هل تسبب مضادّات الاكتئاب أمراضًا عقليّة أكثر ممّا تعالجها؟

لا تُظهر العديد من مضادّات الاكتئاب فعاليّة أفضل من الدّواء الوهميّ أو الطّبّ النّفسيّ في الاستخدام طويل الأمد. لقد كان التّبشير بالتّدخّلات الصّيدلانيّة جزءًا من سعي موحَّد منذ السّبعينيات. يناقش الصّحفي روبرت ويتيكر تأثير أمراض الأطفال والعلاج السّلوكي ومواضيع أخرى.

كتب الأطباء عددًا قياسيًا من الوصفات الطّبّيّة لزولوفت في شهر آذار، ممّا دفع إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة إلى إضافة مثبّطات استرداد السّيروتونين الانتقائيّة إلى قائمة نقص الأدوية الخاصّة بها. ثمّ انخفضت وصفات زولوفت الطّبّيّة في نيسان-4.5 مليون، بعد أن كانت 4.9 مليون-مع ذلك فإنّ هذه الأرقام تمثّل اتّجاهًا تصاعديًا مخيفًا في استخدام مضادّات الاكتئاب. تقريبًا 13 بالمئة من سكّان الولايات المتّحدّة فوق سنّ 12 عامًا يبتلعون هذه الحبوب بانتظام.

لماذا يحتاج مَن يبلغ عمره 12 عامًا إلى مضادّ للاكتئاب؟ يناقش روبرت ويتيكر، مؤلّف كتابيّ “جنون في أمريكا” و”تشريح الوباء”، أمراض الأطفال خلال محادثتنا الأخيرة. حصل ويتيكر على عددٍ من الجوائز لتقاريره عن صناعة الطّبّ النّفسيّ. لقد وصل إلى نهائيّات بوليتزر في سلسلةٍ من الأبحاث النّفسيّة التي شارك في كتابتها لصحيفة بوسطن غلوب. في حين أنّ تقاريره الاستقصائيّة تغطّي مجموعة من المواضيع، هناك خيط مهمّ ينسج عمله: لماذا يتناول الأمريكيّون الكثير من العقاقير الطّبّيّة؟

في كتابه “تشريح الوباء”، يشير ويتيكر إلى أنّه مع ارتفاع الوصفات الطّبيّة لمثبّطات استرداد السّيروتونين الانتقائيّة، ومثبّطات امتصاص السّيروتونين والنورادرينيفرين، ومضادّات الذّهان، ترتفع أيضًا معدّلات تشخيص القلق والاكتئاب. إذا نجحت هذه الأدوية، فيجب تشخيص عدد أقلّ من الأشخاص. مع ذلك، في نظام الرّعاية الصّحّيّة الرّبحيّ، هناك حاجة دائمًا إلى عملاء جدد. أصبحت الشّكاوى البسيطة الآن مرضية. إنّ خلق المرض هو أفضل طريقة لبيع الدّواء.

يمثّل القرن العشرين نقطة تحوّل ملحوظة في الطّبّ. كما كان بمثابة بداية سوء فهم مأساويّ للصّحّة العقليّة. بعد ملايين السّنين من التّطوّر النّاجح، أصبح البشر فجأةً ضحايا لخلل في كيمياء الدّماغ. لقد اقتنعنا بفكرة أنّ الاختلالات الكيميائيّة هي سبب القلق والاكتئاب، وليس تأثيرًا بيولوجيًا ناتجًا عن الظّروف البيئيّة. تعالج مضادّات الاكتئاب في الغالب أحد أعراض مرضنا، وليس سببه.

وكما يذكر ويتيكر، فإنّ استخدام مضادّات الاكتئاب على المدى القصير يمكن أن يكون مفيدًا. وحتّى مع تزايد عدد الدّراسات التي تتناول بالتّفصيل الآثار السّلبيّة طويلة الأمد لهذه الأدوية، فإنّنا نبتلع المزيد من الحبوب أكثر من أيّ وقت مضى. لقد تحدّثت مع روبرت حول سبب ذلك وكيف يمكننا تصحيح ذلك. تمّ تحرير حديثنا من أجل الوضوح، ولكن يمكنك مشاهدة المحادثة كاملة أو قراءة النّصّ أدناه.

