قوة الفِرَق المخفية

يعمل الموظفون الأكثر تفاعلًا معًا بطرق لا تدركها الشركات.

على سبيل المثال، ممرضان: الوظيفة نفسها، لكن في مستشفيين مختلفين. فأحدهما يوفّر رعاية رائعة للمرضى، والآخر لا يفعل ذلك. لماذا؟

عملت جوردان في جامعة ستانفورد للرعاية الصحية كممرضة سريرية في قسم العظام على مدى السنوات الثلاث الماضية. وقد وصفت، في مقابلة أجرتها معنا مؤخرًا، مدى سعادتها لأن تكون في دور هدفه الكامل مساعدة الناس على التحسّن واحدًا تلو الآخر. وعلى وجه الخصوص، تحب ما تسميه النهج متعدّد التخصّصات، حيث تجتمع الأسرة ومدير الحالة والمعالج الفيزيائي والطبيب والمعالج الوظيفي والأخصائي الاجتماعي والممرضة معًا لاختيار أفضل رعاية لكل مريض على حدة.

كان فريتز ممرضًا سريريًا للمدة نفسها تقريبًا، لكنه يعمل في قسم مختلف وفي مستشفى مختلف. وهو يعمل الساعات الطويلة نفسها التي تعملها جوردان، ولكن على عكسها، فهو ليس جزءًا من وحدة متعدّدة التخصّصات. إنه مجرد واحد من 76 ممرضًا، عُيّنوا جميعًا في فترات تناوبية يتغيّر أعضاؤها من أسبوع إلى آخر، ويشرف عليهم جميعًا مديران ومشرف ممرض واحد. إنه يكافح. لقد بدأ مسيرته المهنية في التمريض بالقدر نفسه من الشغف الذي فعلته جوردان لمساعدة الناس، لكنه الآن متعب ومنهك ويفكر في التخلي عن المهنة. (جوردان شخص حقيقي، في حين أن فريتز هو مزيج من العديد من الممرضين الذين تحدثنا معهم).

يواجه كل من جوردان وفريتز ضغوطًا يومية لا تصدق في العمل. فالوظيفة مرهقة بطبيعتها، والنظام ضاغط، والأعمال الورقية لا نهاية لها، والعبء العاطفي لرعاية المرضى يثقل الكاهل، وخطر أن الأخطاء قد تؤدي إلى دعاوى قضائية مصدر قلق دائم. بالنسبة لفريتز، يحطّ التوتر بشدة: فشعوره، وهو يستقل الحافلة كل صباح متوجهًا إلى المستشفى، هو أنه يمشي مع التيار، وينجو بتحصيل الخبرة في العمل، ويحاول إبقاء كل شيء في مرسى الأمان. إنه فقط لا يشارك في عمله. بينما يحدث شيء مختلف مع جوردان. فهناك شيء في تجربتها في العمل يرفعها للأعلى، ولا يسحبها للأسفل. إنها منخرطة بشكل كامل، والنتائج الصحية لمرضاها تعكس ذلك.

جوردان وفريتز ممرضان، لكن يمكن أن يكونا أي ثنائي من العاملين في أي مكان في العالم اليوم، أحدهما مزدهر والآخر يتخبّط. والسؤال الذي يلقي بثقله على أصحاب العمل اليوم هو كيفية جعل فريتز أشبه بجوردان، وبعبارة أخرى، كيفية إنشاء موظفين أكثر تفاعلًا. إن سجّل المؤسسات في القيام بذلك مختلط، على أقل تقدير. أردنا أن نفهم ما الخطأ الذي يحدث.

لماذا نهتم بالمشاركة، وكيف أخطأنا في فهمها

ما هي المشاركة بالضبط؟ على المستوى الداخلي، نعلم أن الأمر يتعلق بمدى مشاركة الأفراد في عملهم ومدى حماسهم له. ولكن من خلال تعريف المشاركة بشكل أكثر دقة كمجموعة من المواقف، تمكنّا من قياسها وفهم تأثيرها على الأداء. من الأبحاث التي بدأت في مؤسسة جالوب في الثمانينيات والتسعينيات، واستمرت منذ ذلك الحين من قبل العديد من الآخرين (بما في ذلك كلانا)، نعلم أن بعض مواقف الموظفين يمكن أن تساعد في التنبؤ بسلوكيات الموظفين الإنتاجية، وأن الشركات والمديرين والأفراد يمكنهم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين أو تغيير تلك المواقف. كما أننا نعلم أن المواقف تبدو وكأنها تتجمّع حول موضوعات متّسقة، مثل الإحساس الواضح بالهدف، والفكرة الشائعة حول ما هو قيّم أو مهم، ومشاعر الأمان النفسي، والثقة بشأن المستقبل. نحن نعلم أنه عندما نجد هذه المجموعات مُعبَّرًا عنها في فرد واحد، أو فريق واحد، أو شركة واحدة، فيمكننا أن نطلق على هذا التعبير اسم “المشاركة”. وأخيرًا، نحن نعلم أن المشاركة، عند قياسها باستخدام بعض العبارات المصاغة بدقة حول مشاعر الموظف وتجاربه، تحدّد موقفًا في العمل يؤدي إلى الإنتاجية والابتكار والاحتفاظ وغير ذلك الكثير.

ولكن عندما ننظر إلى مجموع مستويات المشاركة عبر الزمن وعبر البلدان، سرعان ما يصبح من الواضح أن كل ما كانت تفعله المؤسسات لتحسين هذه النتائج، بدءًا من الجهود المتعلقة بثقافة الشركة وحتى الإدارة الصارمة للأداء، لم يكن ناجحًا. انضم أحدنا (ماركوس)، بناءً على عمله مع مؤسسة غالوب، مؤخرًا إلى معهد أبحاث ADP (ADPRI) لقيادة تحقيقاته المتعلقة بالأفراد والأداء في العمل. لقد أكمل الآن هو وفريقه الدراسة العالمية الأكثر شمولًا واتساقًا من الناحية المنهجية حول المشاركة التي أُجريت حتى الآن، والتي طُلب فيها من عينة تمثيلية من البالغين العاملين من 19 دولة (1,000 مشارك في كل دولة) الرد على ثمانية بيانات مصمّمة لقياس المشاركة بشكل موثوق. وتكشف هذه الدراسة، من بين العديد من النتائج الأخرى، أن نحو 16% فقط من الموظفين منخرطون بشكل كامل في العمل، مثل جوردان، في حين أن نحو 84% يتماشون مع التيار فقط، مثل فريتز.

