كيف يعمل الدماغ؟ إلينا الإجابة وفقًا لعالم أعصاب

هل تساءلت مرة كيف ينتج الدماغ أفكارنا أو عن سبب ظهور الأفكار بصورة عشوائية في الدماغ؟ قد يبدو هذا سحرا؛ لكن الدماغ أشبه أن يصبح حاسوبًا خارقًا في رأسك يساعدك على التفكير، والتعلم، واتخاذ القرارات.

فتخيل أن دماغك مدينة مكتظة بالكثير من الشوارع والمباني، لكن بعض المناطق المحددة من تلك المباني، تَفي بأغراض محددة. فإذا كان لديك فكرة، فإنها بمثابة رسالة تجول بهذه المدينة لتصل إلى منطقة محددة مارة بأخرى. يحكم منصبي أستاذًا لعلم النفس والأعصاب، فإنني درست الدماغ قرابة عشرين عام، ويسعى أطباء وعلماء وجراحوا الأعصاب يوميًا إلى فهم الدماغ بصورة أفضل لفهم المزيد عنه.

الممارسة والتكرار يخلقا المهارات

يلعب العصبون دورًا رئيسيًا في الدماغ؛ حيث توجد الكثير من الخلايا الصغيرة التي ترسل الإشارات وتستقبلها؛ لكي يمكن الاتصال ببعضها البعض.

ويتراوح عدد العصبونات ما بين الثمانين إلى مائة عصبونًا في الدماغ، وترتبط ببعضها البعض لتشكّل ممرًا عصبيًا أشبه بالشوارع والطُرق السريعة في المدينة. إن خطرت فكرة، فإن العصبونات تتحفز وتخلق النبضات العربية التي تومض بطول مسارات مُماثلة؛ لتطلق مواد كيميائية صغيرة الحجم تسمّى (الناقلات الكيميائية) على مدار رحلتها.

تشبه (الناقلات الكيميائية) طاقم البناء الذي يُشيّد الطُرق؛ مما يجعل مرور الرسائل القادمة سهلًا. ويمكنك تصورها بطريقٍ مُتسخ، لكن مع الازدحام المروري، يمكن للإشارات المنطلقة -وهي الإشارات المنطلقة من العصبونات- أن تمر عَبرَ هذا الطريق لتصل إلى الطريق المُمهد. وإذا ظل الازدحام بوضعه هكذا، فإنها ستواصل المسيرة لتصل إلى الطريق السريع.

وبمجرد تعلمك أشياء جديدة، فإنك ستدري بما يدور حولك في هذا العالم، وستصبح دائرة اتصالك أكثر قوة. على سبيل المثال، عندما أتعلم ركوب الدراجة، قد لا أستقر أثناء ركوبها وستجد من الصعب أن تتسق عضلاتك مع القدرة على الاتزان؛ ولكن مع الممارسة، ستزداد قدرة الخلايا العصبية على التحكم في عضلاتك وعلى إتزان قدرتها على التومض؛ مما يجعل المُمارسة سهلة، حيث ترتبط العصبونات ببعضها البعض مشكِّلة بذلك شبكة عصبية؛ ولهذا السبب ما يجعل الممارسة والتكرار مهمان لتحسين المدارات سواء إن كنت تتعلم العزف على البيانو، أو تتعلم لغة جديدة. فبهذا يساعد على خلق المزيد من الشبكات وتزداد قوة اتصالها ببعضها البعض عدة مرات على حد تعبير العلماء في هذا المجال أنه «العصبونات التي تومض معًا تترابط معًا».

يمكن تفسير بعض أنماط التفكير أو السلوك إلى هذا النوع من النشاط المُتزامن المتكرر.

تنمية الإبداع

إنك تكون على دراية بقدر المعلومات التي يمكن أن يستوعبها الدماغ، فهو يتلقى المدخلات من حواسك (البصر، والسمع، والتذوق، والشم، واللمس). فعندما ترى جروًا جميلًا، أو تنصت إلى انشودتك المُفضَّلة، تقوم حواسك بإرسال الإشارات إلى الدماغ؛ لإثارة بذلك ردود الأفعال والعواطف القادمة من الدماغ.

