ميّزة الكمّ: فيزيائيّ يشرح مستقبل أجهزة الحاسوب

الميّزة الكمّيّة هي المَعْلَم الذي يعمل مجال الحوسبة الكمّيّة بحماسٍ من أجله، حيث يمكن للحاسوب الكمّيّ أن يحلّ المشكلات التي تفوق قدرة أقوى الحواسيب غير الكمّيّة أو الكلاسيكيّة.

يشير الكمّ إلى حجم الذّرّات والجزيئات حيث تنهار قوانين الفيزياء كما نختبرها وتنطبق مجموعة مختلفة من القوانين غير البديهيّة. تستفيد أجهزة الحاسوب الكمّيّة من هذه السّلوكيّات الغريبة لحلّ المشكلات.

هناك بعض أنواع المشكلات التي يتعذّر على الحواسيب التّقليديّة حلّها، مثل حلّ أحدث خوارزميّات التّشفير. أظهرت الأبحاث في العقود الأخيرة أنّ الحواسيب الكمّيّة لديها القدرة على حلّ بعض هذه المشكلات.

إذا كان من الممكن فعلًا بناء حاسوب كمّ يحلّ إحدى هذه المشكلات، فسيكون قد أظهر ميّزة الكم.

أنا فيزيائيّ يدرس معالجة المعلومات الكمّيّة والتّحكّم في أنظمة الكمّ.

أعتقد أنّ هذه الحدود من الابتكار العلميّ والتّكنولوجيّ لا تعد بتطوّرات رائدة في مجال الحوسبة وحسب، بل إنّها تُمثّل أيضًا زيادةً أوسع في التّكنولوجيا الكمّيّة، بما في ذلك التّطوّرات الكبيرة في التّشفير الكمّيّ واستشعار الكمّ.

مصدر قوّة الحوسبة الكمّيّة

يعتبر البت الكمّيّ أو الكيوبت من العناصر المحوريّة في الحوسبة الكمّيّة. على عكس البتّات الكلاسيكيّة، التي لا يمكن أن تكون إلّا في حالتي 0 أو 1، يمكن أن يكون الكيوبت في أيّ حالة تجمع بين 0 و1. تُعرف هذه الحالة التي لا تحتوي على 1 فقط أو 0 فقط بالتّراكب الكمّيّ. مع كلّ كيوبت إضافيّ، يتضاعف عدد الحالات التي يمكن تمثيلها بواسطة الكيوبتات.

غالبًا ما يُعتقدُ خطأً أنّ هذه الخاصّيّة هي مصدر قوّة الحوسبة الكمّيّة. بدلًا من ذلك، يتعلّق الأمر بتفاعل معقّد من التّراكب والتّداخل والتّشابك.

ينطوي التّداخل على تلاعبٍ بالكيوبتات بحيث تتّحد حالاتها بشكلٍ بنّاء أثناء العمليّات الحسابيّة لتضخيم الحلول الصّحيحة وبشكلٍ مزعزع لتضع حدًّا للإجابات الخاطئة.

التّداخل البنّاء هو ما يحدث عندما تتّحد قمم موجتين -مثل الموجات الصّوتيّة أو أمواج المحيط -لتكوين قمّة أعلى. التّداخل المدمّر هو ما يحدث عندما تتّحد قمّة الموجة مع قاع الموجة وتلغي إحداهما الأخرى.

تقوم الخوارزميّات الكمّيّة، وهي قليلة ويصعب تصميمها، بإعداد سلسلة من أنماط التّداخل التي تؤدّي إلى الإجابة الصّحيحة على المشكلة.

ينشِئ التّشابك علاقة فريدة من نوعها بين الكيوبتات: لا يمكن وصف حالة الواحد بشكلٍ مستقّل عن الآخرين، مهما كانت الكيوبتات متباعدة. هذا ما رفضه ألبرت أينشتاين على أنّه “سلوك شبحيّ عن بعد”.

يتيح سلوك التّشابك الجماعيّ، الذي تمّ تنظيمه من خلال حاسوب الكمّ، تسريعًا حسابيًّا خارج نطاق الحواسيب الكلاسيكيّة.

تطبيقات الحوسبة الكمّيّة

للحوسبة الكمّيّة مجموعة من الاستخدامات المحتملة حيث يمكن أن تتفوّق على الحواسيب الكلاسيكيّة. في التّشفير، تُشكّل الحواسيب الكمّيّة فرصةً وتحدّيًا في آنٍ واحد. والأكثر شهرةً أنّ لديها القدرة على فكّ رموز خوارزميّات التّشفير الحاليّة، مثل مخطّط RSA المستخدم على نطاقٍ واسع.

إحدى نتائج ذلك هي أنّ بروتوكولات التّشفير اليوم تحتاج إلى إعادة هندسة لتكوّن مقاومة لهجمات الكمّ المستقبليّة. وقد أدّى هذا الاعتراف إلى مجالٍ مزدهر للتّشفير ما بعد الكمّ.

بعد عمليّةٍ طويلة، اختار المعهد الوطنيّ للمعايير والتّكنولوجيا مؤخّرًا أربع خوارزميّات مقاومة لهجمات الكمّ وبدأت عمليّة تجهيزها حتّى تتمكّن المنظّمات في جميع أنحاء العالم من استخدامها في تكنولوجيا التّشفير الخاصّة بها.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحوسبة الكمّيّة أن تسرّع بِشكلٍ كبير محاكاة الكمّ: القدرة على التّنبّؤ بنتائج التّجارب العاملة في مابعد الكمّ. تصوّر الفيزيائيّ الشّهير ريتشارد فاينمان هذا الاحتمال منذ أكثر من 40 عامًا.

