باحثون يشرحون كيف تزيد البتروكيماويّات من مخاطر الإصابة بالسرطان

قام باحث في مركز سيلفستر الشامل للسرطان في كليّة الطب بجامعة (ميامي ميلر) والمتعاونون معه بذكر تعليق يسلّط الضوء على مساهمة البتروكيماويّات بشكلٍ رئيسيٍّ في مخاطر الإصابة بالسرطان، ممّا يؤدّي إلى تأثيرٍ سلبيٍّ عميقٍ على الصحّة العامّة. ويشرح مقال لهم في (JAMA Oncology) وجهة نظرهم حول تشكّل مخاطر كبيرة في كلّ مرحلة من مسار معالجة البتروكيماويّات.

قال (جيمس شولتز)، الحائز على شهادة الدكتوراه، وعضو هيئة التدريس في سيلفستر والأستاذ المشارك في قسم علوم الصحة العامة في (ميامي)، وكبير مؤلّفي المقال: “هناك مسار لمعالجة البتروكيماويّات، حيث يتمّ استخراج الوقود الأحفوري، وتكريره، ومعالجته، ونقله، واستخدامه، والتخلّص منه في نهاية المطاف، وكلّ خطوة على طول هذا الطريق تشكّل مخاطر صحيّة إضافيّة”.

لاحظ كلٌّ من (شولتز)، والمؤلّف المشارك (جودي شيرمان) الحائز على الدكتوراه في الطب والأستاذ المشارك في التخدير وعلم الأوبئة في كلية الطب بجامعة (ييل)، والمؤلّفة الرئيسيّة (ليتيسيا نوغيرا) الحائزة على شهادة الدكتوراه والمدير العلميّ لأبحاث الخدمات الصحيّة في جمعيّة السرطان الأمريكّية (ACS)، أنّ البنية التحتيّة لإنتاج البتروكيماويّات مترابطةٌ بشكلٍ كثيفٍ، ممّا يجعل التعرّض البشريّ لهذه المخاطر أكثر شيوعًا إلى حدٍّ كبيرٍ.

واستشهدوا ب (زقاق السرطان Cancer Alley) في لويزيانا، وهو ممر على طول نهر المسيسيبي، من باتون روج إلى نيو أورليانز، لويزيانا، والذي يضمّ أكثر من مئتي منشأة بتروكيماويّة. ومعدّلات الإصابة بالسرطان أعلى بما يصل إلى خمسين مرّة من المعدّل الوطنيّ، كمثالٍ رئيسيٍّ.

وأوضحت نوغيرا من الجمعيّة الأمريكيّة للسرطان (ACS) أنّه “بسبب السياسات والممارسات التمييزيّة؛ فإنّ البنية التحتيّة للصناعات البتروكيماويّة الخطرة، بما في ذلك الحفر والتكسير واستخراج وتكرير ومعالجة الوقود الأحفوري، كثيرًا ما تقع في المناطق التي تقتطنها المجتمعات المستهدفة بالتهميش أو بالقرب منها؛ مثل (Cancer Alley) حيث عانى السكّان من تاريخٍ طويلٍ من العنصريّة المؤسسيّة والرسميّة؛ ممّا أدّى إلى تدهور الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ وسلطة سياسيّة محدودة”.

ومع ذلك، فإنّ التعرّض لا يقتصر على هذه المناطق؛ لأنّ البتروكيماويّات يتمّ نقلها باستمرار عبر خطوط الأنابيب والشاحنات والقطارات والسفن. قال (شولتز): “إنّ عنصر النقل يعرّض الجميع تقريبًا في الولايات المتحدة لخطرٍ محتمَلٍ”.

ويمكن لسكّان شرق فلسطين، بولاية أوهايو، أن يشهدوا على هذا الواقع بعد معاناتهم من آثار خروج قطار شحن عن مساره في شباط. كان القطار ينقل كلوريد الفينيل، وهو مادّة مسرطنة معروفة، وكان الدخان السامّ الناتج عن الإطلاق والحرق الخاضعين للرقابة لعربات السكك الحديديّة يحوم فوق المنطقة لعدّة أيّام من دون أن يتبدّد، بسبب الانقلاب الجوّيّ.

