أربع طرق لخلق ثقافة التعلم في الفريق

تعمل التكنولوجيا على إحداث تغيير جذري في كل صناعة ومجال من مجالات الحياة، والعمل ليس استثناءً. ويعدّ التحوّل في الطلب على الخبرة البشرية أحد الآثار المهنية الرئيسية للثورة الرقمية. على سبيل المثال، يُظهر بحث المواهب الذي أجرته LinkedIn أن نصف المهارات الأكثر طلبًا اليوم لم تكن مُدرجة في القائمة قبل ثلاث سنوات.

ونتيجةً لذلك، يوجد الآن اهتمام كبير بالفضول الفكري وقابلية التعلّم، والرغبة والقدرة على النمو بسرعة وتكييف مجموعة مهارات الفرد ليظل قابلًا للتوظيف. إن ما تعرفه أقل أهمية مما قد تتعلّمه، ومعرفة الإجابة على الأسئلة أقل أهمية من القدرة على طرح الأسئلة الصحيحة في المقام الأول. ومن غير المستغرب أن يجعل أصحاب العمل مثل Google، وAmerican Express، وBridgewater Associates، التعلّم جزءًا لا يتجزأ من أنظمة إدارة المواهب الخاصة بها. وكما أشار تقرير بيرسين: «إن المحرك الأكبر لتأثير الأعمال هو قوة ثقافة التعلّم في المؤسسة».

ومع ذلك، فإن ثقافات التعلّم الحقيقية، التي حدّدها مجلس الرؤساء التنفيذيين بأنها «ثقافة تدعم العقلية المنفتحة، والسعي المستقل للمعرفة، والتعلّم المشترك الموجّه نحو مهمة وأهداف المؤسسة»، لا تزال الاستثناء وليس القاعدة. لقد وجدت الأبحاث الحديثة أن 10% فقط من المؤسسات تمكنت من إنشاء هذه الثقافة، وأن 20% فقط من الموظفين يظهرون سلوكيات تعليمية فعّالة في العمل. كما تناول البحث الذي أجراه بيرسين مسألة ثقافة التعلّم بقدر كبير من التفصيل، ووجد أن الشركات التي تُغذّي بشكل فعّال رغبة القوى العاملة لديها في التعلّم من المرجح أن تصبح رائدة في السوق في صناعاتها بنسبة 30% على الأقل على مدى فترة طويلة من الزمن.

فيما يلي أربع توصيات مبنية على أسس علمية لمساعدتك على خلق ثقافة التعلّم في فريقك أو في مؤسستك:

1. مكافأة التعلّم المستمر

من المستحيل إحداث تغييرات متعمدة في ثقافة فريقك أو مؤسستك ما لم تضع بالفعل أنظمة مكافآت رسمية لجذبهم، وحتى في هذه الحالة ليس هناك ما يضمن أنك ستحقّق التغيير ما لم تكن المكافآت فعّالة. للأسف، حتى عندما يدرك المديرون أهمية التعلّم، على الأقل من الناحية النظرية، فإنهم غالبًا ما يكونون أكثر اهتمامًا بتعزيز النتائج والأداء على المدى القصير، الأمر الذي يمكن أن يكون عدوًا للتعلّم. بحكم التعريف، يكون الأداء في أعلى مستوياته عندما لا نتعلّم. وبالمثل، يصعب على الموظفين إيجاد الوقت والمساحة اللازمين للتعلّم عندما يُطلب منهم تحقيق أقصى قدر من النتائج والكفاءة والإنتاجية. لقد وجد تقرير صادر عن بيرسين أنه من بين أكثر من 700 مؤسسة دُرِست، كان لدى الموظف العادي 24 دقيقة فقط في الأسبوع للتعلّم الرسمي. ولاحظ أن مكافأة الفضول لا تقتصر فقط على مدح وتشجيع أولئك الذين يبذلون جهدًا للتعلّم والتطوير، بل يتعلّق الأمر أيضًا بخلق مناخ يُغذّي التفكير النقدي، فيُشجّع تحدّي السلطة والتحدث بصوت عالٍ، حتى لو كان ذلك يعني خلق الخلاف. وهذا مهم بشكل خاص إذا كنت تريد أن يقوم فريقك بإنتاج شيء مبتكر.

2. تقديم تغذية راجعة هادفة وبنّاءة

في عصر تركّز فيه العديد من المؤسسات تدخّلاتها التنموية على “نقاط القوة”، إذ استبدلت أساليب الشعور بالسعادة في الإدارة “العيوب” و”نقاط الضعف” بالعبارة الملطفة الشائعة “الفرص”، من السهل أن ننسى قيمة ردود الفعل السلبية. ومع ذلك، فمن الصعب تحسين أي شيء عندما لا تكون على دراية بحدودك، أو راضيًا تمامًا عن إمكاناتك، أو مسرورًا بنفسك بشكل غير مبرر. على الرغم من أن إحدى أفضل الطرق لتحسين أداء الموظفين هي إخبارهم بالأخطاء التي يرتكبونها، إلا أن المديرين غالبًا ما يتجنبون المحادثات الصعبة، لذلك ينتهي بهم الأمر بتقديم ردود فعل أكثر إيجابية من التغذية الراجعة السلبية. وهذا يمثّل مشكلة خاصةً عندما يتعلق الأمر بالفضول والتعلّم، لأن أفضل طريقة لإثارة الفضول هي تسليط الضوء على فجوة المعرفة، أي جعل الأفراد على دراية بما لا يعرفون، خاصةً إذا كان ذلك يجعلهم يشعرون بعدم الارتياح. ومن الملاحظ أن الأفراد عمومًا لا يدركون جهلهم وحدودهم، خاصةً عندما لا يتمتعون بكفاءة عالية، لذا فإن التوجيه والتغذية الراجعة من الآخرين أمر بالغ الأهمية لمساعدتهم على التحسّن. ومع ذلك، يجب تقديم ردود الفعل السلبية بطريقة بنّاءة وحسّاسة، فهي فن حقيقي، إذ إن الأفراد بشكل عام أقل تقبّلًا لها من الثناء والتقدير، خاصةً في الثقافات الفردية (المعروفة أيضًا باسم النرجسية).