**ديريك: لماذا بدأت التّحقيق في إضفاء الطّابع الطّبّيّ على الطّبّ النّفسيّ؟**.

بوب: شاركت في كتابة سلسلة لصحيفة بوسطن غلوب حول إساءة معاملة المرضى النّفسيّين في أماكن البحث. أثناء قيامي بهذا البحث، عثرت على دراستين لمنظّمة الصّحّة العالميّة حول نتائج مرضى الفصام. لقد كانت دراسات عبر الثّقافات في تسع دول مختلفة، وفي المرّتين وجدوا أنّ النّتائج كانت أفضل بكثير في البلدان الفقيرة مقارنةً بالدّول “النّامية”. وكان أداء الهند وكولومبيا ونيجيريا أفضل من الولايات المتّحدة وغيرها من البلدان الغنيّة. في الواقع، خلصت منظّمة الصّحّة العالميّة إلى أنّ العيش في دولة متقدّمة يعدّ مؤشّرًا قويًا على أنّك ستحصل على نتيجة سيّئة إذا تمّ تشخيص إصابتك بالفصام. وتساءلت لماذا العيش في دولة متقدّمة، مع كلّ التّقدّم الذي أحرزناه في مجال الطّبّ، قد يكون مؤشّرًا لنتائج سيّئة.

وكان السّرد المشترك هو كيف كنّا نحرز تقدّمًا في علاج الاضطرابات العقليّة. لقد وجدنا أنّها كانت بسبب الاختلالات الكيميائيّة. كان لدينا أدوية وهلإصلاح تلك الاختلالات الكيميائيّة. ومع ذلك، وجدت هنا دراسات عبر الثّقافات شيئًا مختلفًا كثيرًا.

ووجدت أيضًا أنّهم يستخدمون مضادّات الذّهان بشكلٍ مختلف تمامًا: ليس على المدى الطّويل بل على المدى القصير. وهذا أيضًا يتعارض مع ما كنت أعرف أنّه صحيح.

آخر ما دفعني إلى هذا هو النّظر إلى دراسة أجرتها جامعة هارفارد والتي وجدت أنّ النّتائج الخاصّة بمرضى الفصام في الولايات المتّحدة قد انخفضت في السّنوات الثّلاثين الماضية؛ إنّهم ليسوا أفضل ممّا كانوا عليه في الثّلث الأوّل من القرن العشرين. وهذا أيضًا ناقضَ قصّة التّقدّم.

**د: لقد تمّ وصف دواء زاناكس لي لفترة قصيرة عندما كنت أعاني من اضطراب الهلع الشّديد. وعندما شرحت لطبيبتي ما كان يحدث، قالت على الفور: “ما تمرّ به لا يختلف عن أيّ مرض جسديّ”. عندما قرأت كتاب “تشريح الوباء”، أذهلني كيف تمّ تسويق هذه الرّسالة بالتّحديد باعتبارها النّهج الصّحيح لعلاج الصّحّة العقليّة في أوائل الخمسينيّات. عندما تكتب عن تلك الحقبة، تناقش عمل الجمعيّة الطّبّيّة الأمريكيّة وصناعة الأدوية والحكومة معًا لدفع هذه القصّة. **.

ب: أحبّ العلم. إنّه أحد أجمل تجلّيات العقل البشريّ. ما أدركته تدريجيًا هو أنّنا لم نكن نرى وجود عقل علميّ في خلق قصّة الخلل الكيميائيّ.