هذه النتائج ليست أفضل من تلك التي كُشف عنها في الدراسات الاستقصائية السابقة التي أجرتها مؤسسة غالوب وآخرون على مر السنين. وبما أننا نعلم أن مشاركة الموظفين تؤدي إلى زيادة إنتاجيتهم على مستوى وحدة الأعمال، فليس من المستغرب أن يكون النمو في إنتاجية الفرد في الولايات المتحدة على مدار الأربعين عامًا الماضية ضعيفًا أيضًا، إذ بالكاد لم يتجاوز 1% سنويًا، بينما يبدو أن أداء دول متقدمة أخرى، مثل المملكة المتحدة وألمانيا، أسوأ من ذلك. لذا يبدو من الواضح أننا بحاجة إلى إيجاد طريقة أخرى.

يكمن المفتاح في فهم ما يحفّز المشاركة فعليًا. فلسنوات كنا نخطئ في هذا الأمر. إذ يميل معظمنا، عند تقييم الفرق بين تجربة جوردان وفريتز، إلى القفز إلى أحد التفسيرين: الأول هو أن شيئًا ما في مستشفى جوردان يناسبها، وشيئًا ما في مستشفى فريتز لا يناسبه. لذا، لتحسين حياته وأدائه في العمل، يجب أن يكون التركيز على مستشفى فريتز ككل، إذ يجب أن تقدّم المزيد من الدعم لممرضيها. ويجب أن يكون التزامها بالتوازن بين العمل والحياة أكثر وضوحًا. وينبغي لها أن تتحدث عن “علامتها المميزة” وأن تصف بشكل أكثر وضوحًا نوع الممرضين/ات الذين تسعى إلى جذبهم وكيف تريد أن يتصرّفوا حتى يتمكّن الجميع من فهم أفضل لكيفية الأداء. إن الاسم الشائع لهذه الفكرة هو الثقافة، وعلى الرغم من أن الشركات التي تعطي الأولوية للثقافة، وبالتالي تجربة موظفيها، تتخذ خطوة أولى مهمة، فإن معالجة تجربة الموظف على مستوى الشركة يعد حلًّا غير كامل.

يذهب التفسير الثاني إلى الطرف الآخر من المشكلة. فبدلًا من التركيز على المفهوم الواسع للثقافة، فإنه يفسّر الاختلافات في الأداء والمشاركة بين جوردان وفريتز من حيث هويتهما كأفراد: هناك شيء صحيح في جوردان، وهناك شيء أقل صوابية في فريتز. لتصبح الوصفة بعد ذلك هي مساعدة فريتز على أن يصبح أكثر انخراطًا من خلال إعطائه تغذية راجعة حول كيفية عمله، وتطويره بمزيد من التدريب، وإعطائه دور مختلف على أمل أن يؤدي إلى نتائج مختلفة، أو في النهاية، استبداله بممرض/ة، مع القليل من الحظ، مثل جوردان، ليقوم بذلك.

في بادئ الأمر، لقد تعاملنا مع المؤسسات وكأنها آلات متزايدة التعقيد، حيث يشكّل الأفراد مجرد أجزاء مكوّنة، وحيث تتضمن الحلول لأي علل تعديل النظام من الأعلى، إما من خلال معالجة الثقافة على نطاق واسع، وإما عن طريق ترقية المكونات الفردية، الذين هم البشر، أنفسهم.

لكن دراسة ADPRI التي يرتكز عليها هذا المقال تكشف عن طريقة بسيطة للغاية، ومهملة إلى حد كبير حتى الآن، لزيادة الصحة المهنية لفرد ما وإنتاجيته في العمل. إذ اتضح أن الطريقة الأكثر فعالية لتحسين أحوال فريتز، ومرضاه والمستشفى، هي التركيز ليس على الثقافة أو على الأفراد كما لو كانوا يعملون في عزلة، بل على ما يجعل تجربة جوردان تتألق: فريقها.

قضية الفِرَق

للعثور على الأدوات الأكثر فعالية لخلق المشاركة، حلّلنا عددًا من المتغيرات لقدرتها على تفسير سبب مشاركة موظف معيّن بشكل كامل. هل كان العمال الأكبر سنًا أكثر خيبة أمل، وبالتالي أقل احتمالًا للمشاركة الكاملة من الشباب؟ هل يمكن تفسير المشاركة العالية بشكل أفضل من خلال مستوى التعليم العالي؟ هل أحدثت مدة العمل فرقًا، بمعنى أن العاملين بدوام جزئي كانوا أكثر تفاعلًا من العاملين بدوام كامل، أم العكس؟ لقد بحثت دراسة ADPRI في كل هذه المتغيرات وأكثر في محاولة لاكتشاف أي منها يمكن أن يفسّر المشاركة والإنتاجية بشكل أفضل. وكما تبيّن، كان العامل الأقوى ببساطة ما إذا كان المشاركون في الدراسة أفادوا بأنهم يقومون بمعظم عملهم ضمن فريق أم لا. إذ كان أولئك الذين فعلوا ذلك أكثر عرضةً للانخراط بشكل كامل بأكثر من الضعف من أولئك الذين قالوا إنهم قاموا بمعظم عملهم بمفردهم. لقد تغلبت تجربة العمل المحلية في مستواها الفعلي (الأشخاص الذين عملوا معهم وتفاعلاتهم معهم) على كل شيء آخر.

