كيف تضيء اليراعات؟

تستخدم اليراعات تفاعلًا كيميائيًا متوهجًا لإرسال إشارات إلى بعضها البعض في فترات الظلام من الفجر والليل.

يعتبر تلألؤ اليراعات في الليل من العلامات الأساسية لقدوم فصل الصيف في أجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية. وتُسمى قدرة اليراعات على إنتاج الضوء (بالتلألؤ الحيوي) وهو موجود عند بعض الحيوانات المنتقاة، والبكتيريا والفطريات في جميع أنحاء العالم. تعيش معظم هذه الكائنات في الكهوف أو المحيطات، ولكن قلة قليلة منها تعيش في أمكنة حيث يستطيع البشر رؤيتها بما في ذلك أصناف الخنافس التي يفوق عددها ال 2,000 فصيلة والتي تشكّل عائلة اليراعات.

نحن نعلم الآن اسم هذا التأثير، ولكن كيف تقوم اليراعات، التي تنتمي إلى عائلة اللامبيرديات، وتدعى أيضًا بالحشرات المضيئة، بخلق هذه المشاهد المبهرة؟

بحسب عالم الوراثة الكيميائية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو تيموثي فالون، يكمن السر أو المفتاح الأساسي وراء الضوء الذي تنتجه في التفاعل الكيميائي الناتج عن مركّب يدعى اللوسيفرين.

ينتج اللوسيفرين الضوء من خلال خسارة الإلكترونات، وهذه العملية تدعى الأكسدة، وهي تحدث بوجود عنصر الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP)، وهو جزيء يؤمن الطاقة للخلايا، بالإضافة إلى عنصر المغنيزيوم. ويحصل هذا التفاعل بوساطة أنزيم اللوسيفريز. تمتلك اليراعات أعضاءً للإضاءة في بطونها، وفيها تحدث عمليات التفاعل، وتحتوي هذه البطون على طبقة من حمض اليوريك المتبلور والذي يساعد على عكس وتعزيز الضوء.

لقد تطوّر نظام استخدام اللوسيفرين واللوسيفريز بشكل مستقل عدة مرات عند الحيوانات التي تمتلك خاصية التلألؤ الحيوي بما في ذلك مجموعة أخرى من الخنافس المضيئة والتي تدعى بالسينوبيروفوريدات.

بدأ العلماء بفهم الآلية التي تمكّن بعض الكائنات الحية من إنتاج الضوء منذ بضعة مئات من السنين فقط. وكان أحد أوائل الأشخاص الذين أحرزوا تقدمًا في هذا المجال عضوًا في البلاط الملكي الذي يعود للقرن السابع عشر، والذي اكتشف أن الهواء ضروري لتوهج الفطريات التي تمتلك خاصية التلألؤ الحيوي.

من المؤكد أن الأوكسجين أحد العناصر الأساسية في عملية توهج اليراعة.

يبدأ التوهج بسن مبكر عند اليراعات، إذ تكون الشرانق، وحتى البيوض أيضًا، قادرة على إنتاج الضوء. ومن الممكن أن يكون هذا بمثابة إشارة أو تحذير للكائنات المفترسة التي لن يكون ذلك بالنسبة لها صيدًا موفقًا، إذ قد تكون بعض هذه البيوض والشرانق سامة، ويرجع السبب في ذلك إلى مواد كيميائية تدعى اللوسيبوفاجينات والتي تدخل في تركيب نظامها الغذائي. وعندما تنتهي اليراعات من التحوّل، وتصل إلى النضج التام، تصنع أعضاءً جديدةً للإضاءة، ولكن النظام العام يبقى هونفسه، إذ ينبعث الضوء من داخل خلايا خاصة في أعضاء الإضاءة الموجودة على الجوانب الداخلية لبعض اليراعات والتي تجعلها تضيء بالألوان كالأصفر والبرتقالي والأخضر وحتى الأزرق.