وكانت اهتمامات النّقابة في اللّعب. قلت أنّه قيل لك أنّ “هذا مثل أيّ مرض جسديّ آخر”. السّبب الذي ينجح بشكلٍ جيّد مع السّرد التّجاريّ هو أنّني لا أستطيع الحصول على دواء معتمد لعلاج “القلق من الحياة” أو “التّعاسة العامّة”. لكن يمكنني الحصول على دواء لاضطراب الهلع. يمكنني الحصول على الموافقة لشيء يُنظر إليه على أنّه حالة بيولوجيّة.

من وجهة نظرٍ صيدلانيّة، إذا تمكّنت من إنشاء قصّة مفادها أنّ الانزعاج الذي تشعر به في الحياة هو حالة بيولوجيّة، فسوف تقوم بتوسيع سوقك بشكلٍ كبير. قبل عام 1980، وهو الوقت الذي تمّ فيه تعريف اضطراب الهلع لأوّل مرّة على أنّه اضطراب محدّد، كانت مجموعة الأشياء التي كان يُنظر إليها على أنّها بيولوجيّة صغيرة جدًا. سيكون من الصّعب على سوق الأدوية التّوسّع إلى ما هو أبعد من ذلك.

لماذا أراد الطّبّ النّفسيّ أن يروي هذه الإشاعة؟ كان للطّبّ النّفسيّ في الخمسينيّات والسّتينيّات الكثير من الدّوافع الفرويديّة والتّفكير الدّيناميكيّ النّفسيّ. ثمّ في السّبعينيّات، ترى نقابة كان بقائها كنظام طبّيّ معرّضًا للهجوم. مع ظهور البنزوديازيبينات -كانت تلك أوّل أدوية نفسيّة شعبيّة حقيقيّة -كانت هناك مشاكل مع الإدمان، والانسحاب، ونقص الفعاليّة مع مرور الوقت.

في السّبعينيّات، شعرت الجمعيّة الأمريكيّة للطّبّ النّفسيّ بأنّها مهدّدة. تمّ تحدّي التّشخيص. لقد كان في منافسة مع استشارات الطّبّ النّفسيّ وطرق أخرى للتّعامل مع التّعافي. يمكنك رؤيتهم يقولون: “كيف يمكننا أن نتجاوز هذه المعركة التّنافسيّة؟”.

حسنًا، ما هي الصّورة التي تتمتّع بالقوّة في المجتمع الأمريكيّ؟ المعطف الأبيض. قالوا: “علينا أن نرتدي المعطف الأبيض. إذا أطلقنا على هذه الأمراض اسم أمراض الدّماغ، فنحن الآن في هذا المجال من طبّ الأمراض المعدية (تقريبًا). تبدأ في سرد قصّة لنفسك وستريد تصديق هذه القصّة. يمكنك أن ترى الطّبّ النّفسيّ يحاول إقناع نفسه بأنّ هذه الأمراض عبارة عن اختلالات كيميائيّة.

** د: أظهر تحليل حديث أنّ تجارب الإسكيتامين كانت سريعة ولم تظهر فعاليّة حقيقيّة، لكن إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة وافقت على الدّواء على أيّ حال. هذا هو أوّل مخدّر تمّت الموافقة عليه للاستخدام الطّبّيّ، لكن يبدو أنّنا نرتكب نفس الأخطاء كما هو الحال مع الأدوية الأخرى. كيف نكسر هذه الحلقة؟**.

ب: عندما ترغب إحدى شركات الأدوية في الحصول على الموافقة على دواء ما، فإنّها ستقوم بتصميم الدّراسة بطرق تجعل دواءها يبدو جيّدًا. هناك كلّ أنواع الحيل. إذا كنت تعرف بعض الآثار الجانبيّة، فلا تضعها في قائمة المشاكل التي تبحث عنها، ولن تحصل على نفس القدر من الإجراءات التي تمّ الإبلاغ عنها تلقائيًا. إنّ الأشخاص الذين يموّلون دراسات هذه الأدوية بشكلٍ عام لديهم مصلحة في الحصول على الموافقة عليها.

