لماذا نماطل عندما يكون لدينا مواعيد تسليم بعيدة الأمد؟

عندما يواجه الناس مواعيدَ نهائيّةً لتسليم المهام في المستقبل، فعلى الأرجح يرون تلك المهام صعبةً، مما يقودهم بذلك إلى المماطلةِ في البدء بها، أو صرف مبالغَ كثيرةً لإنهائها، أو حتّى التخلّي عنها تمامًا. لذا، يرى المديرون وغيرهم أنّ تقديم هذا النموذج مهمٌّ عند تحديد الموعد النهائي لتسليم المهام، وقد تحدثت عنه باستفاضةٍ في بحثي الذي توصّلت به إلى الأسباب وراء نزوع الناس إلى المماطلة في أداء المهام طويلة الأمد، بالرّغم من أنّهم ينتهون من تلك التي تحظى بأهميّةٍ أقل، ولكون المهام العاجلة تعكس التفضيلات الشخصيّة، لذا نميل إلى ترتيب المهامِ من حيث أولويّتها دون النظر إلى ما ترمي إليه.

(هل بمقدورك تسليم المهمّة لي في نهايةِ اليوم؟) هذا السؤال لا يروق للكثيرِ من الموظفين، ولا لغيرهم ممّن لديهم مهامٌ قصيرة الأجل، بدلاً من المهام طويلة الأجل، وفي هذه الحال، يُطرَح عليهم السؤال بهذه الطريقة: (أيمكنك أن تنتهي من هذه المهمة في نهاية الأسبوع؟) الذي سيساعدهم على إكمال المهمة، ورؤية عملهم أقلّ صعوبةً.

في دراسةٍ حديثة نُشِرت في مجلّة أبحاث المستهلكين، أكّدت أنا وزملائي “راجيش باغاشي” و”ستيفان هوك” على أنّه من الممكن أن تقود مواعيد التسليم البعيدة العمّال إلى التفكير بأنّ المهمّة أكثر صعوبةً عن ما هي عليه بالفعل، فيخصّصون الكثير من الموارد للعمل على أداء المهمّة. ومن هنا، تزداد فكرة المماطلة واحتماليّة التخلي عن أداء المهمة الواجب العملِ عليها، هذا صحيحٌ حتّى عندما يصبحُ موعد التسليم النهائيّ عرضيّ. على سبيل المثال: (عندما لا تتوفّر المساحة أو أنّ المدير أو العميل غير مرحّب بتمديد الوقت لموعد التسليم).

خلال البحث، طلبنا من المتطوّعين في مراكز المجتمع أن يجيبو عن استبيانٍ قصير حول خططهم بعد التقاعد، وحدّدنا موعدين للإجابة على الاستبيان، بحيث أنّه يمكن للمجموعةِ الأولى الإجابة عنه خلال سبعة أيام، أمّا بالنسبة للمجموعات الأخرى سيكون الاستبيان متاحًا للإجابة عليه خلال أربع عشرَ يومًا. أوضحت النتائج أنّ المشاركين الذين كان من المتوقّع أن يسلّموا الاستبيان خلال موعدٍ محدد، استغرقوا الكثير من الوقت للإجابة عن أسئلة الاستبيان بأطول الردود، في حين أنّ نظائرهم من المجموعات الأخرى كانوا أكثر ميلاً للتسويف والمماطلة، وأقلّ عرضةً لاستكمال المهمّة المكلّفين بإنهائها عن المقيدين بموعدٍ للتسليم.

جاء في دراسةٍ أخرى، أنّ مواعيدَ التسليم البعيدة قادت المشاركين أيضًا إلى تخصيص مبالغ كبيرة من أجل تقديم الإقرار الضريبي، على الرغم من أنّ طول الموعد النهائي نشأ نتيجة عاملٍ عرضيّ للعثور على نموذج “الإقرار الضريبيW-2” المفقود، وأشارت الدراسة إلى أنّه نتيجة عثور الموظفين على النموذج المفقود، استغرقت عملية استكمال الضرائب وقتًا أقل، كما خصّصوا القليل من المبالغ المراد إنفاقها على عكسِ ما فعله غيرهم لإتمام المهمة السابقة، من خلال تعيين أخصائيين للضرائب، أو شراءِ برامج إعداد الضرائب.

وهنا، قدّمت هاتان الدراستان معلوماتِ للمديرين وأرباب العمل الذين يحددون المواعيد النهائية لأنفسهم أو للآخرين، وهذا يُبنى على أساس فهم قانون “باركنسون” الذي ينص على: (العمل يتوسّع ليملأ الوقتَ المتاح لإنجازه)، لكنّ دراساتنا تشير إلى أنّ المديرين يجب أن ينظروا في مواعيد تسليم المهام بصورةٍ أشمل. على الرغم من أنّ القانون أشارَ إلى أنٍ طول مدة التسليم تقودُ الأشخاص إلى تحديد أهدافٍ أكثر سهولةً وتقليل الجهد المبذول لتحقيقها، وجدنا أنّ تلك المواعيد زادت الصعوبة المتصورة لأداء المهمة، مما جعلَ قانون “باركنسون” مجرّد تنبُّؤٍ عن تخصيصِ الوقت لأداء المهمّة، كذلك المواعيد النهائيّة البعيدة تزيد التكلفة المخصّصة لأدائها، أي أنه سوف يشتمل على أدائها ميزانية، والتي ربّما يستغنى عنها بوضع مدّةٍ زمنيّةٍ قصيرة لتسليم المهمّة بدلاً من المواعيد النهائيّة البعيدة.