ويعد هذا منطقيًا. إذ وفقًا لدراسة ADPRI، فإن معظم العمل، في كل صناعة، وفي كل منطقة من العالم، وعلى كل مستوى في المؤسسة، هو في الواقع عمل جماعي؛ يقول 83% من العاملين أنهم يقومون بمعظم عملهم ضمن فِرَق (على الرغم من أن بعض الفِرَق، كما سنرى، أكثر جاذبية بكثير من غيرها). الفريق هو حقيقة تجربتك في العمل. فيبدو أن لديك مسؤوليات مرتبطة بمسؤوليات الآخرين؛ ولديك نقاط قوة يبدو أنها مكمّلة لنقاط قوة الآخرين؛ لديك أفراد فوق كتفيك الأيسر والأيمن: يعتنون بك، ويحافظون على ثقتك، ويعرضون ردود أفعالهم على عملك، ويشاركون فكرتك حول ما هو “الجيد”، ويتدخّلون عندما تبدو مرهقًا، ويقدّمون مقترحاتهم عندما تجد نفسك عالقًا. إن جودة تجربة الفريق هذه هي جودة تجربة عملك.

إن الشعور وكأنك جزء من فريق لا يتطلب منك أن تكون موجهًا نحو ثقافة الشركة؛ كما أنها لا تتطلب دورة تدريبية معينة أو مبادرة تطويرية. بدلًا من ذلك، يعتمد الأمر على ما إذا كان قائد فريقك وزملاؤك في الفريق يحضرون كل يوم، ويتحدثون إليك، ويعتمدون عليك، ويدعمونك. إن تجربتك مع فريقك تُظهر أشياء كثيرة: مدى إنتاجيتك في العمل؛ مدى سعادتك في العمل؛ ما مدى إبداعك وابتكارك ومرونتك؛ والمدة التي تختارها للبقاء مع الشركة. بمعنى آخر، عندما يتعلق الأمر بعملك، فإن الفِرَق الرائعة والعمل الجماعي لا يعد أمرًا رائعًا فقط، بل إنها أمر لا بد منه.

في الواقع، ووفقًا لبحثنا، إن أفضل طريقة، بل الطريقة الوحيدة، لمساعدة فريتز على الشعور والأداء مثل جوردان هي البدء باحتياجات فريقه. وإذا أردنا زيادة المشاركة والإنتاجية في العمل، يجب علينا أولًا أن نفهم سبب صعوبة رؤية الفِرَق في العمل وكيف يتغير ذلك الآن. ثم يجب علينا توجيه استثماراتنا وطاقاتنا نحو تحسين تجارب الفريق.

رؤية الفِرَق

يمكن للمؤسسات رؤية المربعات والخطوط في المخطط التنظيمي، ولكنها لا تأخذ في الاعتبار العديد من الفِرَق الفعلية. عندما سألت دراسة ADPRI نفسها المشاركين عما إذا كانوا يعملون في أكثر من فريق واحد، وكم عدد هذه الفِرَق التي يمكن العثور عليها في المخطط التنظيمي، أجاب 64% بنعم، وقال ثلاثة أرباعهم إن فِرَقهم الإضافية لم تظهر حتى في الدليل. إن معظم العمل هو عمل جماعي، ولكن قرابة نصف الفِرَق التي يحدث فيها هذا العمل تكون غير مرئية للشركات.

وينبع هذا العمى من أدواتنا. إذ يقول المثل: «نحن نشكّل أدواتنا، ثم أدواتنا تشكّلنا». إن الأدوات التي تساعدنا على “رؤية” موظفينا، وهو ما يسمى بأدوات إدارة رأس المال البشري التي تضمن حصول الأفراد على أجورهم بشكل صحيح، ومحاسبة الإدارات المناسبة، وتحصيل الفواتير مقابل الميزانيات الصحيحة، كلها امتدادات لتخطيط موارد المؤسسة المسماة أدوات تخطيط موارد المؤسسات (ERP)، والتي يتمثّل جزء كبير من وظيفتها في تنظيم الأفراد في المجموعات الصحيحة. إن مصدر الحقيقة المتعلق بمن يعيش في أي دائرة (على سبيل المثال التسويق أو التمويل) وفي أي منصب هو في تلك الدائرة، هو قسم الموارد البشرية. فإذا أراد أحد المديرين إضافة فرد ما رسميًا إلى فريقه، يجب عليه الاتصال بقسم الموارد البشرية وطلب الإذن لنقل “عدد الموظفين” (والذي يعني في الأساس الراتب) من منصب إلى آخر. لذا، يجب التقدم بطلب للحصول على الموافقات، ويجب استشارة الميزانيات، ويجب منح الأذونات لأعلى ولأسفل السلسلة، حتى يظهر أخيرًا الدخان الأبيض، وبالتالي يظهر عدد الموظفين الجديد في مربع جديد على المخطط التنظيمي للشركة.

وما يخفيه هذا بالطبع هو كيفية إنجاز العمل فعليًا. في العالم الحقيقي، يقوم قادة الفِرَق بجذب أعضاء الفريق إلى فِرَق جديدة طوال الوقت. قد تستمر بعض هذه الفِرَق لمدة ثلاثة أسابيع، أو حوالي ثلاثة أشهر، ولهذا السبب تساءلت دراسة ADPRI عن الاختلافات بين الواقع على الأرض ونظرية المخطط التنظيمي. وقد وجدت أن مصدر الحقيقة حول الفِرَق الموجودة ومن يعمل بها هو في الواقع قائد الفريق، وليس الموارد البشرية. علاوةً على ذلك، فإن قائد الفريق ليس اسمًا في دائرة، بل هو أي فرد نجح في توظيف مجموعة من الأفراد للعمل على شيء ما.

بمعنى آخر، لا تُحدَّد الفِرَق من خلال من يقدّم التقارير لمن وفي أي قسم على المخطط التنظيمي. بل إنها تنشأ من عدد كبير من الطلبات والقبولات، التي لا يرى قسم الموارد البشرية أيًا منها، وبعضها متداخل، والعديد منها سريع الزوال، وكلها حيث تكمن تجربة العمل الفعلية للأفراد حقًا. إن أدواتنا الحالية عمياء عن هذا الواقع، وكذلك نحن. لذلك لا يمكننا رؤية عملنا لأننا غير قادرين على رؤية فِرَقنا.