آلية الموافقة لدينا يساء فهمها أيضًا. يعتقد النّاس عمومًا أنّه إذا تمّت الموافقة على الدّواء من قبل إدارة الغذاء والدّواء، فهذا يعني أنّه آمن وجيّد بالنّسبة لك. لا تقول إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة في الواقع أنّ الفوائد تفوق الأضرار. إنّه يقول أنّ لدينا هذا المعيار للموافقة على الدّواء: إذا كان بإمكانك إظهار تجربتين حيث كان له فائدة ذات دلالة إحصائيّة مقارنةً بالعلاج الوهميّ، فهذه علامة على الفعالية.

لنفترض أنّ لديك دواءً يخفّف الأعراض لدى 20 بالمئة من الأشخاص. في العلاج الوهميّ تبلغ 10 بالمئة. كم عدد الأشخاص في تلك الدّراسة الذين لا يستفيدون من الدّواء؟ تسعة من أصل 10. كم عدد الأشخاص الذين يتعرّضون للآثار الضّارّة للدّواء؟ 100 في المئة.

سوف يمرّرون هذا الدّواء لأنّه يلبّي هذا المعيار الصّغير من الفائدة مقارنةً بالعلاج الوهميّ. وهم لا يقلّلون من المخاطر؛ إنّهم فقط يحذّرون من الخطر. ليس من اختصاص الأطبّاء أن يقرّروا ما إذا كان مفيدًا. هذه العمليّة تقول فقط: “لقد استوفى معاييرنا المجتمعيّة لطرحه في السّوق”.

كما أنّنا لا نقيس التّعرّض طويل الأمد. إذا نظرت إلى زاناكس، فإنّه لا يظهر أيّ فعاليّة بعد حوالي أربعة أسابيع. إذا كنت تتناوله يوميًا، فيجب عليك التّخلّص منه حقًا. لكن جميع أنواع الأشخاص ظلّوا عليها لمدّة عامين، وثلاث سنوات، وخمس سنوات، و10 سنوات. ليس لدينا آلية لتقييم ما يحدث للأشخاص الذين يتعاطون هذه الأدوية خلال تلك الفترة من الوقت.

**د: لماذا لا تناقش الصّناعة الطّبّيّة قوّة العلاج** **الوهميّ في كثير من الأحيان؟**.

ب: هذا يقودنا إلى سؤال أكبر حول كيفيّة تفكيرنا في الصّحّة كمجتمع. لقد كان هناك الكثير من التّغييرات في الطّبّ، ولكن فوائد المضادّات الحيويّة خلقت عقليّة حول مدى فعاليّة الأدوية في علاج أيّ مرض تعاني منه. لقد أطلقت هذه الفكرة القائلة بأنّ الدّواء يمكن أن يأتي بأقراص يمكن أن تساعد في أيّ شيء قد تواجهه. ترى هذا الارتفاع السّريع في استخدام الوصفات الطّبّيّة أيضًا.

على نحوٍ متزايد، وجد الأطباء أنفسهم في موقف حيث كان المرضى يأملون في المغادرة بوصفة طبّيّة. لا يمكنك كتابة وصفة طبّيّة للعلاج الوهميّ. ربّما سيكون مفيدًا جدًا إذا استطعت. إنّ التّفاعل بين الطّبيب والمريض هو في الواقع نوع من التّفاعل الوهميّ. يأتي المريض طلبًا للمساعدة، ويعتقدون أنّ الطّبيب لديه جرعات سحريّة، ويريدون المغادرة مع تلك الجرعة السّحريّة. هذا في عقليّتنا.

**د: واحدة من أقوى القصص في “تشريح الوباء” هي ممارسة الكويكرز في القرن التّاسع عشر للعلاج الأخلاقيّ. هل يمكنك توقّع العودة إلى هذا النّوع من النّماذج**؟

ب: أحبّ التّواضع فيه. لقد اعترفوا بأنّهم لا يعرفون حقًا ما الذي يسبّب الجنون، ولكن هذا هو المفتاح.