توفّر المحاكاة الكمّيّة إمكانيّة لتقدّم كبير في علوم الكيمياء والمواد، والمساعدة في مجالات مثل النّمذجة المعقّدة للهياكل الجزيئيّة لاكتشاف الأدوية وتمكين اكتشاف أو إنشاء مواد ذات خصائص جديدة.

الاستخدام الآخر لتكنولوجيا المعلومات الكمّيّة هو الاستشعار الكمّيّ: اكتشاف وقياس الخواصّ الفيزيائيّة مثل الطّاقة الكهرومغناطيسيّة، الجاذبيّة، الضّغط ودرجة الحرارة بحساسيّة ودقّة أكبر من الأدوات غير الكمّيّة.

يحتوي الاستشعار الكمّيّ على تطبيقات لا تُعدّ ولا تُحصى في مجالات مثل المراقبة البيئيّة والاستكشاف الجيولوجيّ والتّصوير الطّبّيّ والمراقبة.

تُعدّ مبادرات مثل تطوير الإنترنت الكمّيّ الذي يربط الحواسيب الكمّيّة خطوات حاسمة نحو سدّ عوالم الحوسبة الكمّيّة والكلاسيكيّة.

يمكن تأمين هذه الشّبكة باستخدام بروتوكولات التّشفير الكمّيّة مثل توزيع المفاتيح الكمّيّة، والتي تُتيح قنوات اتّصال فائقة الأمان محميّة ضدّ الهجمات الحاسوبيّة -بما في ذلك تلك التي تستخدم الحواسيب الكمّيّة.

على الرّغم من مجموعة التّطبيقات المتزايدة للحوسبة الكمّيّة، فإنّ تطوير خوارزميّات جديدة تستفيد بالكامل من ميّزة الكمّ -وخاصّة في التّعلّم الآليّ-لا يزال مجالًا مهمًّا للبحث المستمرّ.

الحفاظ على التّماسك والتّغلّب على الأخطاء

يُواجه حقل الحوسبة الكمّيّة عقبات كبيرة في تطوير الأجهزة والبرامج. الحواسيب الكمّيّة حسّاسة للغاية لأيّ تفاعلات غير مقصودة مع بيئاتها. هذا يؤدّي إلى ظاهرة عدم التّرابط، حيث تتحلّل الكيوبتات بسرعة إلى حالات 0 أو 1 من البتّات الكلاسيكيّة.

إنّ بناء أنظمة حوسبة كمّيّة واسعة النّطاق قادرة على الوفاء بوعد التّسريع الكمّيّ يتطلّب التّغلّب على عدم التّماسك. المفتاح هو تطوير طرق فعّالة لوضع حدّ للأخطاء الكمّيّة وتصحيحها، وهو مجال يُركّز عليه بحثي الخاصّ.

في خضم هذه التّحدّيات، ظهرت العديد من الشّركات النّاشئة في الأجهزة الكمّيّة والبرامج إلى جانب لاعبين راسخين في صناعة التّكنولوجيا مثل Google وIBM.

هذا الاهتمام الصّناعيّ، إلى جانب استثمارات كبيرة من الحكومات في جميع أنحاء العالم، يؤكّد على الاعتراف الجماعيّ للإمكانات التّحويليّة لتكنولوجيا الكمّ، وتعزّز هذه المبادرات نظامًا بيئيًّا غنيًّا حيث تتعاون الأوساط الأكاديميّة والصّناعة، ممّا يؤدّي إلى تسريع التّقدّم في هذا المجال.

الميزة الكمّيّة تظهر في الأفق

قد تكون الحوسبة الكمّيّة ذات يوم مدمرةً مثل وصول الذّكاء الاصطناعيّ. حاليًّا، فإنّ تطوير تكنولوجيا الحوسبة الكمّيّة في منعطف حاسم.

من ناحية، أظهر الحقل بالفعل علاماتٍ مُبكّرة على تحقيق ميّزة كميّة متخصّصة على نطاقٍ ضيّق. أظهر الباحثون في جُوجل وبعد ذلك فريق من الباحثين في الصّين ميّزة الكمّ في توليد قائمة بالأرقام العشوائيّة ذات الخصائص المعيّنة. أظهر فريق البحث الخاصّ بِي تسريعًا كمّيًّا في لعبة تخمين عشوائيَّة.

من ناحيةٍ أخرى، هناك خطر ملموس لدخول “فصل الشّتاء الكمّيّ”، وهي فترة من انخفاض الاستثمار إذا لم تتحقّق النّتائج العمليّة على المدى القريب.

بينما تعمل صناعة التّكنولوجيا على توفير ميّزة الكمّ في المنتجات والخدمات على المدى القريب، تظلّ الأبحاث الأكاديميّة تُركّز على التّحقيق في المبادئ الأساسيّة التي تقوم عليها هذه العلوم والتّكنولوجيا الجديدة.

يضمن هذا البحث الأساسيّ المستمرّ، الذي تُغذّيه كوادر متحمّسة من الطّلّاب الجدد والأذكياء من النّوع الذي ألتقي به كلّ يوم تقريبًا، استمرار تقدّم هذا المجال.

دانييل ليدار، أستاذ الهندسة الكهربائيّة والكيمياء والفيزياء وعلم الفلك، جامعة جنوب كاليفورنيا.

تتمّ إعادة نشر هذه المقالة من The Conversation بموجب ترخيص المشاع الإبداعيّ. اقرأ المقال الأصليّ.

  • ترجمة: ريمة جبارة
  • تدقيق علمي ولغوي: الأيهم عبد الحميد
  • المصادر: 1