لكن كل هذا يتغير الآن. إن الهواتف المحمولة التي تعمل دائمًا والتطبيقات التي أحدثتها يعني أن المطوّرين يبنون أدوات يستخدمها قادة الفِرَق والأعضاء المشغولون طواعية. وهذه ليست تلك الأدوات التقليدية المستخدمة لتحديد الأهداف وتقييم الأداء وملء النماذج، أو من النوع الذي يتعيّن على الموارد البشرية إجبار الأفراد على التعامل معها. بدلًا من ذلك، إنها أدوات مثل Slack وJira وWebex Teams من Cisco، التي تجمع قادة الفِرَق وأعضائها بسرعة وتساعدهم على إنجاز عمل حقيقي من خلال هؤلاء الأفراد. ومع أن هذه الأدوات الإنتاجية تركّز في المقام الأول على العمل بدلًا من بناء الفريق، إلا أن المؤسسات بدأت في استخدام بياناتها “المستنزفة” لمعرفة من يتواصل مع من، ومن يدعو من للانضمام إلى المشروع، ومن يعتمد على من لإنهاء مشروع في موعده النهائي. بمعنى آخر، بدأنا نرى فعليًا الفِرَق الديناميكية والزائلة وغير الرسمية والمشروطة والمرنة في عالم العمل الحقيقي. لذا يمكننا الآن، وأخيرًا، التحقّق من شكل الفِرَق الحقيقية، وخاصة تلك الأفضل، في العالم الواقعي للعمل.

إن فهم كيفية عمل الفِرَق يعني نهاية العديد من المبادرات التي تعتمد عليها المؤسسات حاليًا لمعالجة المشاركة والأداء. على سبيل المثال، لن نجري استبيانًا مرة واحدة سنويًا للمشاركة في المؤسسة بأكملها، وتقسيم النتائج وفقًا للإدارات والأقسام في المخطط التنظيمي، والتظاهر بأننا وجدنا أي شيء مفيد. بدلًا من ذلك، سنحلّل ببساطة البيانات الواردة من الفِرَق، في الوقت الفعلي. لن نصمّم الكثير من العمل حول الحوافز الخارجية (الأجور، والترقية، والألقاب، وما إلى ذلك)، كما لو كان من المستحيل قياس الحوافز الجوهرية (المعنى، والنمو، والعلاقات، وما إلى ذلك)؛ بل نود بدلًا من ذلك قياس تلك الأشياء فريقًا تلو الآخر، حيث تُحدث الفرق الأكبر. لن تتوالى أهداف المؤسسة وصولًا إلى الأفراد من خلال نهج “من يرفع التقارير إلى من” في المخطط التنظيمي، لأن هذه المنهجية لا تشمل أي فِرَق حقيقية في الشركة. ولن تتّبع مراجعات الأداء المنهجية نفسها، لأن معظم الأداء يحدث خارج الصندوق. وبدلًا من ذلك، ستُنشر المبادرات الحاسمة (حول الابتكار والتنوّع) وقياس الأداء من خلال الفِرَق الفعلية حيث يُنجز العمل.

على مستوى الفريق، لن يُدعى الأفراد ليكونوا قادة للفريق لمجرد أنهم كانوا جيدين عندما كانوا أعضاءً فيه؛ يمكننا رؤية أداء الفِرَق وقياسه، حتى نعرف ما هي التجارب التي يخلقها أفضل القادة. ثم نتخذّ قرارات مستنيرة بشأن عدد الأفراد الذين يجب أن يكونوا في فريق معيّن، لأننا سنعرف كيف يتأثّر أداء الفريق بمدى سيطرة القائد (أي عدد الأشخاص الذين يكون القائد مسؤولًا عنهم). بعد ذلك، تُدرّب فِرَق محدّدة معًا، وفقًا لاحتياجاتها ولبناء نقاط قوتها الفريدة، بدلًا من مطاردة بعض مهارات “العمل الجماعي” العامة.

بعبارة أخرى، من خلال قدرتنا أخيرًا على رؤية الفِرَق المحليّة وتلك الديناميكية والأخرى سريعة الزوال، أصبح من الأفضل لنا أن نخوض حربًا حقيقية من أجل المواهب: ليس فقط اجتذاب أفضل الأفراد، بل أيضًا الحصول منهم على أفضل ما يمكنهم تقديمه بشكل فريد.

الفِرَق الأفضل

على الرغم من أن الشعور وكأنك ضمن فريق أمر أساسي للمشاركة، إلا أن هناك بعض الفِرَق أكثر تحفيزًا من غيرها للمشاركة. ففي الفِرَق الأكثر تفاعلًا (الربع الأعلى) يكون نحو 59% من الأعضاء منخرطين بشكل كامل، بينما تبلغ النسبة للأعضاء المشاركين 0% في الربع السفلي. تشير دراسة ADPRI بقوة إلى أن عددًا من العوامل الرئيسية تفصل أفضل الفِرَق عن البقية. ومن هذه العوامل يمكننا استخلاص الاستنتاجات التالية للقادة حول كيفية تحسين فِرَقهم:

1. التركيز على الثقة.

تحدّد بياناتنا على الفور الفروقات الكبرى بين الفِرَق ذات الأداء العالي وتلك ذات الأداء المنخفض: الثقة في قائد الفريق. لذا فإن أعضاء الفريق الذين يوافقون بشدة على الثقة بقائد فريقهم هم أكثر عرضةً بثمانية أضعاف للمشاركة الكاملة مقارنةً بأولئك الذين لا يفعلون ذلك. ويجب أن تكون هذه الثقة عميقة وبدون شك. إن عضو الفريق الذي يوافق فقط على الثقة في قائد فريقه يُظهر تقريبًا المستوى نفسه من المشاركة الذي يظهره الفرد الذي لا يثق في قائد فريقه. لذا، لكي تكون الثقة مهمة، يجب أن تكون عمياء.

ويمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك لتحديد المكونات الأساسية لتلك الثقة. أي أننا نعرف الأنشطة التي يجب على قائد الفريق المشاركة فيها لبناء ثقة كبيرة مع أعضاء فريقه. عند تحليل دراسة ADPRI للتأكد من المفاهيم الأكثر ارتباطًا بالثقة، اكتشفنا هذا التوافق القوي مع عبارتين من استبياننا: «في العمل، أفهم بوضوح ما هو متوقع مني»، و«لدي فرصة لاستخدام نقاط قوتي كل يوم في العمل». إذ تدل هاتان العبارتان على التوافق مع مستوى عالٍ من الثقة في قائد الفريق. ويشير هذا إلى أنه على الرغم من سيولة عالم العمل اليوم، فإن أفضل قادة للفِرَق يمكنهم مساعدة كل عضو في الفريق على الشعور بالفهم والتركيز. اعرف أفضل ما لدي، ثم ركّز عملي على ذلك: هذه هي الاحتياجات الأساسية لكل عضو في الفريق، وأساس أي فريق عالي الأداء.

كجزء من التحليل النوعي المصاحب لأي بحث كمي، أجرينا مقابلة مع امرأة سنسميها كيونا، وهي مديرة وسائل التواصل الاجتماعي في شركة خدمات مهنية، لأن البيانات كشفت أنها وزملاؤها أعضاء الفريق كانوا منخرطين بالمشاركة إلى حد كبير. وقد وصفت إحدى الطرق الصغيرة التي يمكن من خلالها لقائد الفريق المشغول أن يوقف تدفق العمل ليُظهر لعضو الفريق أن نقاط قوته قد لوحظت وتُرجمت إلى توقعات مستمرة. قالت: «كان هناك اجتماع لأحد الفِرَق حيث كان الجميع يدور ويدور، فبادرت إلى تبسيط المشكلة وحلها. لقد اهتمت قائدة فريقي بذلك. وأطلقت عليّ لقب “الهادئة في الفوضى”، ووصفتني بالشخص العملي الذي يتجنب الانخراط في النقاش. لقد أعطتني هذه الصفة، وأشارت بذلك إلى بقية أعضاء الفريق، والآن في الاجتماعات، عندما نواجه مشكلة، يلجأ الجميع إليّ بشكل طبيعي». لقد أخذت كيونا وقائدة فريقها هذا الفهم إلى ما هو أبعد من اجتماعات الفريق وجعلتها أساسًا في اللقاءات الأسبوعية، حيث تشارك كيونا أولوياتها وتتحدث هي وقائدة فريقها حول تصحيحات المسار وتحولات التركيز الصغيرة. ومع مرور الوقت، يصبح كل لقاء بمثابة دفعة نحو النتائج الصحيحة وتذكير بأن نقاط القوة التي تتمتع بها كيونا هي في مقدمة أولويات قائدة الفريق. إن المستوى العالي من المشاركة الذي يشعر به أعضاء فريق كيونا يأتي في جزء كبير منه من الثقة التي يبنيها قائد الفريق بهذه الطريقة.

2. تصميم فِرَق تهتمّ بالإنسان.

إن أهمية الثقة تقودنا بدورها إلى ما نعتبره أهم رؤية من دراسة ADPRI حول كيفية إنشاء فِرَق مُشارِكة. وتظهر الخطوط العريضة لها عندما ننظر عن كثب إلى ممرضَيْنا في العمل.

يعمل في قسم فريتز 76 ممرضًا تحت إشراف مدير ممرض واحد. بغض النظر عن مدى براعة هذه المديرة، فهي ببساطة لا تستطيع تلبية احتياجات وأولويات كل ممرض/ة كل أسبوع، ونتيجة لذلك يشعر فريتز وزملاؤه بأنهم وحيدون وغير مرئيين وغير مسموعين في مواجهة تحدياتهم اليومية.

في المقابل، يضم قسم جوردان عددًا أكبر من الممرضين/ات ومساعديهم (97) ولكن هذا ما تبدو عليه الأمور في المخطط التنظيمي. إذ تُعدّ جامعة ستانفورد للرعاية الصحية رائدة في ابتكار الطرق التي تجعل الاهتمام المتكرر والخفيف بين أعضاء الفريق وقائد الفريق مبدأً أساسيًا في تصميم العمل. ووفقًا لما ذكره ديفيد جونز، رئيس قسم الموارد البشرية، فإن المؤسسة لم تضع المرضى عمدًا في قلب الفِرَق الديناميكية التي تظهر كل يوم فحسب (وهذا هو “النهج متعدّد التخصّصات” الذي تشارك جوردان فيه) ولكنها تعمل أيضًا على إنشاء فريق عمل في ADP وقياس المشاركة وأداة التحقّق تسمى StandOut لكل موظف. الأمر الذي يُمكّن أعضاء الفريق من الحصول على الاهتمام الذي يحتاجون إليه من قادة فِرَقهم، سواءً كان فريقهم مرئيًا على المخطط التنظيمي أم تكوّن فجأة بالأمس للتركيز على مريض معين.

تُطلعنا البيانات الواردة من جامعة ستانفورد للرعاية الصحية، إلى جانب أبحاث أخرى من شركات سيسكو، وديلويت، وADP، وMission Health، وLevi’s، أن الاهتمام المتكرر بعمل كل عضو في الفريق هو ما يمكن أن نطلق عليه الطقوس الأساسية لقيادة الفريق. فقد أنشأت جميع هذه المنظمات محادثة أسبوعية بسيطة بين قادة الفِرَق وكل عضو من أعضاء فريقهم، وتمكنت من قياس زيادات في المشاركة كدلالة نتيجة لتكرار عمليات التحقّق هذه.

تتناول عمليات التحقّق سؤالين بسيطين: ما هي أولوياتك هذا الأسبوع؟ وكيف يمكنني المساعدة؟ والعمل على ضمان حصول كل عضو في الفريق على الاهتمام اللازم للقيام بعمله على أفضل وجه. إنهم يركزون على المستقبل وعلى ما يحفّز كل عضو في الفريق؛ فهي تعتمد على نقاط القوة، وليست ذات طابع علاجي.