شرق فلسطين ليس مركزًا للبتروكيماويّات ولا مجتمعًا مهمشًّا. ولكن، من سوء حظّه أنّه كان عالقًا وسط حدث سامّ ينتقل عبر الهواء. وأوضحت نوغيرا أنّ “المواد المسرطنة ربّما تكون قد تسرّبت إلى التربة والمياه الجوفيّة، وقد يواجه السكّان مخاطر أعلى للإصابة بالسرطان في المستقبل. هذا يذكّرنا أنّه من الصعب الهروب من مخاطر البتروكيماويّات”.

وأشار المؤلّفون إلى أنّه بالإضافة إلى حوادث تعرّض المجتمعات للمواد الضارّة؛ فإنّ معالجة البتروكيماويّات تطلق كمياتٍ كبيرة من الغازات الدفيئة، ممّا يساهم في أكبر تهديد حالي لصحّة الإنسان، وهو تغيّر المناخ. وتنطوي كل خطوة من هذه العمليّة على أنشطة كثيفة الانبعاثات، وإطلاق الغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ العالميّ وتفاقم تغيّر المناخ، مع ما يترتب على ذلك من عواقب كبيرة على جهود مكافحة السرطان.

وقالت نوغيرا: “إنّ الأشخاص المصابين بالسرطان معرّضون بالفعل بدرجة كبيرة للمخاطر البيئيّة التي تشكّلها الكوارث المناخيّة، بما في ذلك الحرارة الشديدة وحرائق الغابات والأعاصير والفيضانات، وتزيد الظواهر الجويّة المتكرّرة والقويّة من احتمال نزوح المرضى من منازلهم وتعطّل الرعاية الصحيّة الخاصّة بهم، مع ما يترتب على ذلك من عواقبَ قابلة للقياس بالنسبة لمرضى السرطان الذين يعتمدون على الرعاية التي قد تنقذ حياتهم”.

ومن المفارقات أنّ النظام الصحيّ في الولايات المتحدة هو مستهلك رئيسي للمنتجات البتروكيماويّة، وخاصة المواد البلاستيكيّة ذات الاستخدام الواحد، ويمثل 8،5% من انبعاثات الغازات الدفيئة. وقال شولتز: “تستخدم نظم الرعاية الصحيّة الكثير من المواد البلاستيكيّة التي يمكن التخلّص منها والمواد ذات الاستخدام الواحد، والتي ازدادت كميّتها خلال الوباء، لذلك غالبًا ما ينتهي مسار البتروكيماويّات عندنا، نحن الذين نحاول إنقاذ الأرواح. لكن، تحوّلنا الأخير نحو المواد البلاستيكيّة ذات الاستخدام الواحد في الرعاية الصحيّة يعني أنّ المتخصصين في علاج الأورام ينتهي بهم الأمر إلى المساهمة في المشكلات ذاتها التي يعملون على حلّها”.

يدعو المؤلّفون قطاع صناعة الرعاية الصحيّة وأطباءها إلى أن يكونوا أكثر وعيًا بالتداعيات المحتملة لممارساتهم وإيجاد طرق لاستبدال العناصر والمواد ذات الاستخدام الواحد بموادّ قابلة لإعادة الاستخدام، كلّما أمكن ذلك.

إنّ القيام بذلك لن يؤدّي فقط إلى الحدّ من التأثير البيئيّ للنظام الصحيّ، بل سيجعل سلسلة التوريد الخاصّة به أكثر مرونةً في أثناء الكوارث ويقلّل من تعرّض المجتمع للمواد الخطرة.

وقال شولتز: “مقدّمو الرعاية الصحيّة في الخطوط الأماميّة يركّزون على إنقاذ الأرواح، ربّما لا يفكرون في العلاقة بين استخدام نظم الرعاية الصحيّة للمواد البلاستيكيّة ذات الاستخدام الواحد والتأثيرات المقابلة على تغيّر المناخ أو تعرّض المجتمع للمواد المسرطنة”. وأضاف: “إنّه لحسن الحظ، هناك أمثلة حاليّة لطرق تقليل الاعتماد على المواد البلاستيكيّة والمنتجات التي تُستخدَم لمرة واحدة بشكلٍ فعّالٍ. نحن بحاجة إلى اعتماد المزيد من هذه الممارسات”.

  • ترجمة: شادي استانبولي
  • تدقيق لغوي: آية الخلفان
  • المصادر: 1