القيادة وفن الإدارة

منذ قرون مضت، اعتاد المديرون على الإدارة القائمة على السيطرة والتحكم. لذا، يفضل في يومنا هذا إدارة تمتاز بمزيد من السلاسة، والتأقلم، وأقل تحكماً، فالحقيقة تكمن في الحاجة إلى سلك الوسطية بين أسلوبي القيادة هذين.

وهذا المقال يطرح سبع عقبات يحتاج المديرون إلى إدارتها حتى يمكنم بذلك اختيار الأسلوب الأفضل للتأقلم مع المواضع المختلفة.

ففي السنوات الأخيرة، ذكرت المقالات السابقة أن الإدارة القائمة على السيطرة والتحكم قد “عفا عليها الزمن”، فقد “ولد” عصر الإدارة الجديد.

فعوضاً عن أمر الموظفين بما سيفعلون، يمكن للقائد طرح أسئلة مفتوحة.

وبدلاً من الالتزام بالخطة كما يقول الكتاب، يمكنهم إجراء التعديلات على أهدافهم مع ظهور معلومات جديدة.

وبدلاً من الكد في العمل، لا بد من اعتماد القائد الناجح على المعلومات لاتخاذ القرار في هذا الصدد.

لنقول أن أسلوب القيادة القديم ما هو إلا نمطي والآخر مستحدث.

وهنا يكمن التحدي:

ففي بيئتنا الحالية، يحتاج المديرون إلى أن يتقنوا الأسلوبين لإنجاح عملهم، فأي قائد ستقتصر إدارته على السلطة المنصبية سيقع في الكثير من المشكلات نتيجة للتغيرات التي تطرأ على السوق التجاري، والتكنولوجيا، وسوق العمل بصفة مستمرة لأن يكون النهج مستداماً، غير أن أحدهم يخفق في سعيه إلى الكمال، أو لا يتكلم ويكتفي بالإنصات فحسب، ويشارك، ولا يمكنه تولي السلطة، فسيعاني لأن يصل إلى الفعالية .

وفي الاستبيانات واللقاءات التي أجريناها مع مئات القادة على مستوى العالم، أزلنا الستار عن العقبات السبع الرئيسية التي قد تنبثق عن الإدارة القائمة على الأسلوبين النمطي والمستحدث لها.

فهذه العقبات تخلق التوتر الذي يرتسم على وجوههم ؛ لذا أزلنا الستار عن القدرات، والمهارات والسلوكيات التي يجب العمل بها من أجل تطبيقها في غير موضع، واصفين إياها، مع تحديد المخاطر الناجمة عن تجاهلها، والاستراتيجيات المراد تطبيقها لمواكبة الاتزان بين أسلوبي الإدارة.

العقبة الأولى: الخبرة والتعلم

بصورة نمطية، يبني القادة خبراتهم العملية بتطوير نوعٍ ما من خبرة عميقة وإظهار مستويات متزايدة من الكفاءة أثناء صعودهم السلم المهني. وافترضت المنظمات أنه بذلك ستقدم رؤية شاملة عن التداعيات من أمامهم، إلا أن القادة في النهج المستحدث عليهم بتقبل محدودية خبرتهم المتخصصة (في بعض الحالات عقيمة)، ومن ثم التفتح للتعلم من الآخرين.

وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالمعرفة الرَّقميَّة، حيث قد يكلف الكثير من القادة بمهام الإشراف على التحولات الرقمية وهم في الأساس ليسوا على دراية بها.

فإن لم يتم التغلب بكل حكمة على هذه العقبة، فسيكونون عرضة لاتخاذ قرارات خاطئة.

فالسيد “تيم ويسترغرين”، المؤسس المشارك لمنصة “بندورة” الإذاعية كان قادراً على الجمع بين النهجين. فكان يعتقد أن مفتاح النجاح الأساسي هو الجمع بين المعرفة العميقة عن الصنعة التي يعمل به، ومن ثم التفتح على التعلم من الآخرين عما صدر جديد في التكنولوجيا والاتجاهات الجديدة.

فقبل “بندورة”، عمل “ويسترغرين” موزعاً للأصوات وملحنا على مدار عقدين تحت مسمى “بندورة ميديا”، والذي يعني باكتشاف الموسيقى والممهد لفكرة مشروع “الجينوم الموسيقي”، أحد نجاحات بندورة، إلا أن المنصة تحولت إلى نموذج للأعمال المجاني، والذي يمهد الأرض للمزيد من المعرفة والرؤى التي يمكن اكتشافها من العملاء والموظفين.

العقبة الثانية: الثبات والتأقلم

يقيم النهج النمطي للقيادة مدى القناعة والثبات عند اتخاذ القرار؛ فالقادة الناجحون “ثابتون على قرارتهم”، فيما يحدد المستحدث البيئات التي تطرأ عليها التغيرات سريعاً، ففي هذه الحال يجب التراجع والتأقلم للاستجابة إلى المعلومات التي تكون بمثابة نقطة قوى، لا ضعف. لذا، إن لم تتم إدارة العقبة بكل حكمة، فسيبدو على البعض الصرامة، أو ضعف الشخصية على البعض الآخر.

