هندسة البكتيريا لمحاربة السلالات المقاومة للصادات الحيوية

إن الأشخاص المصابين بأمراض الرئة والمجرى التنفسي أكثر عرضة لتطوير إنتانات بكتيرية، خاصة عند حاجتهم إلى جهاز التنفس الصناعي.

يمكن أن تعالج الصادات الحيوية هذه الإنتانات، ولكن تزايد المقاومة للصادات الحيوية يهدد بتقليل خيارات العلاج. لذا يعمل العلماء على تطوير علاجات وصادات حيوية جديدة للقضاء على البكتيريا المقاومة للصادات الحيوية.

العديد من البكتيريا قادرة على حماية أنفسها من الصادات الحيوية عن طريق التكتل وإفراز مادة لزجة تحتوي على السكريات والبروتينات التي تتيح لها الالتصاق على الأسطح. هذه الطبقات من البكتيريا تسمى بالغلاف الحيوي biofilm، وتسبب إنتانات تنفسية خطيرة عندما تتشكل على جهاز التنفس الصناعي.

طور الباحثون في برشلونة نوعًا جديدًا من العلاج يستهدف فصائل من البكتيريا المقاومة للصادات تسمى الزائفة الزنجارية (عصيات القيح الأزرق) Pseudomonas aeruginosa، والتي تشكل غلافًا حيويًا وتسبب إنتانات رئوية. وذلك بهندسة صنف آخر من البكتيريا تسمى المفطورات الرئوية Mycoplasma pneumoniae لمحاربة غلاف الزائفة الزنجارية.

ولكن المشكلة كانت في أن المفطورات الرئوية يمكنها التسبب بالإنتانات التنفسية أيضًا، لذا بدأ الباحثون بصنع نسخة ضعيفة من هذه البكتيريا، يمكن استخدامها بأمان في الرئتين. وذلك بتعديل دنا DNA المفطورات الرئوية لإزالة الجينات التي تسبب تلف الرئة. أراد العلماء أن تعيش البكتيريا بما يكفي لمحاربة إنتانات الزائفة الزنجارية، لذلك كانوا حريصين على عدم تعطيل أي جينات تستخدمها البكتيريا للنجاة في الرئتين.

اختبر العلماء أمان المفطورات الرئوية المضعَّفة في الفئران، وثبت أنها تسببت بتلف ضئيل في الرئة والتهاب بعد أربعة أيام في الرئتين. ثم أدخل العلماء جينات جديدة تستخدمها المفطورات لتحطيم الغلاف الحيوي، ومحاربة الزائفة الزنجارية.

في الظروف المناسبة، تستطيع العديد من البكتيريا أخذ دنا DNA من البيئة المحيطة واستخدامه كأنه خاص بها. يطلق على هذه العملية بالتحول transformation، ويستخدمها علماء الأحياء الدقيقة لتغذية البكتيريا بالدنا وتغيير سلوكها. استخدم الفريق عملية التحول لإيصال ثلاثة جينات يمكن للمفطورات الرئوية استخدامها لاصطناع إنزيمات تفكك السكريات في الغلاف الحيوي. وأضافوا جينًا لبروتين يسمى pyocin L1، وهو صاد حيوي لا يضر المفطورات الرئوية ولكنه قادر على قتل الزائفة الزنجارية.

ثم تأكد العلماء من قدرة المفطورات الرئوية المطورة على تفكيك الغلاف الحيوي للزائفة الزنجارية باستخدام الجينات الجديدة. أضاف الفريق المفطورات الرئوية المطورة إلى غلاف حيوي مزروع على طبق وانتظروا 4 ساعات. ثم غسلوا الطبق وأضافوا صبغة تسمى البنفسج البلوري، وهي تستخدم لصبغ الأنسجة بما فيها الأغلفة الحيوية. وهكذا إن كان الغلاف الحيوي الذي في الطبق ما زال سليمًا فإنه سيتلطخ بصبغة البنفسج البلوري، وإن حطمته المفطورات الرئوية فإنه الماء كان سيزيله.

وباستخدام هذه التقنية، وجد الفريق أن المفطورات الرئوية المطورة دمرت أغلفة حيوية أكثر من المفطورات الرئوية العادية. أظهر المؤلفون أيضًا أن المفطورات الرئوية المعدلة يمكن أن تذيب الأغشية الحيوية التي تنمو على أنابيب التنفس الصناعي المهملة من المرضى في المستشفى.

حقق المؤلفون بعد ذلك فيما إذا كانت المفطورات الرئوية المعدلة يمكنها قتل سلالات الزائفة الزنجارية داخل الأغشية الحيوية. ووجدوا أن المفطورات الرئوية المعدلة يمكن أن تمنع ثلاث سلالات من الزائفة الزنجارية من النمو، لكنها فشلت في مواجهة سلالة واحدة.

لذلك هندسوا مفطورات رئوية معدلة أخرى عن طريق إضافة جين بروتين مضاد حيوي يسمى pyocin S5 بدلاً من pyocin L1. أوقفت هذه البكتيريا المعدلة الجديدة نمو سلالة الزائفة الزنجارية الأخيرة. ذكر المؤلفون أن هذا أظهر مستوى المرونة في المفطورات الرئوية المعدلة كعلاج لمداواة الأغشية الحيوية غير المرغوب فيها.

ثم اختبر الفريق المفطورات الرئوية كعلاج للفئران المصابة بالزائفة الزنجارية. ووجدوا أن الفئران التي عولجت باستخدام المفطورات الرئوية المعدلة أزالت العدوى في 26 ساعة. عاشت الفئران المعالجة أيضًا فترة أطول وكان تلف الرئة فيها أقل من الفئران غير المعالجة.

من خلال تسليح المفطورات الرئوية بالجينات لتحطيم الأغشية الحيوية ومحاربة الزائفة الزنجارية، استنتج المؤلفون أن هذا العلاج يمكن أن يعالج إنتانات الجهاز التنفسي. وكذلك سلط المؤلفون الضوء على إمكانية تكييف البكتيريا المهندسة لتقديم العلاج لأنواع أخرى من أمراض الرئة في المستقبل. ومع ذلك، نظرًا لإجراء هذه الدراسة على الفئران، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من البحث لترجمتها إلى الطب البشري.

  • ترجمة: ناديا أبو سمره
  • تدقيق علمي ولغوي: موسى جعفر
  • المصادر: 1