قالوا: “نعلم أنّهم إخوة. إنّهم بشر، مثلنا جميعًا”. ثمّ سألوا: ماذا نحبّ؟ نحن جميعًا نحبّ بيئة مريحة. نحن بحاجة إلى مأوى. نحن بحاجة إلى الطّعام؛ من الجيّد أن يكون لديك اهتمامات؛ من الجيّد أن يكون لدينا التّنشئة الاجتماعيّة والاحترام تجاه بعضنا البعض.

أحد الجوانب الجميلة للعلاج الأخلاقيّ هو أنّهم أرادوا إنشاء هذه المساكن في الرّيف. لقد اعتقدوا أنّ الطّبيعة يمكن أن تكون شفاءً للغاية، والنّظام الغذائيّ يمكن أن يكون شفاءً للغاية، وكأسًا صغيرًا من المشروب في السّاعة الرّابعة بعد الظّهر يمكن أن يكون شفاءً.

الجزء المفضّل لديّ من نهج العلاج الأخلاقيّ هو أنّهم يحملون مرآة لتعكس صورة ليس الشّخص السّيء، ولكن صورة شخص يمكن أن يكون في المجتمع، ويمكن أن يكون مع الآخرين دون خوف. لقد كانوا يخلقون بيئات يشعر فيها النّاس بالأمان ويجدون المعنى. لقد شعروا بالاحترام أيضًا.

إذا نظرت إلى الملاحظات الطّبّيّة، كان هؤلاء الأشخاص مصابين بالذّهان. كانوا يواجهون صعوبة في تقييم الواقع. وجد المؤرّخون أنّه مع هذا النّوع من البيئة المريحة، فإنّ الذّهان لدى كثير من النّاس، حوالي الثّلثين، ينحسر بشكل طبيعيّ مع مرور الوقت. معظمهم لن يعودوا أبدًا إلى المستشفى؛ سيكون لديهم وقت الذّهان بدلًا من المرض المزمن.

إنّ أساس عقاقيرنا مختلف جدًا: سنقوم بإصلاح شيء خاطئ داخل رأسك. العلاج الأخلاقيّ يدور حول إصلاح البيئة التي تنتقل فيها وخلق بيئة جديدة. تنشأ صحّتنا العقليّة داخل البيئات، وليس فقط داخل رأسك.

**د: لقد مشيت مسافة نصف ميل إلى المدرسة عندما كنت في السّادسة من عمري، لذا فإنّني أتيت من زمن مختلف تمامًا، على الرّغم من أن عمري لا يتجاوز 44 عامًا. لو كنت أكبر الآن، كنت سأتعاطى عقارًا لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لأنّني كنت شديد النّشاط ومع ذلك، فإنّ قشرة الفصّ الجبهيّ لدينا لا تتطّور بشكل كامل حتّى العشرينات من عمرنا. إنّ فكرة تعاطي هذه الأدوية لأطفال بعمر السّادسة هي فكرة مجنونة. **.

ب: هذا أحد أكبر الأسئلة الأخلاقيّة في عصرنا: كيف نربّي أطفالنا؟ إنّ أكبر سؤال أخلاقيّ في عصرنا هو تغيّر المناخ. إذا لم نستجب لذلك، فإنّنا حقًا ندمّر الأجيال القادمة. لكنّه سؤال كبير.

لقد أنشأنا بيئة مرضيّة لهم. لماذا فعلنا ذلك؟

إذا عدت إلى أوائل التّسعينيّات، فقد أدركت شركات الأدوية أنّ سوق مثبّطات استرداد السّيروتونين الانتقائيّة للبالغين كان مشبعًا. أين السّوق غير المستغل؟ أطفال.

لقد بدأت بالفعل في رؤية ذلك مع المنشّطات الخاصّة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، لكن ما تراه بعد عام 1980 هو قوى السّوق: فقد عملت شركات الأدوية مع الطّبّ النّفسيّ الأكاديميّ لبدء الحديث عن كلّ اضطرابات الطّفولة هذه والحاجة إلى علاجها.

