لماذا يعتبر التعاطف «تكتيكًا إداريًا» أفضل من الصرامة؟

يروي جرّاح الأعصاب بجامعة ستانفورد الدكتور جيمس دوتي قصة إجراء عملية جراحية لإزالة ورم من دماغ طفل صغير. وفي منتصف العملية، يتشتت انتباه الطبيب المقيم الذي يساعده ويخترق الوريد عن طريق الخطأ. ومع تطاير الدماء في كل مكان، لم يعد دوتي قادرًا على رؤية منطقة الدماغ الحساسة التي يعمل عليها، مما جعل حياة الصبي على المحك. لم يكن لدى دوتي أي خيار آخر سوى الوصول بشكل أعمى إلى المنطقة المصابة على أمل تحديد مكان الوريد وتثبيته. ولحسن الحظ أنه نجح في ذلك.

ليس معظمنا جرّاح دماغ، لكننا بالتأكيد نواجه جميعًا مواقف يرتكب فيها الموظف خطأً فادحًا، مما قد يؤدي إلى تدمير مشروع بالغ الأهمية.

والسؤال هو: كيف يجب أن نتفاعل عندما لا يقوم الموظف بأداء جيد أو عندما يرتكب خطأً ما؟

بالطبع يعد الإحباط الاستجابة الطبيعية لذلك ويمكننا جميعًا التعرف عليه، خاصةً إذا كان الخطأ يضر بمشروع مهم أو ينعكس علينا بشكل سيء.

أما النهج التقليدي فهو توبيخ الموظف بطريقة ما، وعلى أمل أن يكون أي شكل من أشكال العقاب مفيدًا: فهو سيلقن الموظف درسًا. كما أن التعبير عن إحباطنا قد يريحنا من التوتر والغضب الناجم عن الخطأ. وأخيرًا، قد يساعد ذلك بقية أعضاء الفريق على البقاء على أهبة الاستعداد لتجنب ارتكاب الأخطاء في المستقبل.

ومع ذلك، يختار بعض المديرين استجابة مختلفة عندما يواجهون موظفًا ضعيف الأداء ألا وهي التعاطف والفضول. لا يعني ذلك أن جزءًا منهم ليس محبطًا أو غاضبًا، إذ ربما ما زالوا يشعرون بالقلق بشأن كيفية انعكاس أخطاء موظفيهم عليهم، لكنهم قادرون بطريقة ما على تعليق الحكم، وربما على استغلال اللحظة للقيام ببعض من التدريب.

ما الذي تعتبره الأبحاث على أنه الأفضل؟ سوف تحصل على نتائج أقوى بالاستجابة الأكثر رحمة.

أولًا، يؤدي التعاطف والفضول إلى زيادة ولاء الموظفين وثقتهم. فقد أظهرت الأبحاث أن مشاعر الدفء والعلاقات الإيجابية في العمل لها تأثير أكبر على ولاء الموظفين مقارنةً بحجم رواتبهم. وعلى وجه الخصوص، تظهر دراسة أجراها جوناثان هايدت من جامعة نيويورك أنه كلما زاد عدد الموظفين الذين يتطلعون إلى قادتهم ويتأثرون بتعاطفهم أو لطفهم، وهي حالة يسميها «الارتقاء»، كلما أصبحوا أكثر ولاءً له أو لها. لذا، إذا كنت أكثر تعاطفًا مع موظفك، فسيكون هو أو هي أكثر ولاءً لك، كما قد يشعر أي شخص آخر شهد سلوكك بالارتقاء وبمزيد من الإخلاص لك.

وعلى العكس من ذلك، فإن الرد بالغضب أو الإحباط يؤدي إلى تلاشي الولاء. يشير آدم جرانت، الأستاذ في كلية وارتون لإدارة الأعمال ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعًا «العطاء والأخذ»، إنه بسبب قانون المعاملة بالمثل، إذا أحرجت موظفًا أو ألقيت اللوم عليه بقسوة شديدة، فإن رد فعلك قد ينتهي به الأمر إلى التسبب في إزعاجك أنت. وقال لي: «في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الاعتماد على هذا الموظف، ربما تكون قد فقدت بعضًا من الولاء الذي كان موجودًا من قبل».