باكراً من حياته، اتخذ “جيم وايتهيرست”، المدير التنفيذي المسؤول عن شركة “ريد هات” للبرامج ذات المصدر المفتوح، قراره في أن يطلق منتجاً لم يتماش مع سياسة الشركة. فلا شيء يدعو إلى الدهشة، عندما لم يحقق المنتج النجاح المرجو، ولكن لحسن حظه أنه مهد الأرضية اللازمة لتوفير أساس صلب وآمن لفريقه وصرح بالخطأ الذي وقع فيه،مما شجع زملاءه وموظفيه على النهوض والبدء من جديد.

العقبة الثالثة: الخطط والرؤى

يكمن النهج التقليدي للقيادة في الوضوح التشغيلي وأهداف واضحة المعالم، بينما يستعرض المستحدث رؤى واضحة عن الأهداف التي يريدون تحقيقها دون الاحتياج إلى خارطة طريق ملموسة لتحقيقها.

وإن لم يتم النظر في هذه العقبة بوضوح، سيزال الهدف الذي لاطالما يرون تحقيقه “صعب المنال”. فإذا لم يتم تأسيسها، على الجانب الآخر، على أرض الواقع، فإنها ستخدم أهدافا نبيلة، أو غير واقعية، أو غير ملموسة.

يعتقد “فان نارسامهان” أن التحليل التنبؤي والذكاء الاصطناعي سيحدثان ثورة على مستوى العناية الصحية. لذا، استثمر في الذكاء الاصطناعي، متحدياً مختلف المعوقات التي قد تواجهه من أقسام عدة في الشركة لإيجاد أفضل السبل لنشر التكنولوجيا، إلا أن معظم الفرق رحبت بتلك المبادرة، ولكن “ناريسمهان” قد لاحظ غير ذلك حيث وجدوا صعوبة في الربط بين الذكاء الاصطناعي بحياتهم اليوميَّة. لذا، اهتم عن كثب بالعمليات اليومية التي تحتاج إلى حدوث “نقلات أكبر وأعمق” من أجل تحقيق النتائج المرجوة على صعيد المنتجات الصيدلانية . فطبق الجمع بين التحليل التنبؤي والذكاء الاصطناعي في قلب العمل لدى الشركة كأحد الأهداف الأولى الملموسة للشركة، وبعدها أطلق أداة للإشراف بالكامل على 500 تجربة سريرية في وقت قياسي، والذي قد يمتد تطبيقهما في مجالات أخرى كالتصنيع والشئون التنظيمية .

العقبة الرابعة : الاستماع والتكلم

يأمر النهج التقليدي للقيادة بأمر القادة لموظفيهم على ما يجب أن يفعلوه وكيف سيفعلوه، في حين أن المستحدث يقيم مدى استماعك عن كثب للآخرين قبل اتخاذ القرار. وإن لم تتم إدارة الموقف في حالة كتلك بكل حكمة، فإنك-كقائد- ستضيع فرص الاستماع إلى المعلومات المهمة التي تكمن بداخل كل عضو من أعضاء الفريق الذي يحيطك.بل على النقيض إن امتنعت عن طرح وجهة نظرك حول ما قالوه موظفوك، فستضيع فرصة تطبيق معلوماتهم الثمينة على أرض الواقع.

لعبت “أنجيلا أهيرانت”، المدير التنفيذي السابق ل”بيربيري”، دورها في طرح وجهة نظرها عن ماركات الموضة وصيحاتها التي قد تتناسب مع المتسوقين من جيل الألفية الحالية للثبات على وضع “بيربيري” في السوق. وعند اتخاذ قرارت عملية محددة في هذا الصدد، فإنها استلهمت الأفكار والآراء من شتى الفئات العمرية، مما قاد الشركة نحو تحقيق أرباح مضعفة خلال فترة ولايتها.

العقبة الخامسة: المتشبث بالسلطة مقابل متقاسمها

يوضح النهج التقليدي أنه على الرؤساء الترأس من القمة، واتخاذ القرارات، ومن ثم العمل بها باستقلالية،. في حين يقيم المستحدث مدى تشجيع الرؤساء لمرؤوسيهم. وإن لم تستطع -كقائد- الإدارة في هذه الحالة بحكمة، فإنك ستتسبب في إبعاد النماذج ذات المواهب الواعدة وتهميشها، بل يمكنهم التخفيف من وطأة السلطة بمشاركتها على أوسع نطاق.

تولى “ماريو بيزاري”، المدير التنفيذي لـ”جوتشي” الممنوحة إليه بإدارة القسم المالي من الشركة، بينما ينطلق “أليساندرو ميشيل”،المدير الإبداعي للشركة، بعنانه ليركز فحسب على الأفضل، التصميم، إلا أنه يعلم متى يشجع، ليهيء بذلك الجو لجيل الألفية من الموظفين لطرح أفكارهم للفريق التنفيذي العملاق حول الموضة.