وتوضح البيانات بشكل لا لبس فيه أن تكرار المحادثات أمر بالغ الأهمية. إذ أظهرت دراسة سابقة أجرتها ADPRI في جامعة ستانفورد للرعاية الصحية أن قادة الفِرَق الذين يتحقّقون مرة واحدة في الأسبوع يرون، في المتوسط، مستويات مشاركة أعلى ب 21 نقطة مما يراه أولئك الذين يتحقّقون مرة واحدة فقط في الشهر. ووفقًا لجونز، أسفرت دراسة حديثة أجرتها شركة Cisco عن بيانات قابلة للمقارنة: «إذ يمكننا أن نرى من بياناتنا أن الفِرَق التي لديها عمليات تحقّق أكثر تكرارًا تتمتع بمستويات أعلى من المشاركة؛ لذا، للمضي قدمًا، سنستمر في تجربة فِرَق أصغر حجمًا وأكثر تركيزًا على المريض وأكثر مرونة، ونستمر في التحقّق من العلاقة بين نطاق السيطرة ونتائج المرضى، وكل ذلك لأننا نستطيع رؤية الرابط بين الاهتمام والفِرَق ونتائج رعاية المرضى».

تدرك الفِرَق الأكثر تفاعلًا، وقادة الفِرَق الأكثر فعالية، أن العملة الأساسية للمشاركة هي الاهتمام البشري الحقيقي. وهذا يساعدنا في الإجابة عن تساؤل وُجد منذ أمد طويل حول النطاق الأمثل للسيطرة في جميع المؤسسات. إذ تشير بعض الأبحاث إلى أن الرقم يتراوح بين ثمانية وعشرة، في حين أن بعض أماكن العمل، مثل مراكز الاتصال، تتجاوز الحدود إلى نطاقات قد تصل إلى 70 عضوًا في الفريق لمشرف واحد. إن تحديد عملية التحقّق والاهتمام المتكرر الذي توفره، كمحرك رئيسي للمشاركة، يُظهر أن “نطاق السيطرة” هو نطاق الاهتمام بشكل أكثر دقة. ويكشف البحث أنه لكي يشارك الأفراد، يجب أن يسمح نطاق السيطرة لكل قائد فريق بالتواصل، واحدًا لواحد، مع كل عضو في الفريق كل أسبوع على مدار العام. إن أي عملية ترحيل أو تأخير أو إعادة تصميم للمؤسسة تمنع مثل هذا الاهتمام المتكرر، وستؤدي في النهاية إلى انفصال الموظفين عن العمل وإرهاقهم وضياعهم.

3. لنتعلم معًا.

كيف يمكننا مساعدة الفِرَق على التحسّن؟ تتمثّل إحدى المشكلات في المؤسسات عادةً بإرسال الموظفين إلى فصل دراسي حول التعاطف أو الاستماع الفعّال أو إدارة المشاريع بمفردهم، وذلك بهدف تعليمهم كيف يصبحون أعضاءً أفضل في الفريق. إذ يتعلّمون هذه المهارات في سياق منفصل تمامًا عن الفِرَق التي سيوظفونها فيها بالفعل. ثم بعد ذلك، عندما يبدو أنه لا يزال هناك خطأ ما في كيفية تفاعل أعضاء الفريق، يبرز إشكال ثانٍ: إذ يُرسَلون إلى ورش العمل والمواقع الخارجية التي تتميّز بانخفاض الثقة وأنشطة بناء الفريق الأخرى التي لا علاقة لها بالعمل الجماعي الفعلي، وبالتالي لا يتعلمون شيئًا عن الثقة ببعضهم البعض في سياق العمل، ولا أي شيء آخر يتعلق بجعل هذا العمل أكثر شفافية وقابلية للتنبؤ به.

ولكن هناك طريقة مختلفة. ففي شركة Cisco، حيث يشغل أحدنا (آشلي) منصب نائب الرئيس الأول، بدلًا من تدريس “مهارات العمل الجماعي” للموظفين وقادة الفِرَق بشكل منعزل، يُقدَّم التدريب للفريق من خلال برنامج قوة الفِرَق. إذ تبدأ كل جلسة من جلسات البرنامج بمناقشة المشاركة في هذا الفريق الآن. ويتعرّف أعضاء الفريق على زملائهم الحاليين من خلال عدسة نقاط القوة. ومن هذه المكونات، يبني الفريق عادات وطقوسًا جديدة لتسريع نمو أعضائه معًا من خلال عملهم معًا، في هذا الفريق بالذات وفي هذه اللحظة بالذات. لقد طبّقت Cisco هذا النهج المحدّد في الوقت الفعلي والذي يناسب الفريق الواحد لتحسينه أكثر من 600 مرة في السنوات الثلاث الماضية. وقد تعلمت الشركة أن مساعدة كل فريق على فهم كيفية عمله وإيجاد أساليب جديدة متجذّرة في الأفراد الموجودين في الفريق والعمل الذي يواجهونه هو أكثر قيمة بكثير من تدريس مهارات العمل الجماعي المجردة لكل فرد على حدة. لقد كان تأثير البرنامج في Cisco كبيرًا لدرجة أن القادة طلبوا عقد أكثر من 400 جلسة على مدار ال 12 شهرًا القادمة فقط.

4. أعطِ الأولوية لخبرة الفريق ومن ثم لموقعه.

أثار اتجاهان حديثان في مجال العمل الكثير من الأحاديث في الشركات الكبرى التي تفكر في المشاركة: العمل من بعد والعمل المستقل. إذ يبدو بالمعنى الحقيقي أن العمل من بعد ينتقص من المشاركة وأن العمل المستقل يعد تجربة وحيدة ومجزأة. لقد شهدت السنوات القليلة الماضية توجهًا مستمرًا لإعادة الموظفين إلى مكاتبهم. فبدءًا من مرسوم الرئيسة التنفيذية لشركة Yahoo ماريسا ماير لعام 2013 والذي يقضي بضرورة حضور جميع الموظفين إلى المكتب يوميًا، وحتى التراجع الأخير عن سياسات العمل من المنزل في Aetna وIBM، إلى جانب تركيزنا الحالي على مساحات العمل ذات المخطط المفتوح وموقع العمل الجديد التالي للمقر الرئيسي للشركة، يبدو أن الحكمة السائدة هي أن العمل من بعد ليس منتجًا ولا جذابًا مثل العمل المشترك؛ فإذا أردنا أن يتعاون الأفراد مع بعضهم البعض ويبتكروا بشكل فعّال ضمن فِرَق، يجب عليهم أن يصطدموا ببعضهم البعض في الممرات ويتحدثوا مع بعضهم البعض في استراحات القهوة.

