يقلّل القادة من قيمة العمل الإبداعي من الفرق التي يديرها الذكاء الاصطناعي
كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي بالعمل الإبداعي؟ بفضل قدرات الذكاء الاصطناعي الهائلة والمتنامية، التي تُمكّنه من القيام بكل شيء بدءًا من هيكلة جداول العمل، إلى إدارة المهام الإدارية، وتقديم المشورة لصناع القرار، فإن قادة الفكر في الصناعة متفهّمون لإمكاناته ومتفائلون بها. ويعتمد الكثير من هذا التفاؤل على الادعاء أن البشر الذين يعملون مع الذكاء الاصطناعي سوف يكونون قادرين على تحرير وقتهم وتوسيع جهودهم الإبداعية بسبب قدرته على التعلّم من كميات هائلة من البيانات وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة، وبالتالي دفع المزيد من الابتكار. وقد كُتبت الكثير من التحليلات وتقارير الشركات لصالح هذا الادعاء.
إلا أنه على الرغم من حماسة خبراء التكنولوجيا والشركات على حد سواء، هل تعدّ هذه هي الطريقة التي قد يكون بها تبني أدوات الذكاء الاصطناعي؟ للإجابة عن هذا السؤال، أجرينا سلسلة من التجارب لاختبار إحدى الطرق التي غيّرت بها الأدوات الخوارزمية الاعتبارات ووفّرت الموارد للعاملين لإنتاج المزيد من العمل الإبداعي والمبتكر. إذ تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن هذه الأدوات، وتحديدًا تلك الأدوات الخوارزمية التي تشرف على إنتاجية الموظفين، قد تقلّل في الواقع من قدرة الموظفين على تنفيذ هذا العمل، وقد يتدهور تفاؤل الشركات التي تستخدم هذه الأدوات استخدامًا عشوائيًا.
وبدلًا من افتراض أن الذكاء الاصطناعي سيمكّن البشر من التركيز على الجانب الإبداعي للوظيفة افتراضيًا قد يحتاج القادة إلى مراعاة الواقع التنظيمي، وكيف تغيّر الأدوات الخوارزمية من قدرتهم على تقييم الأداء. ففي معظم المؤسسات، يحدّد تصوّر الإدارة العليا لمن لديه إمكانات إبداعية من هي الفِرَق التي ستتلقى الدعم من القمة لمتابعة المساعي المبتكرة. لقد وجدنا في بحثنا أن تقييم القادة للإمكانات الإبداعية انخفض عندما تدخّل الذكاء الاصطناعي في إدارة جزء من مسار عملهم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه الأدوات ستؤدي في النهاية إلى الإضرار بقدرة الموظفين على الإبداع وتحفيز الابتكار.
كيف تغيّر الإدارة الخوارزمية تصورات القادة
يوفّر بحثنا الأخير حول الإدارة الخوارزمية (استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي للإشراف على سير عمل الموظفين، وتحديد المهام، وتقييم الأداء) نظرة مفاجئة حول هذه القضية، ويشير إلى أننا بحاجة إلى النظر بعناية أكبر في أنظمة الذكاء الاصطناعي التي نستخدمها قبل الإدلاء بتصريحات مهمة عن فوائدها. وفي سلسلة من التجارب، وجدنا أن أعضاء فرق العمل التي تديرها خوارزمية الذكاء الاصطناعي يُنظر إليهم على أنهم أقل إبداعًا (ليس أكثر) مقارنةً بالفرق التي يديرها الإنسان. كما تلقّت هذه الفرق التي تقودها الخوارزميات تمويلًا أقل مخصصًا لمشاريع الابتكار.
وفي تجربتنا الأولى، شارك 180 فردًا (ذوي متوسط خبرة عمل يبلغ 16.52 عامًا) في محاكاة عبر الإنترنت لمؤسسة تسويقية. وتتكوّن المنظمة من أربعة مستويات: موظفو الفريق، ومشرفو الفريق، والإدارة العليا، ومجلس الإدارة. وقد عُيّن المشاركين في الإدارة العليا وأُبلغوا بأنهم سيشرفون على الفرق.