نحن حساسون بشكل خاص لعلامات الجدارة بالثقة في قادتنا، والتعاطف يزيد من استعدادنا للثقة. وببساطة، يمكن القول أن أدمغتنا تستجيب بشكل أكثر إيجابية للرؤساء الذين يظهرون لنا التعاطف، كما تؤكد أبحاث التصوير العصبي. وبدورها، تعمل ثقة الموظف على تحسين الأداء.

يتذكر دوتي، الذي هو أيضًا مدير مركز أبحاث وتعليم الرحمة والإيثار بجامعة ستانفورد، تجربته الأولى في غرفة العمليات. لقد كان متوترًا جدًا لدرجة أنه كان يتعرق بغزارة. وسرعان ما سقطت قطرة من العرق في موقع العملية ولوثته. لقد كانت العملية بسيطة ولم تكن حياة المريض على المحك بأي حال من الأحوال. أما موقع العملية فكان من الممكن غسله بسهولة. ومع ذلك، كان الطبيب الجرّاح المسؤول عن العملية، أحد أكبر الأسماء في الجراحة في ذلك الوقت، غاضبًا للغاية لدرجة أنه طرد دوتي من غرفة العمليات. يتذكر دوتي كيف عاد إلى المنزل وبكى بحرارة وحرقة وكيف سيطرت عليه مشاعر مدمرة.

من المثير للاهتمام أن دوتي شرح في إحدى المقابلات كيف أنه لو تصرف الجرّاح بشكل مختلف، لكان قد اكتسب ولاء دوتي الدائم، قائلًا: «بدلًا من الغضب، لو قال الجرّاح شيئًا مثل: استمع أيها الشاب وشاهد ما حدث للتو، لقد لوثت المكان. أعلم أنك متوتر. لكن لا يمكنك أن تشعر بالتوتر إذا كنت تريد أن تصبح جرّاحًا. لماذا لا تخرج وتأخذ بضع دقائق لتستجمع قواك. أعد ضبط نفسك بحيث لا يتساقط العرق على وجهك. ثم عد وسأريك شيئًا. لكان أصبح بطلي إلى الأبد».

لا تؤدي الاستجابة الغاضبة إلى تلاشي الولاء والثقة فحسب، بل إنها تمنع الإبداع أيضًا وذلك من خلال رفع مستويات التوتر لدى الموظف. ويوضح دوتي: «إن خلق بيئة يسودها الخوف والقلق وانعدام الثقة يجعل الناس منغلقين. فنحن نعلم من علم الأعصاب أنه إذا كان لدى الناس خوف وقلق فإن استجابتهم للتهديد ستكون ملزمة بالتأثير على السيطرة المعرفية لديهم. ونتيجة لذلك، تتضاءل إنتاجيتهم وإبداعهم». على سبيل المثال، تظهر دراسات تصوير الدماغ أنه عندما نشعر بالأمان، تقلّ استجابة دماغنا للضغط.

كما يوافق غرانت على أنه «عندما تستجيب بطريقة محبطة وغاضبة، يصبح الموظف أقل احتمالًا لتحمل المخاطر في المستقبل لأنه يشعر بالقلق من العواقب السلبية لارتكاب الأخطاء. وبعبارة أخرى، فإنك تقتل ثقافة التجريب التي تعد أمرًا بالغ الأهمية للتعلم والابتكار». ويشير جرانت إلى البحث الذي أجرته فيونا لي في جامعة ميشيغان والذي يوضح أن تعزيز ثقافة السلامة، بدلًا من الخوف من العواقب السلبية، يساعد في التشجيع على روح التجريب البالغة الأهمية للإبداع.

بالطبع هناك سبب لشعورنا بالغضب. إذ تظهر الأبحاث أن مشاعر الغضب يمكن أن يكون لها نتائج مفيدة، على سبيل المثال، يمكن أن تمنحنا الطاقة للوقوف في وجه الظلم. علاوةً على ذلك، فإنها تجعلنا نبدو أكثر قوة. ومع ذلك، عندما تعبّر كقائد عن مشاعر سلبية مثل الغضب، فإن موظفيك ينظرون إليك في الواقع على أنك أقل فعالية. وعلى العكس من ذلك، فإن الظهور بشخصية محبوبة وإظهار الدفء وليس القسوة يمنح القادة ميزة واضحة، كما أوضحت إيمي كادي من كلية هارفارد للأعمال.