لقد أظهرت لنا دراسة ADPRI شيئًا مختلفًا بشكل مدهش: أولًا، أفاد 23% من العمال أنهم يعملون من المنزل معظم الوقت، وتبين أنهم أكثر تفاعلًا من العاملين في مكان واحد (20% مقابل 15.8%). علاوةً على ذلك، فإن أكثر من نصف هؤلاء العاملين من بعد (55%)، بعيدًا عن الشعور بالعزلة، أفادوا بأنهم يشعرون بأنهم جزء من فريق. ومن بين أولئك الذين يشعرون بأنهم جزء من فريق، فإن 27% منهم منخرطون بشكل كامل في العمل. وعلى النقيض من ذلك، فإن 17% فقط من أعضاء الفريق المتواجدين في مكان واحد والذين أفادوا بأنهم يشعرون بأنهم جزء من الفريق منخرطون بشكل كامل.

بعد الجمع بين هذه النتائج الأولية والنظر إليها من خلال عدسة الفريق مقابل اللافريق وبدلًا من العمل من بعد مقابل التواجد في مكان واحد، يمكننا أن نقول على وجه اليقين أنه لإشراك موظفيك، يجب عليك تجنب إلزامهم بالحضور إلى المكتب كل يوم، كما أن كل الوقت الذي تقضيه في مساعدة العاملين من بعد على الانضمام والتعرف على الأعضاء الآخرين والشعور بدعم فِرَقهم سيؤتي ثماره في شكل عمّال أكثر تفاعلًا. إن المشاركة تتعلق بمن تعمل معه، وليس بالمكان.

5. اجعل العمل كله أشبه بالعمل المستقل.

مع ظهور اقتصاد الوظائف المؤقتة، ظهرت مخاوف من أن العاملين في الوظائف المؤقتة قد يكونون معزولين اجتماعيًا. لكن دراسة ADPRI كشفت أن العمل المستقل أكثر جاذبية من العمل التقليدي، إذ ينخرط 18% من العاملين المستقلين فقط (أي كل من العاملين بعقود دوام كامل أو جزئي أو العاملين المؤقتين) بشكل كامل، مقابل 15% من العمال التقليديين (أولئك الذين لا يشاركون في الاقتصاد المستقل). ويرجع ذلك إلى السببين الرئيسيين وراء إعلان الأفراد عن حبهم لعملهم المؤقت: فهو يمنحهم قدرًا أكبر من التحكم في حياتهم العملية، ويشعرون بمزيد من الحرية في القيام بالعمل الذي يحبونه (وكلا السببين يساعد في تفسير إظهار دراسة ADPRI اللقب الذي يمنحه العمال المستقلون لأنفسهم ألا وهو “الرئيس” ).

واتساقًا مع ذلك، عندما طُلب من المشاركين وصف حالة عملهم بالتفصيل (وظيفة واحدة بدوام كامل، وظيفتين بدوام جزئي في شركتين، وظيفة واحدة بدوام كامل ووظيفة واحدة بدوام جزئي في الشركة نفسها، وما إلى ذلك) اتضح أن حالة العمل الأكثر جاذبية (25% مشاركة كاملة) كانت على النحو التالي: وظيفة واحدة بدوام كامل ووظيفة واحدة بدوام جزئي في شركة مختلفة. إذ تجلب الوظيفة بدوام كامل الاستقرار والفوائد، في حين أن الوظيفة بدوام جزئي، مثل العمل المؤقت، توفّر المرونة وفرصة للفرد للقيام بشيء يستمتع به حقًا (إلى جانب الدخل الإضافي).

لا تكشف هذه النتائج أن العمل المستقل يمكن أن يكون جذابًا للغاية فحسب، بل إنه يحتوي في الواقع على عناصر يمكن ويجب زرعها في العمل التقليدي. لذا يجب المحاولة لجعل جميع الأعمال أشبه بالأعمال المؤقتة: إذ يجب أن يتمتع الموظفون بمزيد من التحكم في عملهم وفرصة أكبر للقيام بالعمل الذي يحبونه. يجب أن يتمتعوا بأفضل ما في كلا العالمين: دور ثابت يمكن التنبؤ به مع “الفريق المحلي” (في أغلب الأحيان، الفريق الثابت الموضّح في المخطط التنظيمي) و”النشاط الجانبي”، الذي هو عبارة عن سلسلة من الفرص للانضمام إلى فِرَق ديناميكية داخل الشركة نفسها. وقد تكون القيمة الكبرى لأي من هذه الفِرَق هي مجموعة نقاط القوة الخاصة والرائعة والغريبة التي يمتلكونها. هذه ليست الطريقة المعتادة لتصميم العمل أو المسارات المهنية، ولكنها قد تكون الأكثر جاذبية.

منسقو الغرابة

بالنسبة لعالم فريتز، أي جميعنا، من وقت لآخر ومن مكان إلى آخر، علينا التركيز على أطراف الأرجوحة. إذ ما تخبرنا به كل هذه الأدلة هو أن الشركات لن تحقق ما تريده، أو الأهم من ذلك، ما يحتاجه الأفراد في العمل، من خلال تعزيز ثقافة الشركة من ناحية أو محاولة التركيز على كل فرد بمعزل عن الآخر.

يجب على المؤسسات أن تولي اهتمامًا أقل لنهايات السلسلة وأن تركّز بدلًا من ذلك على نقطة ارتكاز العمل، ألا وهي الفريق. فعندما نواجه مشكلة في الأداء أو فرصة للابتكار أو أي شيء آخر، ينبغي لنا أن نسأل: «كيف يمكننا معالجة هذه المشكلة من خلال فِرَقنا؟».