تلك النتائج تتعلّق فقط بمواعيد التسليم الفرديّة، إلا أن الكثير منّا يستطيع أن يوازن بين عدّة مواعيد أخرى متفاوتة. وفي هذا الصدد، أجريت أنا وزملائي “يانغ يانغ” و”كريس هسي” دراسةً أخرى منفصلةً للنظر في الطّرق التي يتبعها الأشخاص لتسليم المهام في مواعيدها المحددة، إلى أن خلصنا أنّها تتباين من حيث الأهمية، حيث يعتادون على الانتهاء من المهام قصيرة الأجل عن غيرها طويلة الأمد. وفي هذه المقالة المنشورة في مجلّة أبحاث المستهلك، سنتطرق إلى أثرِ الضرورة الملحّة الذي يعكس ضيق الوقت المؤثّر في اختيار الأشخاص للمهام المراد إنجازها.

أجرينا الدراسة بتقديم ثلاثِ قطعٍ من شوكولاتة “هيرتشي كيسيز” لثلاثة طلّابٍ من إحدى الكليات، لقاءَ إنهاء المهمّة وتسليمها خلال موعدها القريب، بينما خمس قطعٍ أخرى نظير إنهاءِ ذات المهمّة ولكنها ستسلّم خلال موعدٍ نهائيٍّ بعيد. ومن المثير للاهتمام أن تلك المكافأة الزهيدة مرتبطة بأثرِ الضرورة الزائفة، عندما لوحظ أن الطلبة بمقدورهم إنهاء المهام المكلّفين بها خلال وقتٍ أقصرَ من موعد تسليمها، إلّا أنّ الكثير منهم يتخلّون عن الجائزة الثمينة لمجرّد أنها زهيدة في نظرهم وسينتهي أثرها مستقبلاً. في إحدى الدراسات التي أجريناها، أشارَ أحدُ العاملين المهنيين المتعاقدين مع “أمازون ميكانيكال تورك” إلى أنّ مهامه اليوميّة تتطلب التوقيع على عقود الشركة للعمل على مختلف المهام البشرية العاملة بالذكاء الاصطناعي للحصول على المال، لكنه كان قد تخلى عن توقيع أحدهم الذي نصت شروطه على علاوةٍ تعادل 8% مضافةً على أجره الأصلي لزهد قيمتها، قائلاً: “لمَ أوافق على هذا الشرط الذي ما هو إلا وهم؟”.

ومن هذه الدراسات، يتضح لنا نزوع الأشخاص إلى المماطلة في أداء المهام التي من المفترض استكمالها لإنهاء مهامٍ أخرى عاجلة على أساس تفضيلاتهم الشخصية، وأكثرنا يفعل ذلك بديهيًّا، ويجري ذلك عند تفقدك للبريد الإلكتروني أكثر من العمل على تقرير الإيرادات أو المشروع، بينما نفضّل تأجيل إجراء فحصٍ طبي من الممكن أن يصبح منقذاً لحياتنا “كتشخيص السرطان الذي يمكن علاجه في مراحله الأولى”، أو حتّى الذهاب إلى أحد المتاجر للاستفادة من عروضٍ قصيرة الأجل. هذا يحدث أيضًا مع المهام المهمة، لأن أداءها صعب، بعيداً عن تحقيق الأهداف، كما تشتمل المهام العاجلة على مكافآتٍ فورية ومحددة، أو لسبق الأولوية بإنهاء تلك المهام أولاً ثم الأقل في درجة الأهمية، إلّا أنّ دراساتنا أضافت شيئا، وهو أنّ الأشخاص يرتّبون أولوياتهم للمهام العاجلةِ والطويلة؛ لأنّ أسبابهم معروفة ألا وهو الخوف من تدهور وضعهم المالي، أي لكلِّ مهمّةٍ حجّتها.

لذا، فإنّ هذه النماذج مهمّة للمديرين والموظفين لكي يضعوا المواعيد النهائيّة للتسليم حسب أولوياتهم، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير أنّ نتائجنا التي تكشف عن أساليب استغلال الأولوية للمهام العاجلة مثيرةٌ للاهتمام، فمن المرجّح أن ينهيها القائمون عليها في موعدها، فيما تقلّ احتماليّة مماطلتهم لها أو الإنفاق عليها بمبالغ طائلة عن نظيراتها الأقل أهميّة.

غير أن الفارق الزمني للمهام طويلة الأجل ضروري إن اشتملت على التعقيدات أو حدوث عوامل خارجية تتطلب تمديد موعدها، ولكن هل ما زال الخلاف حول الإنتاجية؟ دراستنا تجيب ب “نعم”.

فعندما تكون المهام بعيدة، يمكن للمديرين تحويل انتباه الموظفين تجاه أهداف المهام اليوميّة، وتذكيرهم بالمكافآت النهائية من شتّى المهام بطريقةٍ فعّالة لأدائها. في حين أنه في بعض الأحيان تصبح المواعيد النهائية البعيدة أكثر فاعليةً من المواعيد قصيرة الأجل “كميل الأفراد الطبيعي إلى عدم التقيّد بخطّةٍ للادّخار في الكليّة أو المعاش مثلاً”، وبالرغم من مماطلة البعض عن التخطيط لذلك أو الانسحاب، غير أنّ المخططين سيحققون أهدافهم لما سيبذلوه من جهدٍ للقيام بها عمّا هو مطلوبٌ عادةً.

وفي هذه الحال، يعمل ضغط الموعد النهائي على تحقيق التوازن ضدَّ عدم الالتزام بالتخطيط.

  • ترجمة: زينب محمد الأصفر
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1