إذًا كيف يمكنك الاستجابة بمزيد من التعاطف في المرة التالية التي يرتكب فيها الموظف خطأً جسيمًا؟

1-توقف للحظة: يوضح دوتي أن أول شيء يجب فعله هو التعامل مع مشاعرك مثل الغضب أو الإحباط أيًا كان الوضع. ويقول: «عليك أن تأخذ خطوة إلى الوراء وتتحكم في استجابتك العاطفية، لأنك إذا تصرفت انطلاقًا من الارتباط العاطفي، فلن تفكر مليًا في أسلوبك في التعامل مع المشكلة. وبأخذك فترة من الوقت للتأمل، فإنك تدخل في حالة عقلية تسمح برد فعل أكثر تفكيرًا وعقلانيةً وتمييزًا».

يمكن أن تساعد ممارسة التأمل في تحسين وعيك الذاتي والتحكم في مشاعرك. أنت لا ترغب في العمل من مكان تتظاهر فيه بعدم الغضب. إذ تظهر الأبحاث أن هذا النوع من التظاهر يؤدي في الواقع إلى رفع معدل ضربات القلب لديك ولدى موظفك. بدلًا من ذلك، خذ بعض الوقت لتهدأ حتى تتمكن من رؤية الموقف بمزيد من الموضوعية.

2-ضع نفسك مكان موظفيك: سيساعد التراجع خطوة إلى الوراء في منحك القدرة على التعاطف مع موظفك. لماذا كان الدكتور دوتي، في لحظة غرفة العمليات شبه المأساوية، قادرًا على الاستجابة بتعاطف مع طبيبه المقيم؟ نتيجة لتذكر تجربته الأولى في غرفة العمليات، أصبح بإمكانه التعرف على الطبيب المقيم والتعاطف معه. وقد سمح له ذلك بالحد من إحباطه، وتجنب إهانة الطبيب المقيم المرعوب بالفعل، والحفاظ على حضور العقل لإنقاذ حياة طفل صغير.

تعد القدرة على اتخاذ وجهة نظر قدرة قيمة. فقد أظهرت الدراسات أن ذلك يساعدك على رؤية جوانب الموقف التي ربما لم تلاحظها، ويؤدي إلى نتائج أفضل في التفاعلات والمفاوضات. ولأن مناصب السلطة تميل إلى تقليل ميلنا الطبيعي للتعاطف، فمن المهم بشكل خاص أن يتمتع المديرون بالوعي الذاتي للتأكد من أنهم يمارسون رؤية المواقف من وجهة نظر موظفيهم.

3-اغفر: التعاطف يساعدك بالطبع على التسامح.

إن التسامح لا يقوّي علاقتك مع موظفيك من خلال تعزيز الولاء فحسب، بل تبين أنه مفيد لك أيضًا. ففي حين أن حمل الضغينة أمر سيء لقلبك (يرفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب)، فإن التسامح يخفّض ضغط دمك وضغط دم الشخص الذي تسامحه. وتظهر دراسات أخرى أن التسامح يجعلك أكثر سعادةً ورضا عن الحياة، مما يقلل بشكل كبير من التوتر والمشاعر السلبية.

عندما تكون مشاعر الثقة والوفاء والإبداع عالية، والضغط منخفض، يشعر الموظفين بسعادة وإنتاجية أكثر وخيبات أمل أقل. كما تجعل التفاعلات الإيجابية الموظفين أكثر صحةً وتتطلب أيامًا مرضيةً أقل. لقد أظهرت دراسات أخرى أن مدى تعاطف الإدارة يؤدي إلى تحسينات في خدمة العملاء ونتائجهم ورضاهم.

لقد أخبرني دوتي أنه لم يطرد أحدًا من غرفة العمليات أبدًا. وأوضح: «لا يعني ذلك أنني أتركهم يفلتون من المأزق، ولكن من خلال اختيار استجابة رحيمة عند إدراكهم أنهم ارتكبوا خطأً، ولم تدمرهم معنويًا، فقد تعلموا بذلك درسًا، ويريدون تحسين حالتهم لأنك كنت لطيفًا معهم».

  • ترجمة: منار زياد ديوب
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1