تكون هذه الخلايا ممتلئة باللوسيفرين واللوسيفريز، كما أنها ممتلئة بكميات كبيرة غير معتادة من المتقدرات (الميتوكوندريا). ثم تضخّ هذه العضيات الصغيرة الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP) الذي تحتاجه اليراعات لإجراء عملية التفاعل الكيميائي. وبعد ذلك تشعل اليراعات الضوء وتطفئه خلال عملية تدفّق الأوكسجين إلى هذه الخلايا، إذ إن عدم وجود الأوكسجين يعني ظلام، والكثير من الأوكسجين يعني إمكانية التوهج.

هذا التواتر في عملية الإنطفاء والإضاءة مهم بالنسبة ليراعات ساحل الولايات المتحدة الأمريكية الغربي البالغة والتي تستعمل وميضها كإشارة لإيجاد شريك التزاوج المناسب. إن إيجاد الشركاء بالنسبة للخنافس يمكن أن يكون صعبًا، إذ طوّرت كل فصيلة تمتلك خاصية التوهج تواترها الخاص الذي يميزها عن البقية. وقد جاء على لسان باحثة الفراشات المستقلة في ناشفيل في تينيسي لاين فوست أن هذا ما يجعل الكائنات التي تمتلك خاصية التلألؤ الحيوي عبارة عن (أغنية حب في الضوء بأسلوب شيفرة مورس). وأضافت قائلةً: «بالنسبة لهذه الحشرات، يعتبر ذلك بمثابة سباق مع الزمن لأن مدة حياة البلوغ لديها قصيرة جدًا».

لقد قطع الباحثون شوطًا طويلًا لفهم العلم وراء آلية توهج اليراعات. ولكن يبقى هناك عدد لا يحصى من فصائل اليراعات غير الموثّقة في قارتي آسيا وأفريقيا، وما زال الباحثون يجدون مشقة في معرفة الآلية التي تمكّنت فيها الخنافس من تطوير خاصية التوهج في الظلام لأول مرة منذ 130 إلى 140 مليون سنة مضت وذلك بحسب بحث نشر في preprint database BioRxiv.

يقول فالون: «لكن يبقى السؤال الكبير بدون إجابة وهو ما هي جميع الجينات التي تدخل في تكوّن خاصية التلألؤ الحيوي؟».

في عام 1985 تحقّق إنجاز علمي كبير وذلك عندما تمكّن العلماء من اكتشاف الجين المسؤول عن تصنيع اللوسيفريز. ويستخدم هذا الأنزيم حاليًا في أبحاث الطب الحيوي لتعزيز أنواع محددة من البروتينات بشكل صناعي عند بعض النباتات والحيوانات. وفي عام 2024 اكتشف العلماء في ووهان في الصين نوعين آخرين من الجينات في منطقة كواتيكا لي حيث تعيش يراعة نادرة في هذه المنطقة، ويعتقدون بأنها يمكن أن تساعد في تحديد تموضع المصباح، وهو العضو المسؤول عن الإضاءة عند اليراعة البالغة في منطقة البطن، كما يمكن أن تساعد في تعزيز الجين المسؤول عن توليد الضوء كاللوسيفريز.

إضافةً إلى فك الشيفرة المتعلقة بآلية توهج اليراعات، ما زال العلماء يحاولون معرفة السبب الذي يجعل اليراعة ذات علامة مميزة في الطبيعة، فقد شهدت السنوات الأخيرة تضاؤلًا في أعداد اليراعات، ويرجع السبب في ذلك إلى كثافة الضوء وفقدانها لموطنها الأصلي وتغير المناخ. تقول فوست: «إننا نعرف القليل جدًا عن اليراعات في موطنها الطبيعي، فكيف لنا أن نحافظ عليها ونحميها إذا كنا بالكاد نفهم حاجاتها الأساسية؟».

  • ترجمة: زينب كندسلي
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1