروتينات المُقاسة) تكون خاصة بعضو واحد، ونستنتج من ذلك أنّ اختلاف هذه البروتينات عن التركيز المتوقع لعمر زمني معين، يشير إلى تسارع الشيخوخة في العضو المصدر، ويوضح ذلك طوني ويس كوراي، أستاذ علم الأعصاب في جامعة ستانفورد، وهو مؤلف مشارك في الدراسة الجديدة:

«يمكننا نوعًا ما تأكيد احتمال أن يأتي بروتين معيّن من الدماغ، ويصل بطريقة ما إلى الدم، فإذا تغيّر تركيز هذا البروتين في الدم، فمن المرجح أنه يجب أن يتغير من الدماغ، وهذا يوضّح لنا شيئًا عن كيفية تَقدّم الدّماغ في السّنّ»،

كما تمكّن الباحثون من تقدير الفجوة العمرية (أي الفرق بين العمر البيولوجي والعمر الزمني للعضو) من خلال مقارنة بروتينات محددة في أعضاء المشاركين في الدراسة، وبيّنت النتائج أنّ المشاركين الذين لديهم عضو واحدٌ على الأقل يعاني من تسارع الشيخوخة، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض وتزايد خطر الوفيات على مدى 15 عامًا تاليًا، فعلى سبيل المثال، شيخوخة القلب مؤشّر قوي على النوبة القلبية، كما أنّ من يعاني منها (أي من كان قلبه أكبر سنًا من المعتاد) يتزايد لديه خطر الإصابة بفشل القلب أكثر من الضعف، مقارنةً بأشخاص يتمتعون بشيخوخة قلب نموذجية، وبالمثل، فإنّ من لديه دماغًا سريع الشيخوخة يكون أكثر عرضة للتدهور المعرفي، ووُجِد أنّ تسارع شيخوخة الدماغ وجهاز الدوران يتنبأ بتقدم مرض ألزهايمر بنفس قوة البلازما -181 -Ptau.

(المؤشر الحيوي السريري الحالي للحالة).

كما تُعدّ الشيخوخة الشديدة في الكلى مؤشّرًا قويًّا لارتفاع ضغط الدم ومرض السكري.

يقول بول شيلز، بروفيسور في علم الشيخوخة الخلوية في جامعة Glasgow، وهو لم يشارك في البحث الجديد: «كانت الدراسة مدعومة بشكل جيد بمجموعة كبيرة، ولكن الفئة العمرية للأشخاص المشمولين كانت ضيقة قليلًا، وبذلك تكون قد تناولت فقط الأفراد الأكبر سنًا، أي لم تكن ممثِّلة لمسار الحياة بأكمله».

وبالحديث عن الشيخوخة البيولوجية التي أصبح قياسها عِلمًا متطوّرًا، لابدّ من التطرّق للنهج الرائد (الساعة اللاجينية)، الذي ابتكره ستيف هورفاث في بحث حيويّ تكنولوجي انطلاقًا من مختبرات Altos، وهو فحص تغيّرات الDNA لتحديد عمر الأنسجة بدقة أكبر من طرائق تقدير العمر البيولوجي الحالية.

وقد علّق ويس كوراي قائلًا: «عند تقدّم الإنسان في العمر، يبدأ الجسم بتجميع إشاراتٍ للDNA، يمكن أن تشير إلى عمر الخلية أو العضو، وهذا يسمح بتقدير العمر، أما الساعة اللاجينية فهي تقدّر عمر الكائن الحي، بأكمله بدلًا من تقدير عمر عضو معين».

وتابع ويس العمل مع زملائه على توسيع مسارات الشيخوخة التي حددها مايكل سنايدر (عالم جينوم في جامعة ستانفورد)، إذ طوّر في عمل سابق له أنماطًا عمريّة صنفت الشيخوخة في أربع مسارات متميزة: الكلى، والكبد، والجهاز المناعي، والاستقلاب العام، وبمساعدة ويس وزملائه اتسعت لتشمل المزيد من الأعضاء، وأجهزة الجسم.

يتوقع ويس كوراي أنّ هذا البحث قد يوجّهنا للبدء بالعمل من خلال إجراء اختبار دم بسيط، وبعبارة أخرى، اختبار يساعد في التنبؤ بأمراض مستقبلية، ويوضح بالقول: «قد يمّكّننا من البدء بالمعالجة والتدخل للإصلاح قبل أن يصاب الشخص بالمرض، وقد يمّكّننا أيضًا من عكس الشيخوخة المتسارعة أو إبطائها»، ويمكن القول إنّ هذا البحث جزء من مجال متنامٍ للتشخيص الشخصي (أي الخاص بفرد واحد)، الذي يستند إلى فكرة أن العديد من المؤشرات الحيوية لصحة العضو تساعد الأطباء على تحقيق العلاج المطلوب، إذ يستخدم الأطباء قياسات الدم تقليديًا لتحديد المرض في الجسم، وتشخيصه فقط بعد أن يتجاوز الفرد عتبة مؤشر معين، ولكن مع قياس واصِمَة البروتين يكون الاختبار أكثر حساسية.

يضيف ويس كوراي بالقول: «يمكنك فعلًا كشف ماهو شاذ أو غير طبيعي قبل أن تظهر لديك أي أعراض سريرية»، وأضاف ويس وزملاؤه هذا البحث في براءة اختراع تم تقديمها مؤخّرًا لشركتهم الناشئة Teal omics، وهي تركّز على العلاج الدقيق باستخدام اختبار العلامات الحيوية.

والجدير بالذكر، أنّ بعض الشركات تقدم بالفعل اختبارات الدم أو البول أو اللعاب، لتحديد العمر البيولوجي العام للفرد، ومقر أغلبها في كاليفورنيا.

يقول شيلز: «يوجد درجة من المبالغة فيما يمكن أن تفعله هذه الاختبارات، فلا يروي عضو واحد القصة الكاملة للشيخوخة، لأنّ عمليات التدهور مترابطة وتؤثر في الكائن الحي بأكمله، نحن نفهم الكثير عن عمليات الشيخوخة نوعًا ما ضمن المستوى الجزيئي، ولكن الكثير من العوامل التي تسبب اختلالًا مرتبطًا بالعمر لوظيفة العضو هي عوامل بيئية، أي أسلوب الحياة، والتلوث، وما تتناول من طعام، والميكروبات داخل الأمعاء، أي أن الاندفاع إلى الاختبار اللاجيني التجاري هو [هجمة الذهب]»، أما ويس كوراي فقد شبّه الجسم البشري بالسيارة: «إذا حافظت على أجزاء معيّنة، يمكنك إطالة عمر السيارة، وإذا كان جزء واحد لا يعمل بشكل جيد، فإنّ الأجزاء الأخرى ستبدأ بالمعاناة».

  • ترجمة: ريتا ابراهيم
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1