لماذا قد تشعر بالاكتئاب والقلق حين تمرض وكيف تتعامل معه؟

تنتشر أمراض الشتاء في كل مكان حولنا في الوقت الحالي، بدءًا من نزلات البرد وكوفيد-19 والإنفلونزا وحتى التهاب الحلق ومشاكل المعدة، التي تُشعرك جميعها بالبؤس. فغالبًا يصاحب هذه الأمراض الشعور بالتعب وفقدان الشهية وصعوبة التركيز. كما يرغب المصابون في أن يُتركوا بمفردهم، ويعاني العديد من الأشخاص من الحزن والقلق.

كشف الباحثون عن سبب ذلك، فعندما يتعرض جسمك للهجوم من أحد العوامل الممرضة، تتعرف بعض الخلايا المناعية عليه وتتخذ الإجراءات اللازمة للقضاء على التهديد. ومن أجل ذلك، يحتاجون إلى حشد الخلايا المناعية الأخرى إضافةً إلى العديد من أعضاء الجسم.

وللقيام بذلك، تُفرز بروتينات معينة تسمى السيتوكينات. هؤلاء هم الرسل، الذين ينقلون وجود العامل الممرض في جميع أنحاء الجسم، وإلى دماغك. ويؤدي وصول إشارة السيتوكين إلى دماغك إلى تغييرات في نشاط مناطق متعددة من الدماغ. مما قد يؤدي إلى الإصابة بالحمى، ولكن ليس هذا فقط. فقد تؤدي هذه التغيرات الدماغية أيضًا إلى الشعور والتصرف بشكل مختلف، فهي تقلل رغبتك بأداء الأشياء التي تحبها عادة، وتجعلك تفضل أن تكون بمفردك، مستلقيًا في السرير. وأخيرًا، تشعر بالتعب وتفقد الشهية. وتزداد أيضًا حساسيتك للمحفزات السلبية، التي تجعلك حزينًا وقلقًا بسهولة.

وهذا يعني أن التجربة النفسية للمرض لا يحفزها عقلك أو العامل الممرض نفسه فحسب، بل يبدو أن جهاز المناعة لديك يطلق العنان لها.

إمراض الناس ليومٍ واحدٍ

كيف يمكننا التأكد من أن مشاعر المرض تثيرها بالفعل أجهزة المناعة لدينا، وليس العامل الممرض؟ بيّن الباحثون أن مثل هذه المشاعر قد تحدث دون وجود عامل ممرض حقيقي.

تعمل مجموعتي البحثية وعدد قليل من الآخرين في العالم، على تنشيط الدفاعات المناعية الطبيعية لدى المتطوعين الأصحاء والشباب دون استخدام عامل ممرض. وفي العديد من تجاربنا، حُقِن أكثر من 100 مشارك في الدراسة بجرعة صغيرة من عديد السكاريد الدهني، أحد مكونات غشاء بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli). وتتفعل الخلايا المناعية وتنتج السيتوكينات لأنها تتعرف على هذا المكون باعتباره تهديدًا ممرضًا (رغم عدم وجود بكتيريا حقيقية في الواقع).

كما هو الحال أثناء العدوى الحقيقية، ولكن دون وجود العامل الممرض، تصل إشارة السيتوكين إلى الدماغ وتؤدي إلى تغييرات سلوكية جنبًا إلى جنب مع مشاعر المرض (يُطلق عليها مجتمعة “السلوك المرضي” ).

ومن المثير للاهتمام أن المشاركين أبلغوا عن نفس الأعراض -الشعور بالضيق والتعب وآلام الجسم- دون وجود عدوى فعلية يحاربها الجهاز المناعي.

صُوّرالمشاركون بعد تناول محلول ملحي، وبعد تلقي حقنة عديد السكاريد الدهني، ولوحظ أنّ ملامحهم لم تبدو بخير بعد الحقن. كما فضّل المشاركون البقاء في المنزل بدلًا من غرفة الدراسة، هذا ولم يبدوا اهتمامًا بأداء المهام المختلفة التي طلبنا منهم القيام بها. ورغم أنهم لم يشعروا بالقلق أو الحزن قبل الحقن، إلا أن العديد من المشاركين أبلغوا عن شعورهم بالقلق والكآبة بعد ذلك.

ونظرًا لعدم وجود بكتيريا حقيقية في الدم، ولأن الكبد والخلايا المناعية تزيل المكونات البكتيرية من الدم بسرعة، فإن إنتاج السيتوكينات استمر بضع ساعات فقط، من خمس إلى ثمانِ ساعات تحديدًا. كما هدأت في الوقت نفسه المشاعر المرضية، بما في ذلك المشاعر السلبية القوية التي أُثيرت قبل ساعات قليلة فقط.

لماذا نشعر بالتعاسة أثناء العدوى؟

السؤال الآن هو: هل يجب أن نشعر بالمرض أثناء الإصابة بالعدوى؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا؟ حسنًا، حتى لو لم تعلم هذا، تتطلب مكافحة العوامل الممرضة قدرًا لا يصدق من الطاقة. إنّ لتفعيل الخلايا المناعية وارتفاع درجة حرارة الجسم ثمنًا باهظًا. فالطريقة الوحيدة التي تُمكّن جسمك من التعامل مع متطلبات الطاقة العالية هي تقليل نشاط الأعضاء التي لا حاجة إليها في الوقت الحالي.

تضمن مشاعر المرض في نهاية المطاف عدم استخدام طاقة جسمك في أنشطة غير ضرورية وقت الإصابة بالعدوى -عليك أن تكون هادئًا وتظل في المنزل، وبالتالي، تساعدك على تجنب استخدام عضلاتك وحتى عقلك- فلا تذهب إلى النادي الرياضي أو تدرس بجدٍ. كما يمنعك الشعور بالحزن والقلق من الرغبة في الخروج والاحتفال مع أصدقائك.

أي أنّ مشاعر المرض قد تكون مفيدة في مكافحة العامل الممرض. وربما يكون هذا هو السبب الذي يجعل جميع الفقاريات، وحتى اللافقاريات مثل النحل والنمل، تتصرف كما نفعل أثناء العدوى.

لذا، قد يصعب التفكير في طريقة سهلة للتخلص من الشعور بالإحباط عند المرض. ولكن آمل أن تساعدك وجهة النظر هذه في التخلص من الأفكار السلبية عند مواجهة أمراض الشتاء. فلا تشعر بالذنب أو القلق بسبب الشعور بالبؤس، لأنه أمرٌ طبيعيٌ.

وقد تكون الطريقة الصحية للتعامل مع الشعور بالبؤس هي اعتبار هذه المشاعر رد فعل طبيعي للجسم أثناء محاربة العوامل الممرضة. وإلّا، يحتمل أن تدخل في دوامة من الشعور بالذنب والخوف والمشاعر السلبية التي تزيد حالتك الصحية سوءًا.

وبالمناسبة، لا تقلق إذا شعرت بالتعاسة بعد أيام من تلقي اللقاح، فهذا يعني أن جهازك المناعي يعمل بشكل جيد.

  • ترجمة: فضيلة محجوب
  • تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
  • المصادر: 1