وتلقى المشاركون بعد ذلك معلومات عن أحد الفرق ومن بينهم مشرف الفريق. وعلم بعض المشاركين أن الإشراف على الفريق كان من خوارزمية حاسوبية، مبرمجة لتتبّع أداء الفريق وتقييمه؛ وعلم المشاركون الآخرون وجود مشارك بشري يشرف على الفريق في التجربة. ثم طلبنا من المشاركين تصنيف تقييماتهم لأعضاء الفريق الذي أشرفوا عليه. لقد اكتشفنا أن أعضاء الفريق الذي تشرف عليهم الخوارزمية يُنظر إليهم على أنهم أقل إبداعًا من أعضاء الفريق الذي يشرف عليهم إنسان. علاوةً على ذلك، إذا كانت الإدارة الخوارزمية تؤثّر على مظهر العمال المبدعين، فيجب أن تؤثر أيضًا على مدى استعداد المديرين للاستثمار في الجهود الابتكارية لهذه الفرق. ولذلك، طلبنا من المشاركين الذين عملوا كمديرين كبار اتخاذ قرار: كان لدى مؤسستهم ميزانية مخصّصة لتحفيز الابتكار، ويمكنهم توزيعها بين الفرق في الشركة. ووجدنا اختيار الأفراد إعطاء قدر أقل من هذه الموارد للفرق التي تديرها الخوارزميات، الأمر الذي يوضح كثيرًا الطرق التي يمكن أن تؤثّر بها الخوارزميات على قدرة الفرق على الإبداع وتوليد الابتكار للشركات.
وفي تجربة ثانية، نظرنا في كيفية تأثير انتشار الإدارة الخوارزمية في الشركة على وجهات النظر الإدارية للموظفين. ومثل التجربة الأولى، علم المشاركون عن فريق يشرف عليه إما إنسان أو خوارزمية. ولكن بعد ذلك تلقّوا معلومات أخرى: علم بعض المشاركين أن فريقًا واحدًا فقط في المؤسسة بأكملها يخضع للإشراف من خوارزمية، بينما علم المشاركون الآخرون أن كل فريق يعمل تحت إشراف خوارزمية. في نهاية المطاف، إذا كان تطبيق الإدارة الخوارزمية منتشرًا على نطاق واسع في الشركة، فربما لن يُصنّف هؤلاء الموظفين البشريين على أنهم أقل إبداعًا لأن هذه الممارسة أصبحت طبيعية. ومع ذلك، كانت النتائج أقل تفاؤلًا: إذ كان يُنظر إلى العاملين من البشر على أنهم أقل إبداعًا بغض النظر عما إذا كانت الإدارة الخوارزمية منتشرة على نطاق واسع أو نُفّذت بتحفظ أكثر؛ كما مُنحوا موارد مخصّصة للابتكار أقل.
يُنظر إلى الموظفين الذين تديرهم الخوارزميات على أنهم أقل إبداعًا.
إذًا، ما هي الآثار المترتبة على النتائج التي توصلنا إليها بالنسبة للمنظمات والمشرفين؟
أولاً، كونك قائد مؤسسي، عليك أن تدرك أن أتمتة عمليات الإدارة كي يتمكّن البشر من التفوق في ما يجيدونه (مثل الإبداع) قد تأتي بنتائج عكسية، وفي كثير من الأحيان دون أن تدرك ذلك. أما مع تطبيق الإدارة الخوارزمية، فإنك من المرجح أن تفكّر أقل في الإمكانات الإبداعية لموظفيك وبالتالي توفّر لهم دعمًا أقل لتحقيق النجاح والابتكار في العمل. توضح هذه النقطة أن تبني الذكاء الاصطناعي ليس مجرد مسألة تتعلق بالتكنولوجيا وحدها. كما يتطلب الأمر من القادة أن يفكّروا في كيفية تأثير مجرد وجود التكنولوجيا عن غير قصد على كيفية تقييمك أنت والآخرين للقوى العاملة البشرية ومعاملتها. وفي هذا الصدد، يجب على القادة أن يتذكّروا دائمًا أن الخوارزميات لا تغيّر القدرات الجوهرية للعاملين من البشر: فمن خلال الدعم المناسب، مع أو بدون مشرف خوارزمي، يمكن للبشر أن يدفعوا الابتكار للشركات، وهم يفعلون ذلك بالفعل.
