خروج المادة المظلمة عن السيطرة في اصطدام مجرّي

رُصدت مجموعتين عملاقتين من المجرات في أثناء عملية الاصطدام، إذ تتحركان بقوة كبيرة لدرجة أن المادة المظلمة فيهما انفصلت بشكل أساسي عن المادة الطبيعية وانطلقت إلى الأمام.

إنه مثل حمولة غير مقيدة في أثناء تصادم بين سيارتين. تعمل قوى أخرى على إيقاف السيارتين من تلقاء نفسها، لكن الحمولة، تحت تأثير الزخم، تستمر في الحركة.

هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها انفصال المادة المظلمة عن المادة العادية في سياق تصادم كوني عملاق، لكننا لم نشاهدها بهذه الطريقة من قبل. ويأمل العلماء أن يمنحنا هذا الاكتشاف أدلة جديدة حول سلوك وخصائص المادة المظلمة الغامضة التي تهيمن على الكون.

المادة المظلمة هي أحد الألغاز العظيمة في الكون. نحن لا نعرف ما هي، ولا نستطيع اكتشافها بشكل مباشر.

ولكن هناك، بطريقة أو بأخرى، جاذبية أكبر في الكون مما نتوقعه، استنادًا إلى المادة (العادية) التي يمكننا رصدها. جاذبية أكبر بكثير. ونحن نلاحظها في حركات النجوم والمجرات، وفي الطريقة التي ينحني بها الزمكان نفسه وينحني في وجود حقول جاذبية قوية.

وفقًا لحسابات العلماء، فإن قرابة 15% فقط من ميزانية المادة في الكون عبارة عن مادة طبيعية. أما النسبة المتبقية البالغة 85% فهي عبارة عن مادة مظلمة غير مرئية وغير قابلة للمس والتي يبدو أنها تتفاعل مع المادة الطبيعية فقط من خلال الجاذبية.

وهي موجودة في كل مكان. توجد مجرات المادة العادية، مثل مجرتنا، داخل كتل عملاقة من المادة المظلمة. وتشكل خيوطًا ضخمة منها ما نسميه الشبكة الكونية، التي تربط المجرات بالمجرات، والعناقيد بالعناقيد، مما يوفر طرقًا يمكن للمادة العادية أن تسلكها للالتقاء والاصطدام والنمو.

إن المادة العادية لديها العديد من الطرق الأخرى للتفاعل مع مواد أخرى، لذا فإن الأحداث الضخمة -مثل الاصطدامات بين مجموعات المجرات- قد تصبح مثيرة للاهتمام.

وعلى العموم، سوف تكون المجرات داخل المجموعات بخير، ولكن هناك سحب هائلة من الغاز في الفضاء بين المجرات، الذي يتصادم مع بعضه البعض، فيصبح ساخنًا ومضطربًا.

وبينما تتفاعل المادة العادية كهرومغناطيسيًا، وبينما تتعرض للصدمات والاضطرابات، يتم تطبيق تأثير الكبح، مما يتسبب في تباطؤ العناقيد. لكن المادة المظلمة لا تتأثر بهذه التأثيرات المبطئة، وتستمر في التحرك، وتتقدم للأمام قبل أن تستقر في النهاية مرة أخرى في موضعها حول العنقود المندمج حديثًا.

وتُعرف هذه التلسكوبات باسم MACS J0018.5+1626، وهي موجهة بطريقة تسمح بقياس جديد لسرعات المادة داخلها.

أُجري قياس سابق على تصادم عنقود نشاهده جانبيًا؛ تم توجيه MACS J0018.5+1626 لكي يبدو أن مجموعة واحدة تتجه نحونا مباشرة، والأخرى تتجه بعيدًا عنا مباشرة.

استخدم الباحثون تقنيات مختلفة لقياس سرعات المادة المظلمة والمادة العادية.

حُددت سرعة المادة المظلمة من خلال قياس سرعة المجرات داخل العناقيد، بناءً على كيفية تمدد الضوء أو ضغطه نحو اللون الأحمر أو الأزرق في أثناء تحركه بعيدًا عنا أو نحوه. يُعرف هذا باسم تحول دوبلر، وهو طريقة موثوقة لقياس السرعة في الفضاء.

تعتبر سرعة مجرات المجموعة بمثابة وكيل لسرعة المادة المظلمة، إذ تتصرف المجرات والمادة المظلمة بشكل متشابه في أثناء تصادم المجموعة.

لقياس سرعة الوسط داخل المجموعة، اعتمد الفريق على ما يسمى بتأثير سونيايف-زيلدوفيتش. وهو تشوه واضح يُرى في ضوء الخلفية للكون، ويحدث بسبب الإلكترونات في حجم معين من الفضاء. ونظرًا لأن هذه الإلكترونات يمكنها تشتيت الضوء، فيمكن استخدام هذا التأثير لتحديد مدى كثافة الإلكترونات.

يمكن ملاحظة التأثير الثانوي إذا كان الوسط المبعثر يتحرك، ويستطيع العلماء تحليل هذا التأثير لتحديد كيفية تحرك الوسط: ما مدى سرعته، وفي أي اتجاه.

وهذا سمح للباحثين بتحديد سرعة المادة العادية في العناقيد، ولاحظوا فرقًا واضحًا في السرعة بينها وبين المادة المظلمة كما كشفت عنها المجرات.

إنه عمل شامل للغاية في مجال العلوم الفيزيائية الفلكية والذي قد يساعدنا في سعينا لفهم ماهية المادة المظلمة بالضبط.

يقول سيليتش: «هذه الدراسة هي نقطة انطلاق لدراسات أكثر تفصيلًا حول طبيعة المادة المظلمة. لدينا نوع جديد من المجسات المباشرة التي تُظهر كيف تتصرف المادة المظلمة بشكل مختلف عن المادة العادية».

  • ترجمة: كارول قبه
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1