أهمية سرد القصص في التأثير على ارتباط الموظفين بعملهم
قضيت ذات مرة عدة أيام في دراسة مجموعة ضيافة يونيون سكوير (USHG) وهي سلسلة مطاعم راقية ومريحة أسسها داني ماير صاحب مطعم شهير في نيويورك، وقد كشف مؤخرًا أنّ سر انجازاته يمكنها تعزيز «ثقافة الضيافة»، مما دفعني إلى الخوض في هذا المفهوم بشكل أعمق.
في يوم من الأيام، وفي مطعمه «Shake Shack» (الذي أصبح الآن سلسلة عالمية ضخمة) في حديقة ماديسون سكوير، كان هناك موظف يُدعى بيرت وقد بدا وكأنه بطيء بعض الشيء. كان بيرت جديدًا نسبيًا ولم يتبنَّ مفهوم الضيافة بشكل كامل. وبينما كان يتحقق من هاتفه بخفية متظاهرًا بالانشغال في منطقة تناول الطعام الخارجية، أمسكت به مشرفته التي اقتربت منه مسرعةً.
في العديد من أماكن العمل، يوجد أفراد يشبهون «بيرت»، وفي الواقع معظمنا كنا إلى حد ما مثل «بيرت» في كثير من الأحيان. فنحن نقوم بالخطوات ونقوم بعملنا بشكل آلي، ولكننا لا ننخرط في عملنا تمامًا.
تظهر مقاييس الجهد التقديرية فجوة بين ما نقدمه وبين ما نستطيع تقديمه، إذ إن معظمنا لا ينخرط بشكل كامل في عمله ولا يبذل أقصى مافي وسعه، وهذا يؤدي ليس فقط إلى انخفاض الإنتاجية، ولكن أيضًا إلى انخفاض الرضا والاستمتاع بالحياة، لأنه من المهم أن تبذل قصارى جهدك للاستمتاع حقًا بما تقوم به.
لحسن الحظ هناك العديد من الأدوات التي يمكن للقادة استخدامها لمساعدة الموظفين على الشعور بالمزيد من التحفيز والرضا في عملهم بدءًا من التواصل.
فعندما ترى مدى أهمية التفاصيل البسيطة لأي مهمة وتفكر بتأثيرها على الناس، وعندما تشعر بالارتباط بالأسباب الأخلاقية الكامنة وراء عملك، فهذا يغيّر من طريقتك في التعامل مع الأشياء. لا يتعلق الأمر بعمل عظيم مثل إنقاذ جرو أو علاج السرطان، بل يتعلق بخدمة الآخرين بأي طريقة ممكنة. وفي النهاية تتمحور كل الأعمال التجارية حول تقديم خدمة للآخرين.
وهنا يأتي دور القادة، إذ إنّ المسؤولية الأولى للقادة، سواءً كانوا مشرفين في الخط الأمامي أو مديري وسط أو تنفيذيين، هي تعويض الشعور «بالاغتراب الوظيفي» التي تخلقه المؤسسات المعقدة بشكل لا مفر منه، بالإضافة إلى خلق شعور رابط وثيق بين الموظفين والغرض الإنساني الذي يخدمونه. وهذا ما لاحظته لدى القادة في مؤسسة داني ماير، إذ أنهم يتفوقون بشكل كبير على الآخرين.
باعتقادك، ماذا فعلت المشرفة في Shake Shack مع «بيرت»؟
- هل قامت بتوبيخه؟ (اسرع قليلًا بيرت!)
- هل جعلته يشعر بالذنب؟ (يقوم باقي الفريق بالتعويض عنك في العمل).
- هل فرضت عليه عقوبة؟ (أنا أضعك تحت المراقبة)
لم تقم المشرفة بأي من هذه الأمور، وبدلًا من ذلك روت له قصة.
كان بيرت يتحقق من هاتفه بينما كان يقف بجوار طاولات الطعام المزدحمة والفوضوية، مر الضيوف من جانبه في طريقهم لطلب الطعام، وفجأةً اقتربت منه المشرفة ووضعت يدها على كتفه وقالت بلهجة جادة وصادقة: «مرحبًا بيرت، قبل عشرين دقيقة تركت أم ابنتها ذات العامين على إحدى تلك الكراسي بينما ذهبت إلى نافذة الطلب لشراء طعامهم، وعندما ابتعدت بدأت ابنتها بتمرير يدها من جهة إلى أخرى فوق الطاولة الملطخة بالكاتشب، من أحد الضيوف السابقين، ثم بدأت بلحس يدها». انزعج بيرت، وفي حالِ من الذعر، نظر إلى الطاولات ليعرف أي منها قد يعرّض طفلة بالغة عامين من العمر إلى خطر الإصابة بمرض بسبب الكاتشب، وبدأ بمسحها.