إضافة إلى ذلك، يحتوي الدماغ على ذاكرتين، أشبه بملفات الحاسوب التي يمكنك الحصول عليها عندما تحتاجها، والتي بدورها تساعد على تشكيل أفكارك وتؤثّر على رؤية العالم من حولك. فإذا تذكرت يومًا مَرِحًا قضيته على الشاطئ؛ ستشعر بالسعادة والاسترخاء، أو إذا استنشقت رائحة فطيرة التفاح؛ فقد يذكرك هذا بما تخبزه لك جدتك. وتنتج هذه الأفكار على أثر الروابط السعيدة التي قد تشكلت في الدماغ؛ وذلك من خلال تكرارها وتقويتها بمرور الوقت.

يعد الإبداع قوة خارقة أُخرى، فعندما تطلق العنان لخيالك، تنتج الأفكار والقصص والاختراعات الجديدة، وهذا ما يفعله الفنانون والكُتّاب والعلماء الذين يطلقون العنان لخيالهم لاستكشاف إمكانات جديدة وحلولًا لجميعِ المشكلات.

هل سبق لك وأن مَررت لوهلة ما بلحظة إدراك أو فيما تعرف بال “يوركا” إذ يتقد ذهنك بفكرة من لا شيء، ومن ثم يعد هذا الطريق الذي يسلكه الدماغ في ربط الأفكار معًا لابتكار الحلول.

الحفاظ على صحة الدماغ

يتفق العلماء على أَن النوم مهم للدماغ؛ لأنهُ يساعد على معالجة المعلومات. أضف إلى ذلك يسمح له بأخذ قسط كافٍ من الراحة لتشكيل اتصالات جديدة؛ فيمكن للكثير أن يتوصل إلى أفكارٍ جديدة بعد أخذ قسطًا كافيًا من النوم. والعكس صحيح: أي لن تشعر أنك تفكر بطريقة سليمة إذ لم تحصل على قسطٍ كافٍ من الراحة. ومع النوم، يمكنك تناول الأطعمة الصحية والتمرّن. فمثل السيارات التي تحتاج إلى وقودها لتسير بسلاسة، تحتاج الدماغ إلى المغذيات والأكسجين ليعمل بصورة أفضل، فضلًا عن تعزيز تفكيرك وقوتك.

تحظى الأنشطة التي تعدها تحديًا، بأهمية عظيمة مثل القراءة ولعب الألغاز وعزف الموسيقى ومُمارسة الفنون وحل مسائل الرياضيات وكتابة المقالات والمقالات النقدية والمذكرات، كما أن التفكير الإيجابي يُساعد الدماغ في أن يبقى بحالة جيدة، فأيًا كان ما تتناوله أو تشاهده أو تنصت إليه أو تقرأه، يؤثّر على صحة دماغك.

على النقيض من ذلك، التدخين بالسجائر العادية أو السجائر الإلكترونية أو تعاطي الكحول والمخدرات يدمّر خلايا الدماغ. وقد تنجم إصابات الرأس عن لعب الرياضات مثل كرة القدم وركوب الدراجات؛ لكن يحدث اختلاف بارتداء الخوذة.

إن الدماغ عضو مدهش يعمل دون كد لإنتاج الأفكار والذكريات والحلول. ومع استمرار التكنولوجيا في التحسّن، سوف يتوصل إلى المزيد والمزيد عن الآلية التي تعمل بها العمليات الحيوية لظهور تجاربنا الواعية، فدراسة الدماغ أشبه بإطلاقة عملية عصبية نحو القمر، أي مشوار طويل كي نعلم كيف يعمل بالكامل.

  • ترجمة: زينب محمد الأصفر
  • تدقيق لغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1