لماذا يصبح العالم أكثر جنوناً وكيف يمكننا إنقاذ عقولنا؟!

إن السرعة التي تتقدم فيها الحضارات أصبحت تفوق قدرة الإنسان العصري على المواكبة، وقد سببت ما يدعوه جيمي ويل (كاتب كتاب استعادة نشوة الطرب، ومؤسس مشروع الجينوم التقدمي، ومضيف إذاعة الرؤى المتعددة) بانهيار وفقدان المعنى والغاية من الحياة.

بالنسبة للكثيرين فإن تصنيف معاني الحضارة، المعنى 1.0 (المنظمة الدينية) والمعنى 2.0 ( الليبرالية العصرية)، لم تعد كافية لمنح البنية والدليل الإرشادي الذي اعتدنا الاستناد عليه في التطور الحضاري.

قال ويل: “يمكننا تشبيهها بالسياج، فهذه الأشياء التي اعتدنا النظر عبرها بحثاً عن الأمان والاستقرار قد تلاشت”. “فإذا كنا قد مررنا ب انهيار في المعنى الذي بنيناه كيف يمكننا الشروع في استعادته؟”

ومن أجل الوصول للمعنى 3.0 الذي وصفه ويل بأنه مزيج بين الدين التقليدي والليبرالية الحديثة من دون الوعد بوجود مخرج؛ فنحن بحاجة للتركيز على ردم تلك الهوة، بإعادة ربطنا بالإلهام، وتعزيز الاتصال فيما بيننا.

جيمي ويل: إنه من السهل نسيان الحقيقة أننا لسنا سوى قرود بملابس، فإذا ما نظرت للحياة على كوكب الأرض وقمت بضغطها وتمثيلها ب يوم، 24 ساعة، فإن الانسان الحديث يظهر قبل أربع ثوان من منتصف الليل، والرسومات الكهفية قبل ثانية واحدة من منتصف الليل، فقد كنا ندير الحضارة بجزء من الثانية.

فكل شيء يتبع تغيراً أسياً، بدءاً من التعليم للحوسبة الكوانتية، والعملات المشفرة، ووسائل النقل، والاقتصاد العالمي، والعلوم السياسية، والأزمة المناخية، وصولاً لكل شيء.

وهذا من شأنه أن يحطم أدمغتنا ويجعلنا غارقين، فنحن ننهار بالحزن والبؤس، وكأن السياج وهذه الأشياء التي اعتدنا النظر عبرها بحثاً عن الأمان والاستقرار قد تلاشت.

فإذا كنا قد مررنا ب انهيار في المعنى الذي بنيناه كيف يمكننا الشروع في استعادته؟!.

أنا جيمي ويل مؤسس مشروع الجينوم التقدمي، وكاتب كتاب “استعادة نشوة الطرب”: إعادة التفكير بالخالق والجنس والموت في عالم فاقد لعقله”، هذا الانهيار في المعنى الذي نواجهه وأعتقد أنك تستطيع على الأقل المناقشة بأننا في منتصفه الآن، يعتبر معقد ومتعدد العوامل.

قد مررنا بانهيار في كل من الدين المنظم التقليدي (الذي يمكنك أن تدعوه بالمعنى الأول 1.0)-وذلك لأول مرة في التاريخ، وبالرهبان، والروحانيات غير الدينية “التي لا تعتبر من أي مما ذكر سابقاً”، إنه أكبر تيار ديني وأكثرها نمواً في أمريكا الشمالية، وهناك تزايد في الجماعات التي تظن بأن: “تلك القصص والرموز وطريقة الخلق لا تتماشى مع هويتي، ولا تتماشى مع خياراتي، ولا حتى مع مجتمعي”.

إذاً التنظيم الديني لم يعد مكاناً للجوء إليه، وفي نفس الوقت الليبرالية الحديثة قد أصبحت أيضاً متخلخلة قليلاً وهي تمثل المعنى الثاني 2.0.

تخيل معي برج العاج الأكاديمي أو وسائل الإعلام أو مجالات العمل الكبيرة، وحتى الشركات العملاقة والرائدة حتى بالإضافة لمجال الطب، ويمكنك التوقف هنا أو المضي قدماً بالعد واحدة تلو الأخرى، وعندها ستبدو مذهولاً فأولئك السكسونيين قد تخلوا عن أمريكا الوسطى منذ عام 2008، فمثلاً ميكنزي قد ساعدت شركة بردر للأدوية ببيع المزيد من عقار الأوكسيكونتين بعدما توضحت أثاره السلبية.

صحيفتي نيويورك تايمز و وول ستريت، اللتين اعتادتا أن تكونا صحف الأرقام القياسية.. إنها الآن تنهار، ويحصل نفس الأمر مع الأطباء، والعثرات في المراجعات التنافسية، ومع هذه الأزمة المتضاعفة، وبشكل أساسي كل شيء قد شاهدته على منصة تيد ربما يكون غير واقعي.