يمكن للقادة، مثل المشرفة في مطعم Shake Shack الحفاظ على اتصال قوي من خلال مشاركة القصص. ولا يتعين أن تكون هذه القصص طويلة أو رسمية، ومع جمهور كبير في الواقع، فمعظم القصص القصيرة التي تستخدم أمثلة واقعية تعيد صياغة اللحظة من خلال تجسيد العواقب الإنسانية.
لا تعتمد الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى عملهم على المهام المطلوبة فقط، ولكن أيضًا على المنظور الذي يتخذونه تجاه عملهم. هل يرون فيه روتينًا متكررًا؟ هل يعتبرونه مجرد طاعة؟ أم أنهم يعتبرونه واجب مقدس؟ يمكن أن يؤثر تغيير منظور الشخص بشكل كبير على مشاعره تجاه العمل، ولا شيء يغيّر هذا المنظور بشكل سريع أكثر من القصص.
على سبيل المثال، في دراسة أجريت مؤخرًا في إحدى منشآت الرعاية الصحية الكبرى، حققنا في الأسباب الكامنة وراء التفاوت بالالتزام بنظافة اليدين بين الموظفين، إذ يعد غسل اليدين أحد أهم العوامل في تجنب العدوى المكتسبة في المستشفى.
فبينما أولى العديد من الأطباء والممرضين وعمال النظافة والفنيين اهتمامًا كبيرًا لهذا الفعل البسيط، كان هناك عدد قليل من الموظفين في حالة تأهب شديد. ثم اتضح أن هذه المجموعة كانت أكثر احتمالًا بكثير من نظرائهم أن يكونوا قد تعرضوا شخصيًا للعدوى في الماضي، أو أن يكون أحد أفراد أسرهم قد تعرض لذلك. كان دافعهم نابعًا من تجاربهم المباشرة أو غير المباشرة مع الآثار الحقيقية لما يبدو أنه واجب بسيط، مما جعلهم ينظرون للأمر بشكل مختلف.
من السهل أن تتحوّل عقولنا إلى وضع القيادة الآلية تمامًا كما فعل بيرت. وتشير الدراسات إلى أنه كلما أصبحت المهام أكثر دراية، فإن عقولنا تتطلب موارد معرفية أقل لأدائها. ومع ذلك، فإن أحد عيوب وظيفة الدماغ الفعّالة هذه هو أننا قد نتوقف عن رؤية التأثير الذي يحدثه عملنا على الآخرين.
تضم شركتنا (Vital Smarts) نحو 120 موظفًا، ومن أهم الأمور التي نقوم بها في اجتماعنا الشهري هي (The Mission Moment). إذ تعد هذه فرصة لي ولزملائي لمشاركة القصص حول تأثير عملنا على حياتنا الخاصة وحياة الأشخاص الذين نخدمهم. مؤخرًا، شاركت زميلتي ماري قصة عن نزاع خطير يحدث في حيّها، وبدلًا من تصعيد النزاع أكثر، اختارت أن تقدم اعتذارًا وخيارًا من حديقة منزلها. تأثّر الجار بشدة بهذه اللفتة وردّ بالامتنان والاعتذار، مُقرًّا بأنّ بعض كلماتها كانت بالضبط ما يحتاجه. لقد تأثّرت بشدة عندما اختتمت ماري قصتها قائلة: «لم يكن أي من هذا ليحدث لو لم أتعمّق في ذهني واستخدمت المهارات التي كانت جوهرية لعملي وحياتي لفترة طويلة».
كما شعرت بالإثارة والتحفيز عندما صعدت على متن طائرة في رحلة طويلة ومألوفة إلى سنغافورة، وشعرت بأنني أتوجه نحو شيء يستحق، وليس مجرد قطع عدة الأميال.
في جميع المنظمات التي بحثنا فيها والتي كان لديها دافع أخلاقي قوي، لعب القادة باستمرار دور رواة القصص. لقد أدركوا ووفوا بواجبهم في مكافحة الانفصال المتأصل في الحياة التنظيمية اليومية من خلال تعزيز الروابط بين الموظفين والأشخاص الذين يخدمونهم.
- ترجمة: لمى القوتلي
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1