هل تعاني من القلق؟ يمكن للفلسفة الرواقية أن تساعدك
كيف يساعد تخيل أسوأ سيناريو قد يحدث في التخفيف من القلق؟
الرواقية هي الفلسفة القائلة بأن لا شيء في العالم جيد أو سيئ في حد ذاته، وأننا نملك السيطرة على أحكامنا وردود أفعالنا تجاه الأشياء. لكن يعد من الصعب التحكم في ردود أفعالنا تجاه الأشياء التي تأتي بشكل غير متوقع. ويمكننا أن نتخلص من أسوأ ما يمكن أن تلقيه الحياة في طريقنا من خلال التأمل كل يوم، وذلك في «أسوأ السيناريوهات».
هل أنت شخص قلق؟ هل تتخيل أسوأ السيناريوهات ثم تصبح متوترًا وقلقًا بشأنها؟ هل يقع عقلك في دوامة كبيرة من القلق حتى بالنسبة إلى أصغر الأمور؟
يبدو إن القلق خاصة عندما نتخيل أسوأ السيناريوهات هو جانب شائع من الطبيعة البشرية، وهو أمر يقع فيه الكثير منا بسهولة، ويمكن أن يكون الأمر فظيعًا وربما خطيرًا عندما ننخرط فيه بشدة.
ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك حكمة قديمة قادرة على تقديم المساعدة. وتتضمن هذه الحكمة إعادة تشكيل عقليتنا بطريقة إيجابية، وهي تنبع من الفلسفة الرواقية، ويشار إليها باسم «التعمد»، وقد تكون الطريقة الأكثر فعالية التي يمكن تعلمها.
التطبيق العملي للفلسفة الرواقية
بشكل عام، تعتبر الرواقية فلسفة تعلمنا التحكم في أحكامنا وتصوراتنا.
ووفقًا للرواقيين، فإنه لايوجد شيء في الكون يمكن أن يكون جيدًا أو سيئًا، ذا قيمة أو عديم القيمةفي حد ذاته، إنما نحن من يضيف هذه القيم للأشياء. وكما قال هاملت في مسرحية هاملت لوليام شيكسبير: «لا يوجد شيء سيء أو جيد لكن التفكير يجعله كذلك».
تتمتع عقولنا بالقدرة على تصنيف الأشياء على أنها «جيدة» أو «سيئة»، وبما أننا نتحكم بعقولنا فيمكننا التحكم أيضًا في مشاعرنا السلبية.
بشكل آخر، تشير الرواقية إلى وجود فرق بين كيفية تجربتنا لحدث ما وكيفية تفسيرنا له. على سبيل المثال: إذا اتصل بك شخص ما ووصفك بالماعز ذو الرائحة الكريهة، فلديك فرصة، ولو كانت صعبة وصغيرة، للتوقف والتساؤل: «كيف سأحكم على هذا؟» وعلاوة على ذلك، يمكنك حتى أن تتساءل: «كيف سأرد؟».
يمتلك الإنسان القدرة على التحكم في الأفكار التي يستقبلها والإجراءات التي يتخذها. ومن المثير للاهتمام إننا نلاحظ تأثير الرواقية الكبير في العصر الحديث، ويمكن رؤيتها في الممارسة الفعالة للغاية ل «العلاج السلوكي المعرفي».
إذ يعتقد السياسي الروماني سينيكا، وهو أحد آباء الرواقية القديمة، إنه من الصعب للغاية السيطرة على الضربات غير المتوقعة التي تلقيها علينا الحياة.
قد يؤدي الشعور بالصدمة الناتج عن مصيبة غير متوقعة إلى إحساسنا بالعجز في التحكم في ردود أفعالنا. على سبيل المثال، قد يكون الشعور بالسطو أمرًا مرعبًا للغاية لأننا شعرنا سابقًا بإحساس قوي بالأمان في منزلنا.
إنّ آلام المعدة المفاجئة أكثر صعوبة من الشعور بالتشنج في جانبك بعد الجري لمدة ثلاثين دقيقة.
قد يفاجئك صوت عالٍ مفاجئ بینما ترسم الألعاب النارية البسمة على وجهك. قد تسبب النكسات غير المتوقعة ألمًا أكبر من المصاعب التي اعتدت عليها بالفعل.
كيف يمكن أن تتدهور الأمور؟
إذاً، كيف يمكن أن نجد حلًا لهذا الوضع؟ يقترح سينيكا ممارسة رواقية تعرف باسم «premeditatio malorum» أي «التعمد». إنه ينطوي على تخصيص وقت في بداية كل يوم لمعالجة وتهدئة أفكارنا القلقة والكارثية.
يجب أن نجهّز أنفسنا عقليًا للمواقف الصعبة مثل النفي والتعذيب والحرب والغرق، ومن المهم التفكير في احتمالية حدوث أسوأ الأمور الممكنة: قد يتركك شريكك، قد تُفصل من العمل، قد ينشب حريق في منزلك، أو قد تموت.
قد يبدو الأمر محبطًا، ولكن من المهم ألا نتوقف عند هذا الحد.
يُعدّ الرواقيون أنفسهم لكيفية الاستجابة لهذه المواقف عند ظهورها. على سبيل المثال، يطلب منا الفيلسوف الرواقي والإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس أن نتخيل جميع الأشخاص الأشرار والوقحين والأنانيين والغير مهذبين الذين قد نقابلهم اليوم، ثم ننشيء نص لكيفية الرد عليهم: يمكننا تجاهل لؤمهم، والرد بابتسامة على وقاحتهم، وعدم الإنخراط بأي شيء يقلل من قيمتنا، وبهذه الطريقة، نستعيد السيطرة على ردود أفعالنا وسلوكنا مرة أخرى.
يُلقي الرواقيون أنفسهم في أظلم وأكثر الظروف يأسًا، ومن خلال التفكير المسبق يدركون أنهم قادرون وسيتحملون. إذيكون الرواقيون مستعدين ولديهم القوة العقلية اللازمة لتحمل الصدمة ويقولون: «نعم، يمكننا التعامل مع هذا».
التفكير الكارثي كوسيلة للحصانة العقلية
يقول سينيكا: «في أوقات السلم، يقوم الجندي بإجراء تدريبات». وهذا ينطبق أيضًا على التفكير المسبق، والذي يعمل كغرفة عمليات حربية أو ساحة تدريب.
إذ تخفف الاستعدادات من الصدمة المؤلمة الناتجة عن الأحداث غير المتوقعة. فبالطريقة نفسها التي يمكننا من خلالها تدريب أجسامنا لتحمل النشاطات البدنية الشاقة، يمكننا أيضًا تدريب عقولنا لمواجهة أي اختبارات قد تحدث. لذا أيًا كان ما يواجهنا في العالم، فإنه لن يكون بمثل سوء ما تصورناه بالفعل.
تعلمنا الرواقية أن نتقبل أفكارنا القلقة ونراها كشكل من أشكال التحضير. مع تجهيزك للإفطار، حاول تخصيص خمس دقائق في التفكير في الكوارث بشكل متعمد، وأعدّ خطة للتخلص من القلق، ومن ثم واجه العالم.
- ترجمة: لمى القوتلي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1