اكتشاف الرابطة المفقودة بين النجوم والثقوب السوداء للمرة الأولى والأضخم على الإطلاق
لاحظنا للمرة الأولى بشكل واضح ومباشر والأكثر روعة العملية الكونية التي تنتج النجوم النيوترونية والثقوب السوداء.
لاحظ علماء الفضاء من الانفجار الضخم الذي صدر من مجرة قريبة ظهور مجموعة جسيمات مجتمعة تجمع عدة سمات. لم يكن نوعها واضحًا، نجم نيوتروني أم ثقب أسود، ولكن النتائج الأخيرة أكدت أن انهيار لب النجوم الضخمة ينتج عنه أكثر الأجسام كثافة في الكون بانفجار خلاب لمكونات النجوم.
ويُعتقد أن الثقوب السوداء نجمية الكتل والنجوم النيوترونية هي محصلة لعملية واحدة.
إذ عند نهاية دورة حياة النجوم، يبدأ الوقود الذي يغذي النجم ويحافظ عليه ساطعًا بالنفاذ. ثم هناك سلسلة معقدة نوعًا ما من الأحداث، ولكن في النهاية سيقذف النجم مواده خارجًا وسينهار مركزه الذي لم يعد مدعومًا بالضغط الخارجي الموجود سابقًا والناتج عن مكوناته، وبالتالي سينهار النجم وينكمش تحت تأثير الجاذبية ليصبح جسيم فائق الكثافة. (يحدث ذلك في أغلب النجوم).
وتعتمد طبيعة ذلك الشيء على كتلته. إذ ستنتج النجوم الأصغر من ثمانية شموس قزم أبيض، وهو المصير المتوقع في النهاية للشمس نفسها.
أما إذا كان النجم يعادل من 8 إلى 30 من كتلة الشمس، فإن مركزه سينهار ليتحول لنجم نيوتروني يصل لحوالي 2.3 كتلة شمسية (هي وحدة كتلة تستخدم في علم الفلك، وهي تساوي كتلة الشمس).
وأما النجوم الأكثر ضخامة التي تزيد عن 30 مرة من كتلة الشمس فإنها تتحول لثقوب سوداء بكتلة نجمية (الثقب الأسود ذو الكتلة النجمية هو ثقب أسود تكون كتلته في نطاق كتلة النجوم نفسها، أي من حوالي 5 إلى 100 كتلة شمسية).
إن فهمنا لهذه العملية يعتمد بشكل كبير على مراقبة الأحداث الفلكية وما ينتج عنها. على سبيل المثال، تشع النجوم النيترونية في مجرة درب التبانة من بقايا انفجار النجم العظيم الذي وُلدت فيه، مثل نجم السرطان الشهير، أو نجم الفيلة النابض (والنجم النابض هو نوع من النجوم النيترونية).
نحن لم نر انفجارًا عظيمًا في مجرة درب التبانة لعقود. وحتى لو رأينا ذلك، فإننا لن نكون قادرين على رؤية ما بعد ذلك. إذ إن أقرب انفجار عظيم تم رصده كان لنجم انفجر في السحابة الكبرى للمجرة المجردة في عام 1987، حيث كان هناك الكثير من الغبار في المركز ولم نتمكن من رؤية البقايا المفترض أن تكون في الداخل. ولكن دعونا لا نهتم بتحديات مراقبة نتائج انفجار النجم الضخم الذي يبعد الملايين من السنوات الضوئية. أو كما اعتقدنا، إذ رُصِد النجم الثاقب SN 2022 jli لأول مرة العام 2023، حيث انفجر في مجرة حلزونية تسمى NGC 157، على بعد 75 مليون سنة ضوئية فقط. ونظرًا لأننا لا نعرف الكثير عن هذه العملية، تنبّه العلماء على الفور، مُحركين التلسكوبات نحو NGC 157 لمشاهدة كيف تألق النجم الثاقب، ووصل لذروته، ثم تلاشى في الأيام والأسابيع والأشهر اللاحقة.
هذه العملية عادةً ما تكون سلسة، وتنتج منحنى ضوء يتلاشى ليكون خطًا مستقيمًا تقريبًا.
لكن SN 2022 jli قام بشيء غريب. فبعد الوصول لذروته، لم يتلاش بشكل متساوٍ، وإنما كان هناك تغير تدريجي في السطوع. إذ خلال ال 200 يوم التي رصدها العلماء، زاد سطوع الانفجار الفائق كل 12.4 يومًا ليتلاشى تدريجيًا.
وقد كتب فريق بقيادة عالم الفلك ثوماس مور من جامعة كواينز في بيلفاست في ورقة علمية نُشرت العام 2023: «هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن تذبذبات دورية متكررة، خلال عدة دورات، في منحنى ضوء الانفجار الفائق».
والآن، تمكن فريق ثانٍ بقيادة عالم الفلك بينغ تشاين من معهد فيتسمان للعلوم في فلسطين من معرفة السبب.
إذ يعتقد علماء الفلك إن معظم النجوم ليست وحيدة، بل لديها نجوم مصاحبة لها. كما يُعتقد أن نجم SN 2022 jli كان لديه نجم رفيق، أحدهما نجا من الانفجار النجمي، وظل في المدار مع الجسيم المنفجر حاليًا.
لقد وجد تشاين وزملاؤه انفجارات من أشعة غاما وحركة للهيدروجين في المكان الذي وقع فيه الانفجار النجمي. وقد أظهر تحليلهم أن التغيرات في السطوع ناتجة على الأرجح عن تفاعل بين بقايا SN 2022 jli والنجم المرافق له. فعندما قذف SN 2022 jli مواده الخارجية، قام بتزويد النجم المرافق له بالهيدروجين.
وفي أعقاب الانفجار، يجلب مدار الكوكبين النواة المضغوطة المُخلّفة من خلال الغلاف الجوي المتضخم للنجم المرافق، حيث يمتص كمية كبيرة من الهيدروجين. ومع تفاعل هذا الهيدروجين مع البقايا، يسخن ويحدث اللمعان.
لا يعرف الباحثون ما إذا كان الجسم هو ثقب أسود أم نجم نيوتروني. ولكنهم واثقون من أنه أحدهما. وهذا يعني أن SN 2022 jli هو أول انفجار نجم ضخم مكّن علماء الفلك من رصد ظهور كائن مدمج لحظة بلحظة.
إنها ذروة عقود من الملاحظة والتحليل العملي والنظري. ومن هذه النقطة، فإن فهمنا للثقوب السوداء والنجوم النيوترونية لا يمكن إلا أن يتعزز.
يقول تشين: «إن بحثنا أشبه ما يكون بحل لغز عبر جمع كل الأدلة الممكنة. واصطفاف جميع هذه القطع معًا يقودنا نحو الحقيقة».
- ترجمة: وداد عنتر
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1