الجاذبية ليست موحدة بل تتباين جغرافيًا

تختلف جاذبية الأرض حسب المنطقة بدرجة كبيرة، كما هو مُوضح في خريطة شذوذ بوغور.

قد يكون قانون الجاذبية كونيًا، لكنها -الجاذبية- تختلف بشكل كبير حول الأرض. ويمكن أن تكون معظم العوامل الآتي ذكرها معللة رياضيًا، لكن علم الجيولوجيا المحلية يخرج عن المألوف، إذ تُظهر خرائط شذوذ الجاذبية (بوغور) تباينًا إقليميًا في الجاذبية.

التفاحة والشجرة

يتّسم كوكب الأرض بالغرابة، وتتمظهر هذه الغرابة بشكل خاص في جنوب إلينوي، إذ تبين خريطة شذوذ الجاذبية هذه، وجود تباين في ثلاث ولايات من الغرب الأوسط.

إن سقوط التفاحة من الشجرة كان بفعل الجاذبية، وهذا السقوط هو ما دفع بنيوتن إلى التساؤل عن سقوطها بشكل مستقيم، لكن “قانون الجاذبية العام” الذي صاغه (ونشر في عام 1687) يعتبر أقل اتساقًا بكثير مما نعتقد.

وبما أن الجاذبية تختلف حول الأرض، هذا يعني أن تفاحة نيوتن لها وزن مختلف نوعًا ما، وتختلف سرعة سقوطها في أجزاء أخرى مختلفة من العالم، ويُعْزَى ذلك لتظافر عدة عوامل:

أولًا_ بسبب تأثير خط العرض: حيث أن الأرض ليست دائرية الشكل تمامًا، بل هي مُفَلطحة بالقرب من (وأكثر تفلطحًا عند) القطبين وأكثر انتفاخًا عند خط الاستواء. وبالتالي، فإن المسافة من مركز الأرض إلى مستوى سطح البحر أكبر ب 13 ميلًا (21 كم) عند خط الاستواء منها عند القطبين. إن خط العرض الذي تتواجد عليه له تأثير على الجاذبية، حيث عند أقصى القطبين وخط الاستواء، فإن تفاحة نيوتن (وأنت) تزنان 0.5% في القطبين أكثر من خط الاستواء.

ثانيًا_ بسبب تأثير دوران الأرض: إذ أن هذا الاختلاف في الجاذبية بين القطبين وخط الاستواء يرجع جزئيًا إلى الجاذبية نفسها؛ كما أنه ناتج عن حقيقة أن الأرض تدور بشكل أسرع عند خط الاستواء.

المرتفعات غير المرئية

ثالثًا_ بسبب تأثير الارتفاع: حيث أن جاذبية الأرض تعتمد على بعدك عن مركزها، إذ تتضاءل الجاذبية مع الارتفاع ولكن بتأثير محدود إلى حد ما. إذا كنت على ارتفاع 16400 قدم (5 كيلومترات) فوق جبل، فإنك تزن 99.84% مما يمكن للمقاييس إظهاره عند مستوى سطح البحر.

رابعًا_ تأثير الشمس والقمر على المد والجزر: على الرغم من أن مد وجزر مستويات سطح البحر له آثار مرئية ومتكررة وهامة، إلا أن التغييرات التي يسببها في جاذبية الأرض هي بالفعل ضئيلة جدًا.

خامسًا_ التركيب الجيولوجي للمنطقة: إذ أن كثافة أنواع معينة من الصخور تؤثر على قوة الجاذبية، وتتميز المناطق ذات الكثافة الصخرية تحت السطحية بجاذبية أعلى من المتوسط، والعكس صحيح. وبينما تقوم الجبال بزيادة كثافة الجاذبية، تعمل خنادق المحيط على تقليلها، وعادة لا يتجاوز هذا التأثير ما نسبته 0.01%.

ويمكن تعويض العوامل السابقة رياضيًا، إلا أن الجيولوجيا المحلية هي التي تنتج تباينًا عشوائيًا في الجاذبية من النوع الموضح هنا.

وتوضح خريطة شذوذ الجاذبية (بوغور) تغيرات الجاذبية الناتجة عن تباينات الكثافة الجانبية في الأرض. وتبدو وكأنها خريطة تضاريس للارتفاعات غير المرئية والمنخفضات غير المحسوسة، وهي مجمعة معًا في الهضاب والقمم ذات الجاذبية الأعلى من المتوسط، إضافة للوديان والأحواض ذات الجاذبية الأقل من المتوسط.

الشذوذ العالمي

تعود تسمية “شذوذ الجاذبية بوغور” إلى اسم العالم الفرنسي (Pierre Bouguer 1698-1758)، وهو أعجوبة خلف والده كأستاذ في علم الهيدروغرافيا في سن 16. ومن جملة اكتشافاته العديدة حقيقة أن التباينات الإقليمية الصغيرة في مجال جاذبية الأرض يمكن أن تكون مرتبطة بالكثافة المتفاوتة للصخور الجوفية في باطن الأرض.

يتم التعبير عن القيم على هذه الخريطة “بالميليغالات”، أي 1/1000 غال (اختصار لغاليليو)، وهي وحدة قياس الجاذبية، التي تعادل 1 cm/sec²، وتحدث التغيرات الإيجابية (أي كثافة أكبر من المتوسط) في المناطق ذات اللون الأحمر، بينما توجد تغيرات سلبية (أي كثافة أقل من المتوسط) في المناطق الملونة بالأزرق.

ويبدو أن تفاحة نيوتن تزن في جنوب إلينوي أكثر مما تزن في المتوسط، وأقل قليلاً في وسط إنديانا وأجزاء كبيرة من أوهايو. في حين أن هذه الحالات الشاذة قد تفسر فقط الاختلافات في النقاط العشرية، إلا أن الاختلاف كبير بما يكفي ليكون له تأثيرات قابلة للقياس. إذ تسبب تغيرات في مد البحر في أماكن معينة، ما يصعب مزامنة القياس في هذه الحالة.

  • ترجمة: سليمان العبدلاوي
  • تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
  • المصادر: 1