بعد خمسة عشر عامًا في دراسة الوقت سأخبركم كيف تغير تصوّري نحوه بشكل كبير

الكثير منا لا يقدّر أهمية الوقت في حياته، نقسم حياتنا إلى وقت للعمل ووقت للعائلة ووقت شخصي، دون أن نفكر حقًا في الأسباب وراء هذا التقسيم.

الكثير من الناس لا يقدرون قيمة الوقت إلا عندما يمرّون بتجربة تجعلهم يدركون مدى قلة الوقت.

بدأ اهتمامي الشخصي بالوقت بعد إحدى التجارب التي تجعلك تشعر بأنّ الوقت يمضي بسرعة.

قبل ثمانية عشر عامًا، وأنا في الجامعة، كنت أقود سيارتي في طريق ريفي عندما انحرفت سيارة أخرى باتجاهي واصطدمت بسيارتي، لازلتُ أذكر بوضوح الطريقةَ التي تباطأ بها الزمن، وكأنه توقف في اللحظات التي سبقت اصطدام سيارتي بالسيارة القادمة، لقد بدا الزمن وكأنه توقّف تمامًا إذ أصبحت مرونة الزمن وقدرته على التمدّد والانكماش في ظروف مختلفة أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، ومنذ ذلك الحين أسَرَتني تلك التجربة.

لقد قضيت السنوات الخمس عشرة الماضية في محاولة الإجابة عن أسئلة مثل: ما الذي يجعل الوقت يبدو أبطأ في تجارب الاقتراب من الموت؟ هل حقًا يمرّ الزمن بشكل أسرع كلما تقدمنا في العمر؟ كيف تستوعب أدمغتنا الزمن؟

كانت محاولاتي للإجابة عن هذه الأسئلة غالبًا ما تشمل وضع الناس في ظروف قاسية، ومراقبة شعورهم بالوقت في تلك اللحظات.

تعرّضَ بعض المشاركين في تجاربي (مع أنها في الواقع الافتراضي) لصدمات كهربائية لإحداث الألم، وآخرون عبروا جسورًا متهالكة بارتفاع 100 متر، وبعضهم حتى قضوا 12 شهراً في عزلة في القارة القطبية الجنوبية، وكان الهدف الرئيسي من بحثي هو معرفة كيف تؤثر بيئتنا على إدراكنا للوقت.

وقت التفكير

علّمني هذا البحث أنّ مرونة الزمن مرتبطة بطريقة معالجتنا له، فعلى عكس الساعات التي تسجل الثواني والدقائق بدقّة تامة، يبدو أنّ عقولنا تفسر الوقت بطريقة تستجيب للعالم الذي يحيط بنا.

هناك ارتباطٌ وثيقٌ بين الطريقة التي يدرك بها دماغنا الوقت والطريقة التي يتعامل بها مع العواطف، يحدث ذلك لأنّ بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن التحفيز العاطفي والفيسيولوجي، تلعب دورًا في معالجة الزمن.

لذلك، عندما نشعر بالخوف أو الفرح أو القلق أو الحزن، يمكن لحالتنا العاطفية أن تؤثر على إدراكنا للوقت.

وهذا يمكن أن يجعل الوقت يبدو وكأنه يمر بسرعة أو ببطء، يبدو أنّ الوقت يمرّ بسرعة عندما نكون فرحين ومستمتعين ويمر ببطء عندما نشعر بالملل.

عندما نمر بلحظات عاطفية شديدة، يتغيّر إدراكنا للوقت بشكل كبير، ففي المواقف القريبة من الموت مثل حادث سيارتي على سبيل المثال يتباطأ الوقت حتى يتوقف، لا نعرف لماذا تُشوّه أدمغتنا المعلومات الحسّيّة في أثناء الصدمات.

التكيّفات القديمة

ربما تكون تشوهات الزمن آليّة طبيعية للبقاء والتكيف. يمكن أن يلعب فهمنا للوقت دورًا حاسمًا في كيفية رد فعلنا تجاه الخطر أو التحديات، لقد أظهر لي التفكير في الوقت أنّ ردود الفعل السريعة والعفوية قد لا تكون الأكثر فعالية في أثناء الأزمات، ويبدو أنّ تباطؤ الأمور يؤدي إلى نتائج أفضل بالنسبة لي.

بصفتي شخصًا مهووسًا بالوقت فقد خصّصتُ جزءًا كبيرًا من وقتي في التفكير في الوقت والزمن، قبل جائحة كوفيد-19 ربما كنت سأقول إنني أفكر بالوقت أكثر من أيِّ شخص آخر.

ولكن الأمر قد اختلف بعد الجائحة.

هل تذكرون تلك الأيام من الإغلاق، بدأ الوقت يمر بشكل غريب كما لم يحدث من قبل، الساعات أحيانًا تبدو كأسابيع والأيام تتداخل مع بعضها البعض.

كانت عناوين الصحف ووسائل التواصل الإجتماعي مليئة بفكرة أنّ فيروس كوفيد-19 قد أفسد احساسنا بالوقت، في الحقيقة لم يكونوا مخطئين، لقد لوحظت تأثيرات كوفيد على الزمن في جميع أنحاء العالم، وأظهرت الدراسات أنّ 80% من المشاركين شعروا ببطء الوقت خلال فترة الإغلاق الثانية في إنجلترا.

لم نعد قادرين على التحكم بكيفية تقسيم وقتنا، إذ تشابك وقت البيت مع وقت العمل مع الوقت الشخصي.

إنّ فقدان سيطرتنا على جداول أعمالنا جعلنا نولي اهتمامًا أكبر بالوقت.

يبدو أن الأفراد حاليًا أقلّ ميلًا لإضاعة الوقت في التنقل وأصبحت الأولوية للوظائف التي توفّر المرونة من ناحية المكان وساعات العمل.

يبدو أنّ الحكومات وأصحاب العمل لا يزالون غير متأكدين من كيفية التعامل مع الحالات الزمنية المتغيرة باستمرار.

ولكن الشيء الذي يبدو واضحًا أنّ فيروس كوفيد-19 غيّر علاقتنا بالزمن بشكل دائم.

كلما زاد إدراكك للوقت زاد إدراكك لمحدوديّته

لقد بلغت هذا العام سن الأربعين، التحق طفلي الأكبر بالمدرسة الثانوية، وبدأ طفلي الأصغر بالدراسة بالمدرسة الابتدائية، كانت هذه الأحداث بمثابة صحوة بالنسبة لي ففي عقلي لازلت في الثالثة والعشرين من عمري!

كيف يمكن أن أكون بمنتصف الطريق إلى الثمانين؟

هل هناك طريقة لإبطاء الوقت؟

معرفة أنّ أفعالي وعواطفي يمكن أن تؤثر بشكل عميق على إدراكي للوقت يخلق احتمالًا مثيرًا بأنّ يومًا ما قد أكون قادرًا على إدارة إدراكي للوقت.

أحيانًا أتساءل إذا كان بإمكاننا استغلال قدرة الدماغ على تغيير الزمن وإعادة استخدامه بطريقة ما حتى نتمكن من التحكم في كيفية ترجمتنا للزمن، ومن ثم تصبح زياراتنا لطبيب الأسنان تبدو كثوانٍ لا دقائق، وكذلك لن تنتهي العطلات بسرعة في لمح البصر.

مع أننا قد نكون بعيدين كثيرًا عن السيطرة على الوقت، إلا أنّ البحث الذي قمتُ به علّمني قيمة الوقت.

  • ترجمة: لمى القوتلي
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1