العقبة السادسة: المنطق البديهي والمحلل

يقول النهج التقليدي أن القادة يصنعون “خبيراً” لاتخاذ قرارت بديهية، في حين المستحدث يرى أن القادة عليهم باتخاذ قراراتهم بناء على البيانات بصفة كبرى. وإن لم تعالج هذه العقبة بحكمة، فإن قرارتك سيشوبها الانحياز أو يعفي عليها الزمن، ولكن على الجانب الآخر لا تغفل عن بوصلتك الداخلية التي قد تزودك بالرؤى القيمة النابعة عن الخبرات الماضية.

تدافع “بابرا كوبولا”، مدير التزامات الديون المضمونة، في “إيكيا” عن أهمية صنع القرار المستند إلى البيانات مع توحيد البيانات عالميا، مع منح المناطق المجال الأكثر ابتكاراً لتناسب أسواقها المباشرة. ولأن البيانات وبعض المعايير موحدة عبر المناطق، فيمكن مقارنتها بسهولة مع غيرها من المناطق على الصعيد العالمي. فخطة المقارنة الموحدة تعكس صورة كاملة عن الحدس البديهي الممهد لكل الاختراعات التي قد تمتد عبر التجربة أو على مستوى النفوذ على الصعيد العالمي.

العقبة السابعة: التسريع والمثالية

يشدد النهج التقليدي على أن الرؤساء يجب أن يستغرقوا وقتاً لتسليم منتج كمالي، في حين الآخر يحثهم على تقدير العمل الذي تم إنجازه في أسرع وقت، وسرعة الإخفاق أهم بكثير من القيام بالعمل على أكمل وجه. إن لم تتم إدارة الموقف بحكمة، فإنك -كقائد- ستتعرض إلى خطر التقاعس عن تنفيذ المبادرات الأساسية أو الموجهة خشية من اللامثالية. غير أنه عليك بأداء المبادرات أولاً دون التركيز المكثف عليها وإجراء الاختبارات؛ لأن ذلك سيؤدي إلى الوقوع في نتائج محرجة.

إن “تشارلوت لندسي كيورتيت”، مدير التحول والبيانات الرقمية بجمعيات الصليب الأحمر الدولية، تسعى إلى تطبيق نهج لا تشوبه شائبة يعتمد على الخصوصية حسب التصميم من أجل حماية هوية اللاجئين، لكنها أدركت طرقاً أخرى من أجل وصلهم بعائلاتهم عن طريق السبل التكنولوجية كالقياسات البيومترية لسرعتها كعامل مهم في لم شمل العائلات.

إذن، ما الذي يمكنه للقادة فعله للكشف عن هذه العقبات؟

عليهم بتحسين كفاءاتهم،لا بالاستمرار على نهج واحد فحسب، بل يكمن ذلك في براعتهم التي عليهم أن يطوروها في النقل بين النهجين حسب الوضع . فلا يجب أن تقدر التنفيذ على أساس المستوى العقلي والسلوكي لتنفيذ هذا الشيء، بل يمكن تحقيقه بمزيد من الجهد و الوعي الذاتي و فهم الطبيعة الإنسانية خطوة مهمة.

أين تجد موضع راحتك؟

ما هو موضعك الافتراضي؟ في العالم الرقمي، يجد القادة انطباعات ورؤى عن أنفسهم من خلال برامج التقييم ذات الوقت القياسي، أو عن طريق المنتديات عن بعد حيث يمكن للأعضاء نشر التعليقات أو الإفادة بتقييمهم.

تعلم، تأقلم، وشارك. فعندما يدرك القادة اتجاهاتهم، فإنه بذلك سيعملون على بناء ملف لهم تكمن فيه سلوكياتهم الصغيرة من أجل معالجة العقبات التي تحول دون الإدارة الجيدة. وهذه العملية يمكن تعزيزها بتدريب رسمي. وربما يمكن ذلك عن تدريب بشري أو آلي كـ”جولت آي” (Jolt.ai).

الوعي السياقي: وهو أن تصبح قائدًا أكثر فاعلية لا يعني بتوسيع نهج القيادة الحالي للفرد لدمج سلوكيات جديدة، ولكن معرفة متى يجب التركيز أكثر على جانب واحد أو أكثر من المشكلة، وهذ يستلزم كل من الذكاء العاطفي والوعي السياقي، ويأتيا مباشرة من القائد أو البيئة المحيطة. ومن خلال برنامج كـ الرقابة العكسية يستطيع القادة الاعتماد على التنوع الذي يحتويه سوق العمل من أجل تقديم المشورة السليمة عن تفضيل نهج عن آخر.

  • ترجمة: زينب محمد حسين
  • تدقيق علمي ولغوي: بلال سلامة
  • المصادر: 1