لذا كل المصادر التي اعتدنا أن نتخذها كقواعد أو إشارات خضراء أو اختصارات لاتخاذ القرار، كانت قد تلاشت، لذلك في هذا الانهيار الذي نمر به نحن نصبح أكثر انحيازاً لجانب واحد وأكثر افتراقاً عن الجانب الآخر.

فنحن نعاني من أوبئة، من خيبة الأمل، ونعاني من انكسار حقيقي، أعتقد أنه يمكنك اعتبار سبب رؤيتنا لهذا الانبثاق في نظريات المؤامرة بين كل الشعوب.

“وهل يمكن لأحد منكم أن يوضح لي كل هذه الأمور الغريبة والمبهمة”، فهل يمكنك أن تعطيني خاتمة سعيدة، وتخبرني بأنني أحد الأشخاص الجيدين، وتعدني بأن تنقلني للجانب الآخر، كما مئات آلاف الناس هذه الأيام يقدسون تلك الوعود، التي تعتبر أيديولوجيات خيالية.

ويمكننا رؤية نماذج عنها مثل منظمات الجهاد الاسلامية أو الصهيونية المسيحية، ولكنني أعتقد أنه من المهم التنويه بأن كل تلك الأفكار قد بدأت ب وول ستريت وسيليكون ڤالي.

كل تلك الأيديولوجيات الخيالية تتشارك نفس البنية والمبادئ:

رقم واحد: العالم الذي نعيش به يحتاج للإصلاح.

رقم اثنان: هناك خاتمة وشيكة الحدوث.

رقم ثلاثة: كلما تقدمنا اتجاه تلك الخاتمة فأنا وممتلكاتي، الشخص المختار، والمحفوظ من الإثم، سيحصلون على تذكرة ذهبية للعبور إلى الجانب الآخر.

رقم أربعة: لننطلق للوصول بأسرع ما يمكن، ولا تقلق على الضرر الذي سنلحقه بالعالم خلفنا.

والسؤال هو كيف تمكنا من بناء تلك البنى الليبرالية، التي تمكن الناس من جميع أنحاء العالم أن تنخرط بها وتستثمر بها وتعدلها لتناسب تطلعاتها لإيجاد معنى لهذه الحياة، لتجنب انقلابها رأساً على عقب.

إذا أردنا ابتكار المعنى الثالث 3.0 الذي يعتبر مزيجاً ما بين الدين التقليدي والليبرالية الحديثة فكيف يمكننا تضمين الخلاص الموعود من قبل الدين وما تلتزم به الليبرالية الحديثة.

نحن نحتاج اولاً للشفاء والإلهام والترابط، من كل من الجانب الليبرالي الحديث حيث نرغب به أن يكون مفتوح المصدر ومتاح للجميع وفي كل مكان ونحتاج لأن يكون قابلاً للقياس، إضافة لكونه رخيصاً جداً أو حتى مجاني، وثالثاً أن يكون مقاوماً وغير هش، ولكن كما قال مايك تايسون “كل شخص منا يمتلك خطة يمشي عليها حتى أن يسقط، أليس كذلك”، لذلك فإن فكرة المقاومة، أنه كلما تعمقنا أكثر كلما أصبحنا أكثر قوة، وأكثر ترابط، وأكثر تأثيراً في مكان تتدهور فيه الأشياء من حولنا.

إذا أردت أن تقوم بأشياء يمكن للجميع الوصول إليها والتأثر بها، ابدأ من مسارات التطور مثل التنفس، التجنيس، التجسيد، والمواد الفنية كالموسيقا.

يمكن لأجسامنا وجهازنا العصبي أن تكون أدوات قوية الفعالية للتخلص من الصدمات، وتحقيق حالة من الرقي والإلهام، بجلبنا لهذا النموذج الفكري نحن ندعم غايتنا.

وذلك يمكن أن يكون الأمل للوصول إلى المعنى الثالث 3.0، حيث لا وعد بوجود مهرب، ولا وعد بوجود خاتمة جيدة مختلفة كلياً عما نعيشه الآن. فنحن بحاجة أدوات للتغلب على مشاكلنا، وأدوات لإعادة الاتصال مع الإلهام، مثل لماذا نحن هنا وما هو معنى الحياة، وأدوات لنرتبط مع بعضنا بشكل أفضل، وإن تمكنا من القيام بذلك عندها يمكننا أن نستعيد زمام افتراقنا، ونستعيد نعمنا، واطمئناننا، وانتماءنا وشغفنا وأخيراً.. القصة التي تلخص من نحن وإلى أين نحن ذاهبون، والتزامنا بأن نستكشف سويةً ما الذي نفعله هنا والآن.

  • ترجمة: حيان الحكيم
  • تدقيق علمي ولغوي: نور الحاج علي
  • المصادر: 1