3. كن مثالًا يُحتذى به

إن الدافع الآخر المهم لتعلّم الموظفين هو ما تفعله بالفعل كمدير أو قائد. وكما يتّضح من نموذج سلسلة القيمة القيادية، فإن سلوكيات القادة، وخاصة ما يفعلونه بشكل روتيني، لها تأثير قوي على سلوك وأداء فِرَقهم. وكلما كان القادة أعلى مرتبةً، كلما كان تأثير سلوكياتهم على بقية المؤسسة أكبر. وبناءً على ذلك، إذا كنت ترغب في تغذية فضول فريقك أو إطلاق العنان للتعلّم في مؤسستك، فيجب عليك ممارسة ما تدعو إليه. ابدأ بعرض بعض ما تعلّمته وإطلاق العنان لفضولك. إنه نوع من الحتمية الكانطية (Kantian imperative): لا تطلب من موظفيك أن يفعلوا ما لا تفعله بنفسك. إذا كنت تريد أن يقرأ الناس المزيد، فاقرأ أنت واجعل الآخرين على دراية بعادات القراءة النهمة لديك (شارك معهم كتبك المفضلة أو أحدث الأمور التي تعلّمتها). وإذا كنت تريد منهم تولّي مهام جديدة وصعبة، فتولَّ أنت تلك المهام الجديدة والصعبة بنفسك. على سبيل المثال، تعلّم مهارة جديدة، أو تطوّع للعمل على شيء لا علاقة له بوظيفتك الرئيسية، أو مارس مهامًّا خارج نطاق راحتك حتى لو لم تكن بارعًا فيها، ومع قليل من الفضول والانضباط ستتمكّن من إظهار التحسّن، وهذا ينبغي أن يلهم الآخرين. وإذا كنت تريد منهم أن يشكّكوا في الوضع الراهن وأن يكونوا منتقدين وخلّاقين، فلا تغفل عن النظام والقواعد.

4. وظّف أفرادًا فضوليين

في كثير من الأحيان، وفي ظل المشكلات الإدارية الكبيرة، نركّز على التدريب والتطوير مع التقليل من أهمية الاختيار الصحيح. لكن الحقيقة هي أن الوقاية والتنبّؤ أسهل من الإصلاح والتغيير. فعندما ينجح الاختيار، تكون الحاجة إلى التدريب والتطوير أقل بكثير، ويجعل الاختيار الجيد التدريب والتطوير أكثر فعاليّة لأنه من الأسهل زيادة الإمكانات بدلًا من أن تتعارض مع طبيعة فرد ما. إن التعلّم والفضول ليسا استثناءً: إذا عيّنت أفرادًا فضوليين بطبيعتهم، وحقّقت أقصى قدر من التوافق بين اهتماماتهم والدور الذي يشغلونه، فلن تضطر إلى القلق كثيرًا بشأن رغبتهم في التعلّم أو المشاركة في قضيتهم لإطلاق العنان لفضولهم. ولحسن الحظ، توفّر الدراسات التحليلية قائمة مفصّلة بالسمات، والمقاييس المقابلة لها، التي تزيد من ميل الفرد إلى التعلّم والتطوّر فكريًا، حتى بعد البلوغ. وهناك علم راسخ للتنبّؤ باحتمالية إظهار الأفراد لمثل هذه السمات (على سبيل المثال، تقييمات الشخصية التي تقيس الانفتاح على التجارب الجديدة، والتسامح مع الغموض، والتفكير النقدي، والفضول). وبالمثل، تُظهر عقود من الأبحاث في الاهتمامات المهنية أن مواءمة دوافع الأفراد واهتماماتهم مع خصائص الوظيفة وثقافة المؤسسة لا يؤدي إلى زيادة دوافعهم للتعلّم فحسب، بل إلى زيادة أدائهم أيضًا.

باختصار، إذا كنت ترغب في تعزيز الفضول والتعلّم لدى موظفيك، فلا داعي للاعتماد على برامج التعلّم والتطوير الرسمية لمؤسستك. إن تعزيز سلوكيات التعلّم الإيجابية، وإعطاء ردود أفعال بنّاءة ونقدية لمواءمة جهود الموظفين مع أهداف التعلّم الصحيحة، وإظهار فضولك، وتوظيف أشخاص ذوي عقل متعطش وقابلية عالية للتعلّم، كلها عوامل من المرجح أن تخلق ثقافة تعليمية أقوى داخل فريقك ومؤسستك.

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1