أولًا، يجب أن تكون بنية المعلومات موجودة، والحاجة إلى رؤية الفِرَق. نحن بحاجة إلى إيجاد واستخدام التقنيات التي من شأنها أن تسمح لقادة الفِرَق بإخبار الرؤساء الذين يقودون المؤسسات، في الوقت الحقيقي، من هم الأعضاء في كل فريق يقودونه. ويجب أن تكون هذه التقنيات مفيدة لقادة الفِرَق حتى يتمكنوا من استخدامها طوعًا لفهم أعضاء فريقهم ودعمهم بشكل أفضل في إيقاعات العمل اليومي، لأنه فقط من خلال الاستخدام الطوعي والمستمر سنرى من يعمل مع من في الوقت الفعلي.

ثانيًا، علينا أن نكون أكثر تحديدًا في كيفية تفكيرنا في القيادة. إن الأدوار القيادية داخل مؤسسة كبيرة كثيرة ومتنوعة، بالطبع، ولكن يعدّ دور قائد الفريق أهم هذه الأدوار، وبالتالي يجب أن يكون على رأس أولوياتنا. إذ تعتبر تصرفات قائد الفريق، وكيفية بنائه الثقة وإيلائه الاهتمام من أهم العوامل التي تخلق الخبرات التي تميّز أفضل الفِرَق. وبالتالي، يتعين علينا اختيار القادة وتدريبهم ومكافأتهم وترقيتهم ليس على أساس قائمة مجردة من الكفاءات القيادية العامة، بل على أساس نزعتهم لقيادة الفريق وسجلّهم الحافل كقادة للفريق.

ثالثًا، نحن بحاجة إلى كسر أغلال المخطط التنظيمي. الدرس الأساسي المستفاد من البحث هو أن العمل يتم ضمن فِرَق، سواءً كانت متداخلة أو ديناميكية أو عفوية أو مصممة، أو طويلة الأمد أو قصيرة الأمد. إن عالم العمل الحقيقي فوضوي. لذا يجب علينا أن ندفع نحو إثراء الفِرَق الحقيقية التي تقوم بعمل حقيقي، وعلينا أن نطرح أسئلة جديدة: هل تتمتع الفِرَق الناجحة الكبيرة بالعادات والإيقاعات نفسها التي تتمتع بها الفِرَق الصغيرة الناجحة؟ بكم طريقة تبدأ الفِرَق؟ هل تختلف أفضل الطرق التي يستخدمها أعضاء الفريق لمشاركة المعلومات وفقًا لنوع الفريق الذي يعملون فيه؟ هل بعض الطرق أفضل بشكل واضح من غيرها، من ناحية تأثيرها على مشاركة الفريق؟ هل تتبنى الفِرَق الافتراضية إيقاعًا مختلفًا عن إيقاع الفِرَق المشتركة؟

وإذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك، هل يجب علينا إعادة تصوّر مؤسساتنا كأماكن حيث يكون لكل فرد فريق محلي بالإضافة إلى فريق واحد أو أكثر؟ هل يجب علينا بعد ذلك المضي قدمًا، والنظر إلى الوظائف ليس كسلسلة من الخطوات لصعود السلم التنظيمي، بل كتراكم للخبرات عبر العديد من الفِرَق الديناميكية؟ هل يمكننا استخدام فِرَقنا، بما تتمتع به من مرونة متأصلة، لإعادة التفكير في كيفية هيكلة “العناصر البشرية” في شركاتنا، كالتعويضات والترقية والتطوير والتعاقب؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل نحتاج إلى المخطط التنظيمي على الإطلاق؟

بالنسبة لقادة الفِرَق، يجب أن يتحوّل التركيز من العام إلى الخاص. يجب أن نكون واضحين أن وظيفة قائد الفريق تتّسم بالتحدي وهي ببساطة: إنشاء تجربة في الفريق، يومًا بعد يوم، تسمح لكل فرد بتقديم أفضل ما لديه، ثم دمج هذه المساهمات مع بعضها البعض في شيء لا يمكن لأي فرد أن يفعله بمفرده. نحن بحاجة إلى ترسيخ هذه الوظيفة في الطقوس والتدابير، وكلها مصممة للمساعدة في تضخيم ما تفعله أفضل الفِرَق: التحقّق الأسبوعي؛ إجراء مناقشات متكررة مع كل فرد ومع الفريق ككل حول المجالات التي يمكن للأفراد توظيف نقاط قوتهم فيها؛ واستخدام العناصر الثمانية في منهجيتنا لقياس التقدم، ليس لغرض المساءلة، بل للتنوير وتصحيح المسار.

وهنا، أخيرًا، نرى الهدف الأساسي للفِرَق: إنها أفضل طريقة ابتكرها البشر على الإطلاق لجعل التفرّد الذي يتمتع به كل فرد مفيدًا. نحن نعلم أن كثرة استخدام نقاط القوة يؤدي إلى الأداء العالي، ونعلم أن نقاط القوة تختلف من شخص لآخر. إذ تعدّ الفِرَق عالية الأداء ضرورية لمنظمة عالية الأداء لأنها تخلق المزيد من الفرص لكل فرد لاستخدام نقاط قوته من خلال تمكين تقسيم المهام المطروحة وفقًا لنقاط القوة المعروضة. إن الفِرَق تجعل الغرابة مفيدة. إنها آلية لدمج احتياجات الفرد واحتياجات المؤسسة. وإذا تمكنا من حلها بشكل صحيح، فإننا سنحل الكثير من المشاكل. في النهاية، إذن، نحتاج إلى مساعدة قادة فِرَقنا على رؤية أنهم منسقو الغرابة لدينا، وملتقطو المراوغات لمساعدة موظفينا على المشاركة بشكل كامل، وأن وظيفتهم هي الوظيفة الأكثر أهمية في شركاتنا، وأنهم وحدهم القادرون على القيام بها.

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1