القوى الدافعة للتطور ليست عشوائية كما نعتقد

تعني الطبيعة العشوائية للتغيير الجيني أن التطور لا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير.

ولكن تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذا قد لا يكون صحيحًا بالكامل، إذ تلعب التفاعلات بين الجينات دورًا أكبر من المتوقع في تحديد الكيفية التي يتغير بها الجينوم.

ومن المعروف أن بعض مناطق الجينوم أكثر عرضة للتغير من غيرها، ولكن تشير دراسة جديدة إلى أن التاريخ التطوري للأنواع ربما يؤدي دورًا في جعل الطفرات أكثر قابلية للتنبؤ بها أيضًا.

يقول ‘جيمس ماكنِرني James McInerney’ عالِم الأحياء التطوري في جامعة نوتنغهام: «إن الآثار المترتبة على هذا البحث هي في الواقع تأثيرات مختلفة جذريًا، وبإثبات أن التطور ليس عشوائيًا كما كنا نظن، فتحنا الباب أمام عدد كبير من الاحتمالات في البيولوجيا التركيبية والطب وعلم البيئة».

استخدم عالم الأحياء ‘آلان بيفان Alan Beavan’ من جامعة نوتنغهام وزملاؤه القوة الحسابية للذكاء الاصطناعي للتحقيق في أكثر من 2000 جينوم كامل لبكتيريا الإشريكية القولونية.

إن البكتيريا خادعة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بتغيير حمضها النووي، فهي بارعة إلى حد ما في سرقة الجينات من بيئتها ودمجها مع جينومها. وتمنح هذه العملية -التي تعرف باسم النقل الأفقي للجينات- البكتيريا القدرة على الوصول بسهولة إلى صفات جديدة، مثل: (تجنب المضادات الحيوية بدقة دون الانتظار المزعج حتى يتم الاختيار للعمل عبر الأجيال المطلوبة).

ومن المثير للفضول أن الجينات المنقولة أفقيًا -التي تنتمي إلى ذات المجموعة الأساسية- يمكن أن تنتهي إلى مواقع مختلفة من جينوم البكتيريا. تمكن الباحثون من خلال التحقيق في الجينات الأفقية في أماكن مختلفة من رؤية كيف أثرت البيئة المباشرة للجينات عليهم، كما تمكنوا من اختبار التجربة الفكرية لعالم الأحياء التطوري الشهير ‘ستيفن جولد Stephen J. Gould’ التي تنص على: “إن إعادة عرض شريط من التاريخ التطوري من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة مختلفة لا يمكن التنبؤ بها في كل مرة، لأن مسارات التطور تعتمد على أحداث لا يمكن التنبؤ بها).

إذا كان هذا صحيحًا، فإن جينوم البكتيريا سوف يستمر في التطور بشكل عشوائي بعد الحصول على جين أفقي جديد.

ولكن وجد الذكاء الاصطناعي أنماطًا من القدرة على التنبؤ عبر هذه الآلاف من إعادة تشغيل الشريط، بعد أحداث اكتساب الجينات هذه.

توضح عالمة الأحياء المجهرية ‘ماريا روزا دومينغو سانانيس Maria Rosa Domingo-Sananes’ من جامعة نوتنغهام: «وجدنا أن بعض عائلات المورِّثات لم تظهر قط في الجينوم عندما كانت عائلة مورِّثات أخرى موجودة فيه، وفي حالات أخرى كانت بعض المورِّثات تعتمد إلى حد كبير على وجود عائلة مورِّثات مختلفة».

وبناءً على هذا فإن تاريخ الجينوم الذي يعادل الجينات التي كان يمتلكها في ذلك الوقت، قادر على تحديد الجينات التي سوف يمتلكها أو لا يمتلكها في المستقبل. ولقد رأينا من قبل تلميحات لهذا من خلال جينات تتمركز فيزيائيًا على جزيئات جينية يتم فقدانها أو اكتسابها معاً -جينات مترابطة- ولكن كان يحدث هذا أيضًا مع جينات لا ترتبط فيزيائيًا بجينوم البكتيريا.

يؤكد بيفان والفريق في بحثهم: “بعض جوانب التطور حتمية، أي أنها من المرجح أن تحدث خلال كل مرة نعيد فيها تشغيل الشريط. يمكن التنبؤ بوجود الجينات أو غيابها فقط على الجينات الأخرى في الجينوم، على سبيل المثال قد يتنبأ الجين الافتراضي A بوجود الجين B فقط في غياب الجين C”.

هذا لا يكسر قاعدة الطفرات العشوائية؛ بل إن قوى الانتقاء الطبيعي تعمل على المستوى الجزيئي أيضًا، وهو أمر لم يكن لدينا القدرة الحاسوبية لنراه بالكامل حتى وقت قريب.

في الأساس إن الجينوم نفسه هو النظم البيئية المجهرية الخاصة بها، والتي من خلالها يمكن للجينات أن تساعد أو تعيق بعضها البعض. لذا في حين أن إعادة لف هذا الشريط لتطور E. Coli سيكشف عن مسار تطوري مختلف في كل مرة، سيكون هناك أيضًا مئات أو آلاف الأحداث المتوقعة، مع أنماط واضحة تظهر عبر المشاهدات المتكررة.

يوضح بيفان: «من خلال هذا العمل، يمكننا أن نستكشف مثلًا المورِّثات التي تدعم مورِّثًا مقاومًا للمضادات الحيوية. ولذلك، إذا كنا نحاول القضاء على مقاومة المضادات الحيوية، يمكننا أن نستهدف ليس فقط الجين المركزي، بل والجينات الداعمة له أيضًا».

  • ترجمة: حنان الميهوب
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1