ثانيًا، إذا كنت على دراية بالمخاطر المذكورة أعلاه، فقد تميل إلى تنفيذ تطبيق بطيء للإدارة الخوارزمية لاختبار الوضع، أو قد تكون أكثر ميلًا إلى تنفيذها دفعة واحدة لتعزيز التبني التنظيمي. وللأسف، من المحتمل ألا يخفّف أي من النهجين من الآثار السلبية على كيفية رؤيتك لموظفيك. وفي الواقع، أظهرت تجاربنا أن الفرق التي تقودها الخوارزميات كان يُنظر إليها بالطريقة نفسها بغض النظر عن الطرح البطيء أو السريع. وبدلًا من ذلك، يجب على القادة التركيز على المهام المحددة التي تقوم بها الإدارة الخوارزمية. على سبيل المثال، لا ينبغي للإدارة الخوارزمية أن تكون مسؤولة أبدًا عن مهام بشرية فريدة، مثل تقديم الدعم العاطفي، بل يجب أن تتولى المزيد من المهام الروتينية والآلية. وبمعنى آخر، دع الخوارزميات تفعل ما تجيده فقط، ودع البشر يتعاملون مع الباقي.
وتقودنا هذه النقطة أيضًا إلى مسألة “التعزيز”: إذ من المهم أن يُعتمد الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعل من الواضح للجميع أن التكنولوجيا موجودة ليس لأنها أفضل من القوى العاملة البشرية. وإلا، فسوف ينتهي بك الأمر في موقف يُنظر فيه إلى الموظفين الذين يعملون مع الذكاء الاصطناعي ويقيّمون على أنهم أقل مهارة. وبدلًا من ذلك، أكّد على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد البشر على أن يصبحوا أفضل. ويمكن أن يؤدي استخدام هذه الرؤية إلى إبطال الميول التلقائية لدى القادة لرؤية الموظفين، كما أوضحنا، على أنهم أقل قدرةً عندما يُطلب منهم العمل باستخدام الذكاء الاصطناعي. وبالتالي، تحتاج القيادة التي تنشر الذكاء الاصطناعي إلى التواصل بعناية والتوضيح حول سبب استخدام الذكاء الاصطناعي وعلاقته الدقيقة بالقوى العاملة.
وأخيرًا، يسلّط بحثنا الضوء على الحاجة المستمرة للشركات إلى توخي الحذر في استخدامها للتقنيات الجديدة، والنظر بعناية في الطرق التي قد تؤثّر بها هذه التقنيات على موظفيها من البشر. إذ تظهر الأبحاث بالفعل أن الإدارة بواسطة الخوارزميات تقوّض ثقة الموظفين والرضا الوظيفي. وبالنظر إلى النتائج التي توصلنا إليها، يشير هذا إلى وجود مأزق مزدوج للإدارة الخوارزمية: فالموظفون لا يحبون ذلك، وينظر المديرون إلى هؤلاء الموظفين بطريقة تفضيلية أقل. على الرغم من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثيرة وقد تعمل على تحسين الممارسات التنظيمية، إلا أنها لن تفيد شركتك على المدى الطويل إلا إذا فكّرت بعناية في الطرق التي يمكن أن تؤثّر بها سلبًا على القوى العاملة والممارسات التنظيمية عمومًا.
- ترجمة: عبير ياسين
- تدقيق علمي ولغوي: رنا حسن السوقي
- المصادر: 1