ما أجده محزنًا بشكلٍ خاصّ هو أنّ جميع البيانات التي يمكنك العثور عليها حول علاج الأطفال هي في النّهاية سلبيّة، حتّى فيما يتعلّق بالأعراض، والوظيفة المعرفيّة، والأداء الاجتماعيّ، والتّحصيل الأكاديميّ. الأمر الأكثر إثارة للخوف -منذ أن افتتحت هذا المقال بأفكار حول تطوّر الفصّ الجبهيّ -أظهرت جميع دراساتنا على الحيوانات أنّ هذه الأدوية تؤثّر على نموّ الدّماغ.

إذا نظرت إلى الضّرر النّاجم عن اعتبار الطّفولة مرضية، فستجد أنّها واسعة النّطاق. يتمّ تعليم الأطفال مراقبة أنفسهم. إذا وجدوا أنفسهم حزينين، فهذا خطأ، هذا غير طبيعيّ. بينما في الماضي، قد تعتقد: “أنا حزين اليوم”. من المتوقّع منك أن تكون سعيدًا، وإذا لم تكن سعيدًا، فهذه مشكلة. لقد خلقنا حالة حيث يتمّ إعداد الأطفال للتّفكير، “هناك خطأ ما معي”، والآباء مستعدّون للتّفكير، “هناك خطأ ما في طفلي”.

وبالعودة إلى العلاج الأخلاقيّ: هل نسأل عن الفضاءات التي يسكنها الأطفال اليوم؟ عليك أن تمشي مسافة نصف ميل للوصول إلى المدرسة. كم عدد الأطفال الذين يمكنهم المشي إلى المدرسة اليوم؟ كم عدد الأطفال الذين يشعرون بالضّغط في الصّفّ الثّاني لبدء الحصول على درجات جيّدة لأنّه يجب عليهم القلق بشأن الالتحاق بالجامعة؟

تقوم بإنشاء قصّة تساعد في دفع الأشخاص إلى هذه الفئة “غير الطّبيعيّة”، لذلك يبدؤون في استخدام هذه الأدوية. ولدينا كلّ هذه الأدلّة على أنّها لا تفيد الأطفال.

لقد شهدنا ارتفاع معدّلات الانتحار بين الأطفال. ثمّ هناك ارتفاع في مضادّات الاكتئاب أيضًا. اذهب إلى الحرم الجامعيّ اليوم، نسبة الأطفال الذين يصلون مع التّشخيص والوصفة الطّبّيّة هي 25 إلى 30 بالمئة. هل تعتقد حقًا أن 30 بالمئة من أطفالنا مرضى عقليًا؟

لقد أعطيت أطفالك رسائل مفادها أنّهم غير طبيعيّين، ومرضى، ومعرّضين للخطر، بدلاً من إعطائهم رسائل مرونة، حول كيفيّة النّموّ في الحياة. لا يمكنك مطاردة السّعادة. يمكنك مطاردة المعنى في الحياة. يمكنك مطاردة القيام بأشياء لها معنى ما للصّالح الاجتماعيّ. لا أستطيع أن أحاول لأكون سعيدًا فحسب. تزورك السّعادة عندما تكون منخرطًا في علاقات اجتماعيّة، بمعنى، مجتمع، وهذا النّوع من الأشياء.

إنّ تحويل الأطفال إلى أمراض يحرم كلّ طفل من حقّه في أن يصبح مؤلّفًا لحياته الخاصّة: في اتّخاذ الخيارات، وتجربة الأشياء، وتحديد ما يريد أن يكون، والتّعامل مع عقولهم.

ابق على اتصال مع Derekعلى Twitter وFacebook وSubstack. كتابه التالي هو “جرعة البطل: قضيّة المخدّر في الطقوس والعلاج”.

  • ترجمة: ريمة جبارة
  • تدقيق علمي ولغوي: حلا سليمان
  • المصادر: 1